شاركتُ قبل يومين في مؤتمر بالغردقة عنوانه "المرأةُ قوةٌ هادفة"، أطلقته نوادي "روتاري مصر" مجتمعة. وتحدثتُ في محاضرتي بالمؤتمر عن قوة المرأة الكامنة داخلها، والتي عبرها، فقط، سيكون بوسعها أن تغدو كيانًا فاعلاً في مجتمعها، وتنال حقوقها. وفي كلمتي عرّجتُ على نظرة بعض فلاسفة الغرب في المرأة، ومنهم نيتشه.
والحق أنه يخطئ من يظن أن النظرةَ المتدنية للمرأة منبعُها بعض رجال الدين المتشددين في اليهودية والمسيحية والإسلام. فالحقُّ أن تلك النظرة الظالمة متجذرةٌ في الوعي العالمي منذ نشأة المجتمعات البطريركية أو الذكورية أو الأبوية. وهي المجتمعات التي يحكمها الرجال، مثل معظم، إن لم يكن جميع، دول العالم اليوم. والبطريركية Patriarchy من الجذر اللغوي Pat وتعني الأب. والمقابل اللغوي لها هو كلمة Mat وتعني الأم.
ويخبرنا التاريخُ عن جود مجتمعات قديمة أمومية أو مطريركية Matriarchy، كانت السيادةُ والقيادةُ فيها للنساء، وليس الرجال. تلك المجتمعاتُ كان يسودها السلام والخصوبة والقيم الإنسانية الرفيعة. لأن المرأة بطبيعتها ليست لديها ميول سلطوية ولا استعمارية. فلم تعرف تلك المجتمعاتُ الحروبَ الاستيطانية والاستعمارية التي أشعلها الرجالُ عبر التاريخ وأريقت فيها الدماء. ومازالت هناك بعض المجتمعات الأمومية في أفريقيا والصين وغيرها، حتى اليوم.
ليس، وحسب، المتشددون من رجال الدين مَن يناصبون المرأة العداء. فبين يدينا فيلسوفٌ اشتُهر بالإلحاد وله كتاب عنوانه: “موت الإله”، ظلم المرأة وحطَّ من قدرها. في كتابه "هكذا تكلم زارادشت"، وضع نيتشه جميع أفكاره الشاذة عن النساء على لسان "زارا" وهو الرمز الاعتباري في الكتاب، وكذلك سيدة عجوز، صادفها زارا وحاورها حول المرأة في فصل “العجوز والفتاة”. من أقواله في ذلك الكتاب: "عندما يكون للمرأة ميلٌ إلى العلم، فغالبًا ما يكون ذلك علامة على اختلال جنسها.” ويقول كذلك: "عندما يكون للمرأة فضائلُ ذكورية مثل العقل والعلم والإرادة، فلابد أن تهرب منها، وعندما لا يكون لها شيء من ذلك فهي التي تهرب من الرجل.” هذا رأي نيتشه، عدو المرأة التاريخي، في المرأة. فترى فلسفةُ نيتشه إن المرأة مجرد كائن فارغ، لا عمق له ولا حتى سطح، لأنها كائن أجوف، لا تتحقق سعادتها إلا في إخضاعها للرجل، ولو بالسوط والهراوة. لأن المرأة إذا امتلكت شيئًا من فضائل الرجل، كالعقل والعلم والعمق والإرادة، فعلى الرجل أن يهرب منها فورًا لأنها حينئذ غيرُ كاملة الأنوثة. وحين لا تمتلك العقل والعلم والعمق والإرادة، وذاك هو الشائع، فإنها التي تهرب من الرجل خوفًا منه ومن سوطه، من فرط شعورها بالدونية أمامه. في ذات الكتاب يقول نيتشه: “لم تبلغ المرأةُ بعد ما يؤهلها للوفاء كصديقة، فما هي إلا هِرّة، وقد تكون عصفورًا. وإذا هي ارتقت أصبحت بقرة.”
في حواره مع السيدة العجوز في الكتاب، يقول زارا: إن سيدة عجوزاً استوقفته وطلبت رأيه في النساء. فقال لها: "يجب ألا يتكلم الرجالُ عن النساء إلا للرجال." فقالت العجوز: لك أن تتكلم أمامي عن النساء لأنني بلغتُ من العمر أرذله، فلن تستقر أقوالُك في رأسي.” وبالطبع، قال زارا كلامًا كثيرًا سيئًا عن المرأة، علّ أسوأه: “إذا كان قلب الرجل مكمنًا للقسوة، فقلب المرأة مكمنٌ الشر." وبعد انتهاء الحوار بين عدو المرأة، والسيدة العجوز، سخرت المرأة قائلة: "من الغريب أن ينطق زارا بالحق عن النساء، وهو لا يعرفهن إلا قليلاً”. وهذه ربما إشارةٌ إلى اضطراب علاقة نيتشه بالمرأة، كما نعرف جميعًا من سيرته الشخصية. ثم تختم العجوزُ كلامها بقولها: “إذا ما ذهبتَ إلى النساء فلا تنس السوط!”
ويرى بعض الفلاسفة، منهم "جاك دريدا"، أن نيتشه، وهو اللاعب الأكبر بالأقنعة والرموز، إنما في مجمل كلامه عن المرأة، لم يكن يقصد المرأة التي نعرفها كرفيق للرجل، إنما يقصد "الحياة"، ولكنه ألبسها قناعَ "المرأة" للتمويه واللعب الأدبي. وبفرض صحة تلك الفرضية، تبقى آراؤه الظالمة حول المرأة/ الحياة، محلّ استنكار من العقل والمنطق وقيم الجمال.