تحاصر الإنسان أحيانا رغبة عارمة في الارتباط بشخص معيّن جذب اهتمامه، قد يقف أمامها عاجزا لا يدري كيف يواجهها ويحولها إلى واقع ملموس. ويتوقف الوصول إلى إقناع الطرف الآخر بالارتباط على نضج العواطف وعلى تعامل الشخص مع الطرف المقابل خاصة في اللقاء الأول نظرا لما يتركه من انطباعات تؤثر بشكل مباشر وقوي في قرار الارتباط من عدمه ويمكن أن تؤثر في العلاقة برمتها في ما بعد.
ويحاول الشاب في اللقاء الأول مع الفتاة التي تعجبه التأثير عليها من خلال إبراز شخصيته وأجمل السمات لديه. ويقوم بلفت أنظار الحبيب من خلال المظهر وأيضا من خلال المرح أو الجدية، ونفس الشيء بالنسبة إلى الفتاة وكل منهما حسب شخصيته، كما يمكن أن يظهر المرء اهتمامه البالغ بأحاديث المحبوب، فمن شأن ذلك أن يشعره بمدى المشاعر التي يكنها له.
ويختار الكثيرون التصرف على طبيعتهم والتعامل بعفوية والإجابة عن تساؤلات الطرف الآخر بصدق. في حين يتخذ غير الواثقين بأنفسهم من الكذب وسيلة لاستمالة المحبوب وهو ما قد يؤدي إلى فشل العلاقة في زمن وجيز، فالبدء بالكذب يزرع الشك وقلة الثقة بمجرد اكتشاف الطرف الآخر للمغالطات التي تعرض إليها.
وتقول أستاذة علم النفس بجامعة القاهرة أميمة جمعة “تسيطر رغبة الارتباط بشخص معين على كل إنسان، وقد يجد البعض سبيلا للتعامل معها بالصورة التي تكون مقدمة لتحقيق حلم الارتباط، وقد يفشل البعض الآخر في التعامل معها وتكون النتيجة خسارة هذا الحلم إلى الأبد”.
وتعتبر جمعة أنه بقطع النظر عن قدرة الشخص على التجاوب مع رغبته وترجمة مشاعره، يجب أن يعمل على التركيز على إيجاد الطرق المثلى والأسهل التي تمكنه من الفوز بشريك الحياة الذي يحبه ويرغب في التقرب منه والتودد إليه.
وتشير أخصائية علم النفس إلى أن أول ما يجب على الإنسان فعله هو الحذر من التصرف مع المحبوب أو الشخص المرغوب في الارتباط به بعكس طبيعة شخصيته الحقيقية، حيث أوضحت دراسة أجرتها جامعة واشنطن أنه على المحب أن يتعامل بطبيعته وأن يظهر روح المرح والثقة اللتين يتمتع بهما. وكشفت الدراسة أنه على الأشخاص النرجسيين والواثقين الذين يتميزون عن غيرهم بهاتين الصفتين إبرازهما أمام الطرف الآخر منذ اللقاء الأول. ونصحتهم بإظهار جاذبيتهم في المظهر لأن ذلك يعدّ من الأشياء المهمة بالنسبة إلى الطرف الآخر الذي يستهويه رؤية محبه في شكل أنيق.
وحذّرت المختصة في علم النفس الشخصيات النرجسية من تجاوز الثقة بالنفس إلى إظهار الغرور والاعتداد بالنفس والأنانية وهي من الصفات التي على الأغلب تنفّر الطرف الآخر من البداية وتجعله يتردد في الارتباط ويفكر فيه كثيرا.
كما يجب على المحب أن يراقب تصرفاته في اللقاء الأول بالحبيب، خاصة إذا كان يحتسي مشروبا ساخنا، فقد وجدت دراسة أجراها المحلل النفسي الأميركي جون بارغ في جامعة بابل بالولايات المتحدة علاقة وثيقة بين شخصية الإنسان ودرجة حرارة جسده، حيث تلازم ارتفاع درجة حرارة الجسم رغبة داخلية في التعامل مع الآخرين بحب وحميمية.
وينصح الخبراء بالابتعاد عن المثلّجات أثناء التواجد مع المحبوب خاصة في اللقاء الأول، وينبغي البحث في اللقاءات التالية عن الأماكن الدافئة والحرص على تناول المشروبات الساخنة، وكذلك يجب التودّد إلى المحبوب بطريقة مثلى تسهم في التقرب إليه وإبلاغه المشاعر التي يكنّها له الشريك، وتكمن هذه الطريقة في البسمة الدائمة، فقد أجريت دراسة عام 2014 حول التأثير الذي تتركه البسمة على المحبوب، وتبيّن أنها تفعل المعجزات بمشاعره لأن جاذبية المحب تزيد بكثرة الابتسام.
من جانبها تؤكد استشارية الطب النفسي هالة حماد أنه من أبرز الخطوات التي تمكّن الإنسان من تحقيق رغبته في الوصول إلى شخص لديه مشاعر حب وإعجاب نحوه أن يستمع إليه جيدا، حيث يلعب الإصغاء لأحاديث الحبيب والنقاش معه بهدوء واتزان دورا هاما في إشعاره بالحب والاهتمام.
وينصح علماء النفس بحسن الإصغاء للمحبوب مؤكدين التأثيرات الإيجابية لهذا السلوك على الطرف الآخر، حيث قال عالم النفس غاري نيومان إن الإصغاء للحبيب أثناء حديثه ومناقشته في ما يعرض يعد مفتاحا للحب، لأنه غالبا لا يتحدث إلا إذا كان يرغب في إيجاد أحد يسمعه، كما أنه لا مانع من أن يطلب الإنسان المساعدة من الشريك.
وكانت دراسة أميركية أجريت في جامعة هارفارد قد كشفت أن هذا النوع من الناس الذين يبحثون عمّن ينصت إليهم باهتمام لديه رغبة أكبر في البوح بما يشعر به.
وتضيف هالة حماد أنه من الطبيعي أن تكون هناك لغة سرية ومشتركة تجمع بين كلّ حبيبين، ولكن إذا كان الأمر حبّا من طرف واحد فلا بد أن يتولى هذا الطرف مهمة خلق هذه اللغة، لأن ذلك من شأنه أن يؤسس لخلق المشاعر بين الطرفين وتقويتها.
كما أن وجود هذه اللغة الخاصة بين الطرفين وقدرتهما على فهمها حتى بمجرد تبادل النظرات يشعرهما بأنهما في علاقة مميزة عن غيرها من العلاقات. هذا الشعور بتميّز العلاقة يخلق نوعا من الانسجام والثقة المتبادلة. كما يشعر كلّ واحد بأنه شخص فريد ومميز في حياة الآخر، ويبدأ في النظر إليه بصورة مختلفة، ويخلق له مكانة خاصة داخل قلبه.
وأكدت دراسة حديثة أجريت بجامعة تكساس الأميركية أن الزوجين اللذين يخلقان لغة بينهما هما الأنجح، كما أن الزوجين اللذين يتحدثان مثل بعضهما لديهما فرص أكبر من غيرهما لاستمرار علاقتهما واستقرارها.