أورد أبو القاسمُ الحريريُّ في دُرَّة الغوّاص بيتًا طريفًـــــــــا، له بطنٌ وظهــــــر؛ يقول البيت :
نَسُرُّهُمُ إنْ هُمُ أقبَلوا *** وَإِنْ أدْبَرُوا فَهُمُ نَسُبّ
وظاهر معنى البيت: ندخل عليهم السّرور، وهم مقبلون، ونشتمهم، وهم مدبرون. وذلكم هو صريح النّفاق .
أمّا باطنه فيُعرف من تعريف المعجم للفعلين: (سَرَّ ) و( سبَّ )؛ تقول: سَرَرْتُ الرجلَ؛ أي: طعنتُه في السُّرَّةِ .
وسَبَبْتُه:طعنته في السَّبَّة؛ أيِ : المؤخِّرة.
- أَعِدْ قراءة البيت، واستحضر التّفسير يظهر لك المعنى الباطن وتنتفي مظنّة النِّفاق المنهي عنه شرعا وأخلاقيّـــاً.
الفعل (سرّ) من الجذر الثلاثي (س ر ر ) وليس من السرور والفرح:
والسُّرَّةُ: الوَقْبَةُ التي في وسط البطن.
والسُّرُّ والسَّرَرُ: ما يتعلق من سُرَّةِ المولود فيقطع، والجمع أَسِرَّةٌ نادر.
وسَرَّه سَرّاً: قطع سَرَرَه، وقيل: السرَر ما قطع منه فذهب.
والسُّرَّةُ: ما بقي، وقيل: السُّر، بالضم، ما تقطعه القابلة من سُرَّة الصبي. يقال: عرفْتُ ذلك قبل أَن يُقْطَعَ سُرُّك، ولا تقل سرتك لأَن السرة لا تقطع وإِنما هي الموضع الذي قطع منه السُّرُّ.
والسَّرَرُ والسِّرَرُ، بفتح السين وكسرها: لغة في السُّرِّ. يقال: قُطِعَ سَرَرُ الصبي وسِرَرُه، وجمعه أَسرة؛ عن يعقوب، وجمع السُّرة سُرَرٌ وسُرَّات لا يحركون العين لأَنها كانت مدغمة.
وسَرَّه طعنه في سُرَّته؛ قال الشاعر:نَسُرُّهُمُ، إِن هُمُ أَقْبَلُوا، وإِن أَدْبَرُوا، فَهُمُ مَنْ نَسُبْ أَي نَطْعُنُه في سُبَّتِه. قال أَبو عبيد: سمعت الكسائي يقول: قُطِع سَرَرُ الصبيّ، وهو واحد. ابن السكيت: يقال قطع سرر الصبي، ولا يقال قطعت سرته، إِنما السرة التي تبقى والسرر ما قطع.
وقال غيره: يقال، لما قطع، السُّرُّ أَيضاً، يقال: قطع سُرُّه وسَرَرُه.
وفي الحديث: أَنه، عليه الصلاة والسلام، وُلِدَ مَعْذُوراً مسروراً؛ أَي مقطوع السُّرَّة
وفي الباب يحسن ذكر السُّرية ، وقد اختلف أَهل اللغة في الجارية التي يَتَسَرَّاها مالكها لم سميت سُرِّيَّةً فقال بعضهم: نُسبت إِلى السر، وهو الجماع، وضمت السين للفرق بين الحرة والأَمة توطأُ، فيقال للحُرَّةِ إِذا نُكِحَت سِرّاً أَو كانت فاجرة: سِرِّيَّةً، وللمملوكة يتسراها صاحبها: سُرِّيَّةً، مخافة اللبس.
وقال أَبو الهيثم: السِّرُّ السُّرورُ، فسميت الجارية سُرِّيَّةً لأَنها موضع سُرورِ الرجل. قال: وهذا أَحسن ما قيل فيها؛ وقال الليث: السُّرِّيَّةُ فُعْلِيَّة من قولك تَسَرَّرْت، ومن قال تَسَرَّيْت فإِنه غلط؛ قال الأَزهري: هو الصواب والأَصل تَسَرَّرْتُ ولكن لما توالت ثلاثٌ راءات أَبدلوا إِحداهن ياء، كما قالوا تَظَنَّيْتُ من الظنّ وقَصَّيْتُ أَظفاري والأَصل قَصَّصْتُ؛ ومنه قول العجاج: تَقَضِّيَ البازِي إِذا البازِي كَسَرْ إِنما أَصله: تَقَضُّض.
وقال بعضهم: استسرَّ الرجلُ جارِيَتَه بمعنى تسرَّاها أَي تَخِذها سُرية.
والسرية: الأَمة التي بَوَّأَتَها بيتاً، وهي فُعْلِيَّة منسوبة إِلى السر، وهو الجماع والإِخفاءُ، لأَن الإِنسان كثيراً ما يَسُرُّها ويَسْتُرُها عن حرته، وإِنما ضمت سينه لأَن الأَبنية قد تُغَيَّرُ في النسبة خاصة، كما قالوا في النسبة إِلى الدَّهْرِ دُهْرِيُّ، وإِلى الأَرض السَّهْلَةُ سُهْلِيٌّ، والجمع السَّرارِي.
والسرّة في لغة الجذور هي أوسط الأشياء ومنتصفها والجيد منها . قلت : ولعل الاسم قد جاء مما يخفي الموضع من أسرار ومزايا تشير إلى أهمية الوسط .
والسريرة : كالسِّرِّ، والجمع السرائرُ. الليث: السرُّ ما أَسْرَرْتَ به.
والسريرةُ: عمل السر من خير أَو شر.
وأَسَرَّ الشيء: كتمه وأَظهره، وهو من الأَضداد، سرَرْتُه: كتمته، وسررته: أَعْلَنْته، والوجهان جميعاً يفسران في قوله تعالى: وأَسرُّوا الندامةَ؛ قيل: أَظهروها، وقال ثعلب: معناه أَسروها من رؤسائهم؛ قال ابن سيده: والأَوّل أَصح. قال الجوهري: وكذلك في قول امرئ القيس: لو يُسِرُّون مَقْتَلِي؛ قال: وكان الأَصمعي يرويه: لو يُشِرُّون، بالشين معجمة، أَي يُظهرون.
الشاعر الجاهلي كعب بن سعد الغنوي يقول:
*ولستُ بمبدٍ للرجالِ سريرتي *** ولا أنا عن أسرارِهم بسَؤولِ
ولو كان في هذا العصر لم يكن له (قطعاً) حسابٌ على تويتر، ولا الفيسبوك، ولا انستغرام، ولا غيرها.
أما السب فهو من الجذر ( س ب ب ) .
وأصل السَّبُّ في اللغة : القَطْعُ. سَبَّه سَبّاً: قَطَعه؛ قال ذو الخِرَقِ الطُّهَوِيُّ:
فما كان ذَنْبُ بَني مالِكٍ، *** بأَنْ سُبَّ منهم غُلامٌ، فَسَبْ
والسب كذلك يأتي بمعنى الشتم والذّم .
وفي الجذور أيضــــــــــــــاً ، السَّبَّةُ: الاسْتُ أي فتحة الشرج .
وسَـأَلَ النُّعمانُ بنُ الـمُنْذِرِ رجُلاً طَعَنَ رجُلاً، فقال: كيف صَنَعْتَ؟ فقال طَعَنْتُه في الكَبَّةِ طَعْنةً في السَّبَّة، فأَنْفَذْتُها من اللَّبَّة. فقلت لأَبي حاتمٍ: كيف طَعَنَه في السَّبَّة وهو فارس؟ فَضَحِكَ وقال: انْهَزَم فاتَّبَعه، فلما رَهِقَه أَكبَّ ليَـأْخُذَ بمَعْرَفَةِ فَرَسِه، فَطَعَنَه في سَبَّتِه.
وسَبَّه يَسُبُّه سَبّاً: طَعَنَه في سَبَّتِه.
وأَورد الجوهري هنا بَيْتَ ذِي الخِرَقِ الطُّهَوِيّ:
"بأَنْ سُبَّ مِنْهُم غُلامٌ فَسَبْ" ثم قال ما هذا نصه: يعني مُعاقَرَة غالِبٍ وسُحَيْمٍ، فقوله سُبّ: شُتِمَ، وسَبَّ: عَقَرَ. قال ابن بري: هذا البيت فسره الجوهري على غير ما قَدَّم فيه من المعنى، فيكون شاهداً على سَبَّ بمعنى عَقَر، لا بمعنى طَعَنه في السَّبَّة (في مؤخرته) وهو الصحيح، لأَنه يُفَسَّر بقوله في البَيْتِ الثاني: "عَراقِـيبَ كُومٍ طوالِ الذُّرَى" ، ومما يدل على أَنه عَقْرٌ، نَصْبُه لِعَراقيبَ .
وقالت بعض نساءِ العرَب لأَبِـيها، وكان مَجْرُوحاً: أَبَتَ، أَقَتَلُوكَ؟ قال: نعم، إِي بُنَيَّةُ ! وسبُّوني، أَي طَعَنُوه في سَبَّتِه . وقال الأَزهري: السَّبُّ الطِّبِّيجاتُ، عن ابن الأَعرابي. وقال الأَزهري: جعل السَّبَّ جمعَ السَّبَّة، وهي الدُّبرُ (الاست / فتحة الشرج / الدّبر) . هذا والله أعلم .