القفزات الهائلة للتكنولوجيا التي تمخضت عنها ثورة المعلومات جعلت من حياتنا سهلة معقدة في آن معا . فيسبوك، تويتر ، واتس اب ، انستغرام ، سناب تشات ... الخ ، تطبيقات اقتحمت حياتنا وفرضت علينا واقعا جديدا ، وقلة هم الذين استطاعوا الافلات من شباكها . لي صديقة مثقفة تهوى قراءة الكتب والاستماع الى الموسيقى، كانت تتباهى دائما بقولها ( تلفوني غبي) أي انها تستخدم هاتفا نقالا من النوع القديم الذي لا يمكن حامله من الدخول الى عالم التواصل الاجتماعي ، وكانت دائما تنأى بنفسها عن الولوج الى تلك المواقع لانها بحسب رأيها مضيعة للوقت ، لكن امام قرار ابنها الهجرة الى خارج البلاد ، اضطرت الى اقتناء هاتف ذكي لتتمكن من التواصل معه صوتا وصورة ، ورويدا رويدا اصبحت عضوا في مجموعات على الواتس اب وفيسبوك . لماذا اسوق هذه المقدمه ؟ افعل ذلك لأبين حجم التأثير الذي قد تخلقه هذه التطبيقات في مجتمعاتنا ان كانت سلبا او ايجابا . سبق وان تناولت بالنقد في احدى مقالاتي ، الاستخدام الخاطىء للفيسبوك من قبل الكثيرين ، واليوم سأقتصر حديثي على الواتس اب فأقول ( وهذا مجرد رأي شخصي) ان هذه النافذه قد تكون الاخطر بالنظر الى كثرة مستخدميها ونوعية ما يبث من خلالها . فالى جانب فقرات مستقطعة من برامج صحيه لاطباء مختصين تحمل الفائدة المرجوة للمتلقي ، هناك العديد ممن يفتون بغير علم في مجال الطب ، فترى المنشورات الطبيه تتزاحم امام عينيك ، هذا وجد الحل النهائي لمرض السكري ، وذلك توصل الى خلطة سحريه لعلاج كافة انواع السرطان وهكذا ،والكل يقول انشروها لتعم الفائده ، ناهيك عن الاحاديث المدسوسة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والجهل المقصود او غير المقصود باللغة العربية وبالاملاء تجعل معاني الحديث الشريف تنقلب راسا على عقب ، فاحدى التسجيلات الصوتيه التي تصلني باستمرار والتي تحث على الاستغفار وتشرح فضائله يقول صاحب المنشور صوتا وكتابة الجملة التاليه من حديث شريف ( طوبى لمن وجد في \" صفيحته\" استغفارا كثيرا) وهكذا تنقلب الصحيفة الى صفيحة عن قصد او دون قصد ، ثم ما هذه العبارة الغبية التي تذيّل بعض المنشورات الدينيه والتي تقول ( تخيل انك تموت وانت بترسلها) ما هكذا تكون الدعوة الى دين الله ونشر الفضيلة بين الناس ، فهذا اسلوب ينم عن قلة الكياسة والذوق . الاخطر على الاطلاق فيما يبث على الواتس اب هي تلك المنشورات التي تمس السلم والامان في المجتمع ، وتحاول زعزعة استقراره ، وتبعث على التشكيك بالقيم الدينية والاخلاقيه للمجتمعات العربيه ، يصلني منشور عن فعالية رياضية باسم دورة التضامن الاسلامي تبين منتخب الجزائر للسيدات يرتدين الشورتات القصيره بينما سيدات المنتخب الروسي يرتدين الحجاب ، مرفقا بعبارة مسيئه ، ثم يتبين ان الخبر ملفق وغير صحيح واللقطات مأخوذه من فعاليات في اماكن وتواريخ مختلفه . مثال اخر منشور يحمل صورا بشعه لجثث ملفوفه باكياس بلاستيكيه وطفلة تهيم على وجهها باكية يلتقطها رجلان ويدخلانها الى داخل مبنى ويطلبان منها الاستلقاء على احد الاسره وسط صراخها المتواصل والخبر يقول ان هذه عصابه موجوده في اطراف مدينة اردنيه تقتل الاطفال وتتاجر باعضائهم ، يتبين لاحقا ان الصور التقطت داخل مستشفى ميداني في ادلب السوريه يقدم العلاج للجرحى والمصابين . خبر سرقة احد البنوك في بلد مجاور يتم نشره على انها حادثة وقعت في الاردن ، الخبر وتكذيبه يصلان تباعا في نفس اليوم، مما يضع المتلقي في دوامة من الشك والحيره . وتلك العبارة الخبيثه التي ترد في ذيل الخبر ( كما وصلني) . ربما لا يمكننا ان نتخلى بالكامل عن الواتس اب كوسيلة تسهل امور حياتنا ،ولكن لنجعلها تقتصر على المفيد ، تحيه صباحيه ، تهنئة بالمناسبات الوطنيه والدينيه ، وسواها من الامور النافعه . ولنعمل معا سدا منيعا في وجه من يريد زعزعة ايماننا وثقتنا بانفسنا وباوطاننا . ونصيحة لا تكترث لعبارات من نوع : انشروها ولكم الاجر ، لا تدعها تقف عندك ، ضع اصبعك على السطر وانسخ الرساله وارسلها لكل الجروبات . بل ضع اصبعك في عيون تجار المعلومات الكاذبه .