مواصفات وخصائص الأم :
1ـ الأم المثالية :
ـ وهنا ينبغي أن نؤكد بأن الأم المثالية هي الأم التي تتمتع بشخصية متزنة، ناضجة انفعالياً، غير متذبذبة المزاج، تعرف أخطاءَها معرفة موضوعية بعيدة عن التحيز والمكابرة، كذلك فإن الأُم المثالية لا تسقط متاعبها على أطفالها، بحيث تنسب متاعبها إليهم، وترى فيهم مصدراً لأخطائها وعيوبها وأوجه النقص في شخصيتها.
وينبغي أن تكون قادرة على خلق جوٍّ من الأمان لكي يعيش فيه الطفل، و لا تطلب من الطفل أموراً فوق طاقته، أو تقيده في ميوله واهتماماته، كما ينبغي أن تظل هادئة في مواجهة الصعاب، وأن تعمل على تصحيح أخطاءِ ابنها، وأن تؤمن أنه لا بد وأن تجد في زوجها مصدراً للسلطة والتوجيه، وموئلاً للحماية والتعضيد، وأن ترى فيه الشخص الذي يحسن فهمها وتقدير موقفها.
لذا يحسن بالأبوين أن يمارسا السلطة والعطف مع تبادل الأدوار، شرط أَن لا يكون دور أحد الطرفين لاغياً لدور الآخر، بحيث يلعبان دورهما في فعل التنشئة عن طريق عمليات التماهي والتقليد، وهذا يستدعي ضرورة وجود الأب والأم في حياة الطفل ليشكلا المثل الأعلى الذي يمده بالنماذج السلوكية، وبالإطار الذي يستمد منه أنماطه العلائقية .. ومهم أَن تنمي الأُم عند الطفل مشاعر المشاركة في المواقف الاجتماعية المختلفة من «زيارات، رحلات، احتفالات، مناسبات.. إلخ» وتشجع أي مبادرة منه تصب في هذا المجال، لأنه من خلال الاحتكاك بالآخرين تتبلور شخصيته، ويتعلم عن طريق المواقف المتعددة التي يتعرض لها أدواره الاجتماعية اللاحقة.
وتظهر فاعلية دور الأم في تنشئة الأبناء في خلق الفرص وإفساح المجال للطفل للحركة واللعب والاكتشاف، من خلال عدم ملاحقته من حين لآخر بالأوامر الرادعة، وبالملاحظات المانعة لتحركه والضاغطة على حريته، فهي في ذلك تنمي مداركه، وتُفَعّل نموه وتنشط حيويته، وبعكس ذلك فالتأثير السلبي يظهر من خلال جعله طفلاً متلقياً ليس بمقدوره القيام بعمل من دون تلقي الأوامر، ومن خلال جعله فرداً يفتقر إلى أخذ المبادرة وحسن التصرف وروح القيادة.. ومن الأمور المهمة أَن نتقبل الطفل كما هو، بكل ما فيه من صفات ومزايا، ففي هذا التقبل والإقتناع خطوة أولى على طريق البناء والتطبيع، وأن نتجنب المواقف المحبطة، وإشعاره بالعجز في بعض المواقف، لأن هذا يتنامى لديه ويصبح يعمل تالياً بإيحاء من الضعف.
ويحسن بالأم أن تقوم بدورها في الأسرة في هدوء واستقرار، دون أَن تنتابها نزعات الأنانية والأثرة وحب الذات، وأن لا تنتظر الشكر على قيامها بواجبها نحو أَبنائها، فهذا واجبها الشرعي والأساسي يفرض عليها أَن تساعد أبناءها حتى يشبوا رجالاً ونساءً نافعين وقادرين على أن يحيوا حياتهم الطبيعية بنجاح وسعادة، ولكن مع ذلك يحسن أَن تدفع الأُم أبناءَها تدريجياً للاعتماد على أنفسهم والتخلي عن مساعدتهم. أي تقوم بعملية فطام على شرط أن يكون هذا الفطام تدريجياً لا فجائياً، ونقصد بذلك الفطام النفسي والاجتماعي والاقتصادي.
2ـــ الأم المتملكة : هناك نوع من الأُمهات اللاتي يملن إلى تربية الأطفال، لكي يكون الطفل للأم وليس لذاته، فهي تتطلب من الطفل ولو بطريق غير شعوري أن يبرهن على حبه إياها، وتطلب منه أَن يخضع لسلطانها خضوعاً مطلقاً، وأَن يطيعها طاعة عمياء، وتعتبر مثل هذه الطاعة دليلاً على الحب والتقدير.
مثل هذه الأم تخلق لدى الطفل الشعور بالخوف والقلق، وتقتل فيه روح المبادرة والقدرة على اتخاذ القرارات، ومثل هذه الأمور تعطل نمو الطفل واكتمال نضجه العقلي والنفسي، فمثل هذه الأم تفضل أن يبقى ابنها طفلاً كما هو.
3ــ الأم الديكتاتورية والتسلطية : هناك نمط من الأُمهات يمتزن بالنزعة الدكتاتورية والتسلطية على أَفراد الأُسرة، ويظهر مثل هذا الاتجاه عند الأمهات اللاتي حرمن وجود السند، أو الشعور بالحماية والتعضيد، لذلك يلجأن إلى الأسلوب "التسلُّطي" كوسيلة من وسائل التعويض عن الشعور بالنقص وعدم الأَمان، وكوسيلة لتغطية مثل هذا الشعور.
وقد يكون الزوج ضعيفاً أو عاجزاً عن مساعدة الأُم في تربية الأطفال، أو قد يكون كثير التغيب عن الأُسرة، والأَبناء الذين يتربون مع هذا النمط من الأمهات ينشؤون على الخوف والقلق وعدم الثبات الانفعالي، والشعور بعدم الأمَان، وفي الغالب ينعكس ذلك على نشاطهم الدراسي ونجاحهم المدرسي.
ورد في كتاب «نحن وأطفالنا» الآتي: «يحتاج الطفل إلى حنان الأهل وملاطفتهم كحاجته إلى الهواء، وعليه أن يتشبع بهذا الحنان في سنوات حياته الأولى لكي يستطيع فيما بعد أَن يعطيه للآخرين».
ونحن نرى أن الرقة الحقيقية عند الأم تكمن في تربية الرقة عند الطفل.. والعكس صحيح … وهناك الأم التي تحاول أن تكون مثالية، وتكون تواقة لأن تعمل الأعمال الصحيحة، وحتى إذا كانت على دراية بفنون رعاية الطفولة، إلا أنها تصبح ضحية لضميرها الحاد، ولرغبتها في تحقيق الكمال المطلق في كل شيء، فهي تطبق القواعد الصحية والتربوية تطبيقاً حرفياً، ولا تدع مجالاً للظروف الواقعية، فليس لديها مرونة في التعامل مع ابنها، حيث تطبق عليه ما تقرأ في الصحف والمجلات وكتب علم النفس والصحة العامة، على حين أن طفلها بالطبع ليس ذلك الطفل المتوسط الذي تتحدث عنه الكتب، فتحدد له مواعيد خاصة للطعام وللنوم وكميات وجبات الطعام، وتنسى أَن هناك فروقاً فردية واسعة بين الأطفال، وأن لكل طفل استعداداته وميوله وقدراته هو، ويجب أَن تعامله في ضوء قدراته وميوله واستعدادته، للطفل قد يتقدم أو يتأخر عن الموعد المحدد للطفل المتوسط، ومثل ذلك لبقية الأمور.
مثل هذه الأم تخلق طفلاً متوتراً معتمداً على نظام ثابت وجامد وعاجز عن التكيف مع أي تغيير في مراحل النمو المختلفة، وينشأ هذا الطفل شديد الحساسية دقيقاً شديد الدقة والتزمت في تطبيق النظام، عديم المرونة، كثيراً ما يكون عرضة للشعور الدائم بالثورة والغضب والتمرد لأتفه الأسباب، ويتعرض نومه للأرق والقلق، وعندما يكبر قد يقع في صراع دائم مع أمه ويتعرض لنوبات من الغضب والانتقام والثورة والتمرد.
4ــ الأم المستهترة : وهناك نمط آخر من الأمهات يتمثل في الأم عديمة المبالاة أو المستهترة أو بليدة الإحساس، ومثل هذه الأم لا يشعر طفلها شعوراً حقيقياً بأنه مقبول، فهي تتحمل الطفل ولكنها لا تحبه حباً أصيلاً، والطفل يمتص من أمه هذا الاتجاه نحو اللامبالاة وعدم الاهتمام، ويفشل في حياته في إقامة علاقات اجتماعية طيبة مع غيره من الناس، وقد يقوده ذلك إلى التأخر الدراسي والعقلي، أو إلى العزلة أو إلى تكوين بعض المخاوف في حياته.
5ــ الأم القلقة : أما الأم القلقة وغالباً ما تكون أُمّاً لطفل أو طفلين على الأكثر، ويغلب عليها أَن تتوقع الشر في جميع الحالات، فهي تفترض دائماً أسوأ الاحتمالات بالنسبة لأطفالها، فإذا مرض طفلها تتوقع أن يحدث له أسوأ النتائج، وإذا خرج طفلها للشارع فإن حادثة يحتمل أن تقع له، وتميل إلى البحث عن النصائح من الأُخريات، وفي الجملة تخلق حولها جوّاً من القلق والتوتر الذي سرعان ما ينتقل إلى أبنائها.
ونتيجة لخوفها الزائد فإنها تمنعهم من ممارسة المناشط المفيدة، مثل لعب الكرة أو السباحة أو غير ذلك، حتى لا يصاب أبناؤها بالبرد أو بكسر أو جرح، ولا تسمح لهم باللعب مع أطفال آخرين لأنهم سيِّئو الأخلاق .. . الخ.
ويتصارع معها الطفل، ولكن ينتهي به الأمر إلى التسليم لها وقبول تعليماتها، والرِّضى بحياته داخل جدران المنزل، ويعكف على الدراسة وحدها، ويعجز عن تكوين حياة مستقلة، أو تكوين شخصية مستقلة أو إرادة مستقلة، ولكن هذا الاتجاه يقوده إلى الفشل الذريع في مستقبل حياته … وعندما يصل الطفل أو الولد لمرحلة المراهقة قد يرد على هذا التسلط بالهروب من المنزل.
ولكي تؤمن مثل هذه الأم بأن هذه الطريقة ليست الطريقة المثالية في تربية أبنائها بالرغم من أنها حسنة النية، وليس لها قصد سوى المصلحة حسب اعتقادها، ولكن ينبغي عليها أن تتيح له فرصة للحرية والانطلاق في الحياة العامة لكي يمارس الطفل حياته العادية، ويتعايش مع أترابه ورفاقه، وتعطيه فرص الاعتماد على نفسه ليبني شخصيته، لا لتذوب وتضمحل في دوامة الوساوس والهواجس غير الواقعية.
6ــ الأم الأنانية : ويمكن أن نواجه في حب الأم العميق اتجاهين متطرفين، أَحدهما يمكن أن نعبر عنه بالصيغة التالية «ابني – ما أُريده يفعله». والصيغة الثانية: «ابني – ما يريده يفعله». وأعتقد أنه ليس من الصعب ملاحظة أن نقطة الانطلاق في التربية، في كلتا الحالتين ليست في مصلحة الطفل. إما القمع المتسلط لشخصيته ومشاعره، وإما اللامبالاة وإهمال حالته العاطفية، ووضع الأُم هذا إذا ما وضع في مركز اهتمام التربية، يمكن أَن يدعى بالوضع الأناني، فالأم لم توفر لا الجهد ولا الوقت من أجل أَن يسلك طفلها سلوكاً لا عيب فيه، ولا تستدعي حياة مثل هذا الطفل الحدة دائماً، هناك قسر لرغباته، وتنظيم قاس لوقته، وكبت للتجليات الطبيعية للطفولة، باسم ماذا؟ إذا سئلت الأم مثل هذا السؤال .. أجابت: لخير طفلنا …
7ــ الأم الثابتة :وهناك نوع آخر من الأُمهات، وهو: الأُم الثابتة التي يغلب عليها العصبية، والتي تعجز عن السيطرة على انفعالاتها، وتفشل في الحياة طبقاً لخطة ثابتة ومستقرة وهادئة، وبالتالي فإنها تفشل في أَن تتبع نظاماً في تربية طفلها، ومثل هذه الأم لا تعد طعام ابنها إلا إذا سمعت صراخه يدوي في أَرجاء المنزل، فإن صياح الطفل هو الذي يذكرها به، وليس هناك من خطة موضوعة لإعداد الطعام للطفل، وبالمثل فيما يتعلق بقضاء حاجات الطفل الأخرى، كالنوم أو الراحة أو الإفراغ … كلها تخضع للمصادفة والظروف الوقتية الطارئة، ويضاف إلى ذلك فإن حدة مزاجها يجعلها سريعة الغضب، وغير ثابتة، وتنعكس حالة التزمت والانفعال هذه على الطفل، فيصبح شاعراً بعدم الأَمان، وبالقلق، وبعدم الثبات وقد يلجأ إلى العدوان.
ولدى بعض الأمهات ظمأ لا يروى لبلوغ شيء ما في مجال العلم أو الفن أو المجتمع وتقول: «إني لم أبلغه، فليبلغه طفلي» وفي حالة ثانية تتباهى بالرغبة البسيطة عند طفلها، .. وفي حالة ثالثة تتبنى مبدأ ضيق الأُفق في بعض الحالات وتقول: «فليكن أفضل من الآخرين» هذا المبدأ في التعامل مع الطفل يخلق منه: إما كائناً ضعيف الإرادة طفيلياً، وإما كائناً قاسياً وعدوانياً.
8ــ الأم الفاترة : وقد يتعرض الطفل لفقدان عاطفة الأُم نتيجة الغياب الطويل عن البيت، بسبب ظروف المهنة أو نتيجة اللامبالاة بالطفل لأسباب نفسية أو خاصة، فبقدر ما يكون فقدان عاطفة الأُم كبيراً يكون التأثير السلبي فاعلاً، وبخاصة على النمو النفسي والجسدي .
ومن المفيد القول هنا أن الإفراط في الحب يؤدي إلى نتائج توازي الحرمان منه، فمحبة الأُم الطبيعية يجب أَن تساعد الطفل على التحرر، وأن تكون لمصلحته ومن أجله تعطيه من دون حساب، وتشكل خلفية داعمة له، بينما في حال الإفراط، تكون المحبة استئثارية لمصلحة الأُم، وتشكل حاجزاً معيقاً أمام الطفل ومقيداً لسلوكه.
9ــ الأم العدوانية : ومن المفيد أن نشير إلى نموذج الأُم العدوانية، التي لا ترى في طفلها إلا الأخطار والأشياء التي تنغص عليها حياتها.
إضافة إلى ذلك يمكن ذكر نماذج من الأمهات اللواتي يشكلن حواجز أمام النمو السليم للطفل، كالأم الرافضة، والأم المتملكة، والأُم الفاترة، والأم الطفلة، عدا عن الأم الذهانية أو الفصامية.
يقول الإمام علي رضي الله عنه: (لا تسترضعوا الحمقاء، فإن اللبن يغلب الطباع)
باختصار يجب أن نحكم على الأُم من خلال قدرتها على القيام بوظيفة المحبة والتفهم لطفلها،
10ــ الأم الطيبة : فالأم الطيبة هي تلك الأُم التي تشكل جزءاً من عالم الطفولة السعيدة. وكمثال على دور هذه الأم الطيبة، حالة طفل في سن السادسة، كان يحتاج إلى المساعدة، فأسدى المعالج النصائح التالية لوالدته: «حثُّ الطفل على الاستجابة لبعض الأنشطة الفنية، والاستماع إلى التعليمات التي تلقى إليه، وكذلك الأعمال اليدوية لمساعدته في المستقبل على تعلم القراءة والكتابة وغيرها، كاستخدام الألوان وبصفة عامة تعلم السلوك الملائم وخاصة في قاعة الدرس».
ولتحقيق ذلك كان يحتاج إلى أَن يتعلم الاستعمال الصحيح للقلم والكتابة والأشياء كافة والصلصال والورق، وأن يتعلم كيف يجلس في قاعة الدرس منتبهاً، وأن يتعلم كيف يصوب بصره نحو ما نشير إليه، وكذلك يتعلم أَن يدرك الصورة كلها ككل، بدلاً من توجيه انتباهه نحو جزء واحد منها فقط، وتعليمه كيف يشعر وكيف يدرك.
ومن الناحية الانفعالية كان يلزم أن يتعلم كيف يسعد ويفخر ويعتز بنجاحه، ذلك لأن افتخاره بإنجازاته سوف يكون أقوى مدعم أو معزز له.
وقد أصبحت الأُم قادرة على التعرف على الأحداث البيئية التي تستطيع أن تعززه وتدعمه في الاستجابات الملائمة والمرغوبة، لقد خططت هذه الأُم وسجلت ملاحظاتها على محاولات التعزيز هذه واستخدمتها في العلاج.
وبعد فترة من استخدام منهج التعزيز هذا، استطاع هذا الطفل أَن يقلد ما تقوله له أمه، كما استطاع أَن يتعلم من مظاهر السلوك بمساعدة التدعيم، ولما كان يحب الحلوى، فقد استخدمتها والدته في تعزيز سلوكه الإيجابي، وتعليمه عادات سلوكية أُخرى مطلوبة.
لقد نجحت هذه السيدة في تجربة علاج طفلها المنطوي، وأدى ذلك إلى التخفيف من وطأة الحالة وإن لم تكن قد شفيت تماماً.
ويحسن بنا أن نذكر الأُم بتأثير العامل النفسي المسيطر داخل الأُسرة، فإذا كان ضاغطاً على الأبناء أربك حياة الطفل وأعاق سلوكه، وجعل عمليات التنشئة مضطربة ومتعثرة، بينما لو كان العامل النفسي مريحاً ومشجعاً فإنه يفسح المجال إلى تنشئة هادئة متوثبة باستمرار.
ومن المهم أن نذكر أَن أزمتنا التي طالت النفس والجسد على مدى ستة عشر عاماً، أَفرزت انعكاسات نفسية أَخطر على تنشئة أَطفالنا، مما نراه في مظهر بيت مصاب بقذيفة أو في سيارة مدمرة، لأن ترميم النفوس أصعب بكثير من الترميم المادي، فإذا تفحصنا رسوم الأَطفال وألعابهم وشعاراتهم نرى معظمها يصب في آلة الحرب.
ويعكس جوّاً من التشويش والعدوانية، ومما لا شك فيه أَن للأم خاصة دوراً هاماً في صياغة شخصية الطفل. وفي تشكيل بنيته الملائمة والناجحة.