مما لا شك فيه أن حياة الفتاة وتصرفاتها عرضة للانتقاد بشكل دائم في مجتمعنا، وحجابها ليس استثناءً؛ فإن ارتدت الحجاب ستتعرض للانتقاد، وإن خلعته ستُنتقد أيضاً، وبين الحجاب والمجتمع قصة جدل طويلة، ولكل شخص فيها رأي، وسأتحدث في هذا المقال عن الأسباب التي قد تدفع الفتاة لارتداء الحجاب أو خلعه مِن وجهة نظر شخصية.
بدايةً، عندما يقوم الإنسان بشيء ما رغماً عنه، هل تظن أنه سيلتزم بما أُجبر عليه عندما يصبح حراً؟ بالطبع لا، بل سينتهز الفرصة للتحرر دون تردد. وهذا حال الكثير من فتيات المجتمع السوري اللاتي خلعن الحجاب ما إن وطئت أقدامهن الأراضي الأوروبية وأصبحن في لحظة اختيار حر بعيداً عن سلطة الأهل والمجتمع.
وبالعودة إلى أسباب هذه الظاهرة أظنها ناشئة عن قلة الفهم للدين، والغلو في تطبيقه، وقلة الثقافة أيضاً، فجزء كبير من الفتيات في مجتمعنا أُجبرن على ارتداء الحجاب رغماً عن أنوفهن.
لي صديقة كانت محجبة وكانت تكره الحجاب كثيراً فكانت تستبدله بقبعة تخفي تحتها شعرها وترتدي ثياباً لا تتناسب مع الحجاب، دائماً ما كان يواجهها الناس بسؤال: هل أنتِ محجبة؟ ولم تكن قادرة على الإجابة بنعم أو لا، مما سبب لديها إحساساً بضياع الهوية فلا هي محجبة ولا هي سافرة.
والسبب في مشكلتها يعود إلى أن والدها أجبرها على ارتداء الحجاب، وقال لها بالحرف الواحد: غطّ رأسكِ وارتدِ ما شئتِ! إلى أن جاء يوم خلعت فيه الحجاب "القبعة" فلاقت من المحيطين بها سخرية وانتقاداً لا تقل عما كانت تلقاه عندما كانت ترتدي القبعة، وصنفوها ضمن خالعات الحجاب مع أنهم في السابق لم يكونوا يعتبرونها محجبة!
تلجأ بعض الأسر لإجبار بناتها على ارتداء الحجاب باتباع أسلوب التخويف، فيخوفون الفتاة من عقاب الله ويخترعون أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان، مثل أن الفتاة غير المحجبة ستعلّق في النار من شعرها! فتخاف الفتاة وتقرر ارتداء الحجاب تجنباً لهذا العقاب المخيف. إحدى صديقاتي ارتدت الحجاب بسبب قصص كانت ترويها لها جدتها وهي صغيرة عن أصناف العذاب الذي سيلاقيها في جهنم إن خرجت إلى الشارع سافرة الرأس، وعندما كبرت واكتشفت أن معظم ما خوفوها منه لا أصل له، خلعت الحجاب غير آبهة بشيء.
وقد يصل الجهل والغلو عند بعض الأهل إلى فرض الحجاب على بناتهم اللاتي لم يتجاوزن الست سنوات! ولا أفهم حقيقةً ما الغاية من فرض حجاب على فتاة صغيرة وحرمانها من ممارسة طفولتها في حين أن معالم جسدها لا تختلف عن معالم جسد فتى صغير؟! وهكذا فالفتاة قد يرافقها شعور بأنها ظُلمت وقُمعت وأُجبرت على شيء لم يطلبه الله منها في تلك السن، فيتولد لديها كره للحجاب ورغبة بالتمرد عليه وخلعه عند أول فرصة تُتاح لها.
وهناك بالطبع الكثير من المؤثرات الخارجية التي قد تدفع الفتاة لارتداء الحجاب بعيداً عن ضغط الأهل. فقد تتحجب الفتاة؛ لأن صديقاتها فعلن ذلك، أو بسبب مشاهدتها لبرنامج إسلامي لداعية ما أو حضورها لدروس الدين في الجامع، فإن تغيرت الظروف أو الأصدقاء أو توقف الداعية عن برنامجه خلعت الحجاب وعادت لسابق عهدها.
وقد تتحجب الفتاة إرضاءً لخطيبها أو زوجها، فإن فسخت خطبتها أو تطلقت من زوجها خلعت حجابها، والرابط بين الزواج والحجاب وثيق في مجتمعنا ففي كثير من الأحيان تتحجب الفتاة لزيادة فرصها في الزواج (باعتبار أن غالبية الرجال في مجتمعنا محافظون ويميلون للارتباط بالفتاة المحجبة)، ومن جهة أخرى، تؤجل بعض الفتيات موضوع الحجاب - رغم رغبتها فيه - إلى ما بعد الزواج، فقد كان لي صديقة تحب أن تتحجب لكن والدتها كانت تنهاها عن الأمر وتقول لها: بس تتزوجي بتتحجبي!
ومن الشائع جداً - والغريب أيضاً - أن تجد فتيات محجبات لا يصلين، فتجد الفتاة حريصة على الالتزام بمظهر إسلامي في حين أنها تفرّط في ركن أساسي من أركان الإسلام، بل عماد الدين! وهذا إن دّل على شيء فيدّل على أن الحجاب عند العديد من الفتيات عادات وتقاليد وليس عبادة.
هناك بالطبع جزء كبير من الفتيات المسلمات اخترن الحجاب بملء إرادتهن وبكامل وعيهن قاصدات به وجه الله وملتزمات به كمنهج وأسلوب حياة، ومع ذلك لا تنتهي الملاحظات التي توجه إليهن، فتجد الفتاة قد اجتهدت وتحجبت وسترت من جسدها ما سترت، فإن ارتدت الحجاب مع البنطلون لاحقوها حتى تستبدل التنورة بالبنطلون؛ لأن في ارتداء البنطلون تشبّهاً بالرجال، فإن ارتدت التنورة وظهر جزء من ساقها وهي تصعد أو تنزل من السيارة ينهال عليها الناس بالانتقادات اللاذعة، وإن وضعت كحلاً في عينيها أو أخفت عيوب وجهها بكريم الأساس لا تسلم من ألسنة الناس (كيف محجبة ومتبرجة؟). وإن كان الله قد ابتلاها بحاجبَين كثيفَين فأزالت منهما شيئاً تُتهم بارتكابها لجريمة النمص! وإن اختارت أن ترتدي حجاباً ملوناً أو ترتدي ثياباً ملونة تُنتقد أيضاً وكأن الله قد حرّم على المحجبة الألوان وفرض عليها الاتشاح بالسواد من رأسها حتى أخمص قدميها، ولا يمكن لهذه الانتقادات أن تتوقف عند حد، مما يوّلد شعوراً عند الفتاة المحجبة بأنها مذنبة ومقصّرة مهما فعلت. وبالطبع لا أدافع هنا عن الفتيات اللاتي يبالغن في التبّرج والتزّين لدرجةٍ يجرّدن فيها الحجاب من مضمونه تماماً حتى يغدو زينة لا حشمة، إنما أدافع عن فتيات يرتدين حجاباً أقرب ما يكون للشرعي ومع ذلك لا يسلمن من الانتقادات والاتهامات.
بعض الفتيات ينشأن في أسر لا تجبر بناتها على الحجاب وتختار هي الحجاب بنفسها فيما بعد، فيُطلق عليها المجتمع ألقاباً تحمل في طياتها انتقاصاً من قيمة حجابها الذي جاء متأخراً كأن يقولوا "فلانة مُحدثة حجاب"، وغالباً ما يشكك الناس بإخلاص نيتها ويتهمونها بأن حجابها جاء بسبب حادث أصابها أو ذنب اقترفته فقررت أن تكّفر عنه بارتداء الحجاب وكأنها كانت قبل الحجاب فتاة سوء، ومن المستبعد أن يكون قرارها ناتجاً عن إيمان واقتناع، وأحياناً قد يسخر منها الناس بقولهم: "شو فلانة صارت شيخة؟ من وين لوين!".
وإن حدث العكس كأن تقرر فتاة محجبة أن تخلع الحجاب ستطالها الانتقادات بشكل أكبر، وشخصياً أُشفق على كل فتاة أُجبرت على ارتداء الحجاب وهي صغيرة وخلعته لاحقاً؛ لأن المجتمع قاسٍ جداً في هذه المواضيع وارتداء الحجاب ثم خلعه هو جريمة أكبر بكثير من عدم ارتدائه من الأساس، وقد لا يتوانى الناس عن اتهام الفتاة بالخروج عن الدين والملة!
الحجاب فرض من الله -سبحانه وتعالى- على الفتاة المسلمة ولا أجادل في هذا الأمر، ولكن حبذا لو نكون أكثر رحابة صدر وأكثر تقبلاً للآخرين ولا نكرّههم في دين الله، وحبذا لو نبتعد عن الأحكام المسبقة واتهام الآخرين ونبذهم لمجرد خيار أو قرار اتخذوه -لا علم لنا بظروفه- وهم وحدهم من سيتحملون مسؤوليته وهم مَن سينالهم العقاب أو الثواب بسببه، فلا ارتداء الحجاب يعني أن الفتاة طاهرة شريفة ولا خلعها للحجاب يعني أنها كافرة فاجرة، فإن ارتدت الحجاب حبذا لو نبارك لها وندعو لها بالتثبيت، وإن خلعته لمَ لا ندعو لها بالهداية دون تجريح؟
أخيراً، الإنسان محاسب على اختياراته فقط، ولن يناله ثواب أو عقاب من أمر أُجبر على القيام به، كما أنه لن يأخذ أجراً أو ثواباً من عمل قام به ولم يقصد به وجه الله، والصدق مع النفس هام جداً في موضوع الحجاب، وإرضاء الله قد يُدرك بإخلاص النية، في حين أن إرضاء الناس هو الغاية التي لا يمكن أن تُدرك.