يتعرض الرجال بنسبة ثلاثة أضعاف للتحرش الجنسي من المرأة.. ظاهرة أودعت السكوت في مجتمعاتنا بسرية تامة لتقلب المفاهيم رأساً على عقب، ويصبح الرجل في المجتمع العربي عرضةً له صباحاً ومساءً، في العمل في الاستراحة، في البناء الذي يسكن به؛ ليكون الضحية المثالية لعالمٍ سري ومتكامل.
يبدأ الأمر في المجتمعات المنفتحة وغير المنفتحة على السواء، فالمثل يقول (أبو العباية ما نريده، وأبو الجوخة ما يجينا)، فأصبح البحث بعلنية مطلقة وإباحية متكررة جعلت من الرجل سلعة العصر، وتجارة تقوم على الربح والخسارة تتماشى المرأة معه وفقاً لمصالحها الاجتماعية والاقتصادية دون تعميم.
فلكل رجل ميزان تزنهُ الأنثى به، فمنه من يُطلب للزواج، ومنه من تَطلبهُ للترفيه، والطلبات كثيرة بغض النظر عن استجابة الرجل لها، وكل ذلك تحت اسم الأنوثة المضطهدة والحريات الفكرية المعاصرة، فكيف تحول مجتمعنا لتكون الأنثى بهذه الجرأة؟ علماً أنه في المجتمع المالي والسياسي كلنا نعلم أنه مجتمع ذكوري بحت.
وتأتي الصدمة الكبرى في المجتمع الجنسي، الذي أصبح مجتمعاً تمتلكه الأنثى بكل حرية، بلا ضوابط أخلاقية ولا روابط دينية كما يدَّعي الكل.
فكل أنثى تجد في نفسها الوظيفة الرحمية الشاغرة تتقدم بكل بساطة إلى الرجل لاغية كل أسباب ارتباطاته واعتقاداته، وكأنها الأنثى الأولى في حياته، فحتى لو كان مرتبطاً أو غير مرتبط فتحت بند العرض والطلب، يجري الاستفتاء دون الأخذ بأي اعتبار لوجود أنثى منافسة لها أو لا، على قول أهل زمان (لزقي هالطينة بهالحيط)، وبدون أي مبدأ أو أي أرضية لأي حوار مشترك يجد الرجل نفسه معرضاً يومياً لهذا التحرش ضمن أسئلةٍ متتالية، هل أنت مرتبط؟ أنت تحبها؟ مارأيك بي؟ ماذا لو؟!
وأصبحت المهمة مستحيلة بالنهوض بالمجتمع، مما دفع بالرجل للتفكير ألف مرة قبل الإقدام على الزواج واختيار شريكته الفضلى، وصار لاختيار الشريك صعوبة بالغة نتيجة لهذه المفارقة الكبيرة بين تصرفات الأنثى في منزل أهلها وتصرفاتها مع زملائها في العمل وخارج المنزل.
ووضع الرجل في خيارات بين الشك واليقين بشخصية الأنثى، ولذلك كثرت العنوسة في مجتمعاتنا، ولطالما كانت الأسرة هي موضع الحرية والتقييد بإنشاء عشيرة الإنسان، ومن وظائفها الحفاظ على روابط الدم والزواج والعيش المشترك والإشباع الكافي لأفرادها والتواصل الجنسي، والحفاظ على معالم الحضارة ونقلها من جيل لآخر، إلا أن ذهاب الحياء من مجتمعاتنا أودى بمفهوم الأسرة إلى هاوية مفهوم العنوسة، فإذا لم تستحي فافعل ما شئت، فلكل من الطرفين مبرراته بعدم إنشاء هذه الأسرة والاحتفاظ بحقه الشخصي لاختيار طريقه في الحياة بما يناسب أسراره، ومن الأفضل لكلا الطرفين البقاء حراً دون قيد أسروي.. وهذا دون أن نتطرق للأوضاع الاقتصادية التي غالباً ما تدفع الرجل والمرأة إلى البحث عن شريكه الاقتصادي لبناء هذه الأسرة، وليس شريكه العاطفي، وتكون النتائج كارثية غير مضمونة، فلا فرصة لهذا التكافؤ الفكري في مثل هذا المفهوم، فلا يدري أحدهما إن كان مناسباً للآخر، أو قادراً على إشباع الحاجات المادية أو الجنسية أو الاجتماعية.
ولا يقع اللوم على الفتاة المتعلمة المثقفة العاملة التي أصبحت ذات شخصية قوية خارج منزل أبويها حصراً، فحتى الأنثى الأم في منزلها ومن منزلها تُغير مجتمعاً بأكمله بالتحرش.. ولكن ما رد فعل الرجل لهذا الاندفاع الأنثوي تجاهه؟
فكما تدين تدان بقانون التجاذب والدوائر المغلقة، وهذا كافٍ لإنشاء مجتمع سري بحت تحت المجتمع الظاهر، يقبل به الرجل ويتوازى الباطن مع الظاهر، ولا يتحدد مَن المسؤول في هذا الانشطار المخيف على كل الأصعدة العاطفية والاجتماعية والنفسية والروحية، وكأن قانون الجذب يتداخل مع قانون التعايش الذاتي وكله بدايةً من نقطة التحرش، فلو أننا انطلقنا من مبدأ واحد أخلاقي وهو القناعة بما لدينا والغض البصري، لكنا ربما في أحسن حال من الرقي والسلامة الاجتماعية والأخلاقية.
وهذا المقال لا يعمم، وإما يسلط الضوء على ناحية أحياناً لا يقبل بها الرجل، وأحياناً يقبل، فهو في موضع القبول أو الرفض، ولكن يبقى الجواب عندكم لإنشاء الخط البياني لهذه النكسة الاجتماعية.