يتصاعد تذمر الكثير من الرجال خلال شهر رمضان المبارك بسبب أو من دون سبب، وترتفع حدة انتقادهم لسلوك الآخرين وتصرفاتهم بمن فيهم زوجاتهم وأولادهم، وتزيد وتيرة طلباتهم وتشكياتهم بشأن نوعية وأصناف الطعام.
وفي الوقت الذي يبالغون فيه أحيانا بإملاء طلباتهم ولا يكفون عن التذمر سواء أثناء النهار أو على مائدة الإفطار، فإنهم لا يكلفون أنفسهم القيام بأي مهمة ولو كانت صغيرة جدا تحت مسوغ “أنا صائم”!
ويتصرف أغلب الأزواج في المجتمعات العربية بإحساس أناني يوحي بأنهم وحدهم الصائمون في المنزل، بينما تقوم ربة البيت بكل أعمال الإفطار وتبذل جهدا فائقا وهي أيضا صائمة.
وقد تهكمت مجموعة من الناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي في رسالة ساخرة من مبالغة الرجال في الطلبات والانتقادات أثناء شهر رمضان.
وعرضت الرسالة عشرة أشياء مقترحة على الرجل أولها جلب البضائع كاملة عند التسوق وعدم نسيان أي شيء، وتجنب دخول المطبخ لإصدار الأوامر بدل من الثناء والشكر، والتصرف بكياسة عند تذوق الطعام وتأجيل الملاحظات بعد الإفطار تقديرا لجهد المرأة.
وتهكمت الرسالة ساخرة في نهايتها محذرة الرجل من دخول المطبخ وقد رافقتها صورة سكين!
وتداول الآلاف من المتابعين الرسالة بهدف السخرية، إلا أن دلالتها أكبر بكثير من التهكم، لأنها تشخص أزمة اجتماعية داخل الأسرة العربية تتصاعد أثناء شهر رمضان.
ويتذكر جيل الستينات من القرن الماضي أغنية الفنانة اللبنانية صباح والممثل فؤاد المهندس “أنا صائم” التي تشخص الطلبات الكثيرة للرجل وتطفله على شغل المطبخ دون أن يمد يد المساعدة.
وتعزو المصرية إيمان سالم مؤسِّسة موقع “أمينة توداي للمرأة” هذه الظاهرة إلى عقلية الرجل العربي، فهو على حد تعبيرها “ينظر إلى المرأة على أنها طباخة خلال شهر رمضان”.
وقالت :“بالتأكيد لا أقصد الجميع، لكن معظم الرجال ينظرون إلى زوجاتهم على أنهن طباخات ويبالغون في طلب أصناف من الحلويات والطواجن والسلطات ولا يكترثون للمسؤوليات الكثيرة التي تقوم بها النساء من رعاية للأطفال وشغل خارج البيت وغير ذلك، ويتناسون أنهن صائمات أيضا”.
وأضافت “أما بالنسبة إليّ فزوجي يعرف ما عليّ وما عليه في شؤون المنزل، فنحن متفاهمان في خصوص هذه المسألة، ولا تنشب أي خلافات بيننا في شأنها، لأننا اتفقنا قبل الزواج على تقاسم الأدوار بيننا حتى لا يقع الحمل على طرف دون آخر”.
فيما قالت الطالبة التونسية ياسمين القروي “بالنسبة إليّ شهر رمضان يحل ببركته وعبادته، لكن بالنسبة إلى أبي وإخوتي فهو شهر تدليل لأنفسهم، وخلاله تكثر طلباتهم ورغبتهم في أن تكون طاولة الإفطار مزدحمة بأصناف مختلفة من الأطعمة، وهذا ما يجعلنا أنا وأمي نقضي ساعات مضنية في المطبخ”.
وأضافت “نسعى دائما إلى إرضاء الجميع، ولكن كل ذلك على حساب صحتنا وراحتنا، فالرجال أنانيون بالفطرة، وفي سبيل شهواتهم يغضون الطرف عن تعب الزوجة العاملة أو البنت الطالبة”.
ويرى البعض من الخبراء أن دور “ربة المنزل”، مفروض على المرأة العربية، فالأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة رسخت في الأذهان بأن الأعمال المنزلية من اختصاص النساء دون الرجال، مما جعل الكثير من الأزواج يستخدمون ذلك كعذر للإلقاء بجميع الأعباء المنزلية على كاهل شريكاتهم. ولكن هذا لا ينفي وجود البعض من الرجال الذين يؤدون مبدأ التشارك في المسؤوليات بين الجنسين، ويحاولون تطبيقه في حياتهم الأسرية، ومن بينهم مدرس اللغة العربية التونسي محمد الأسعد.
قال الأسعد إنه ليس من صنف الرجال الذين يشترطون على المرأة طبخ وإعداد أصناف وأشكال من الأطعمة، وإلزامها بالمكوث لساعات طويلة في المطبخ لا سيما وأنها تشتغل.
وأضاف “ليس من العدل والإنصاف أن تتحمل المرأة لوحدها عبء العمل خارج المنزل وداخله، ويجب على الرجال المتطلبين أن يتذكروا أنها صائمة أيضا، وتشعر بما يشعرون به من تعب”.
وختم بقوله “أنا أعتقد أن الحياة شراكة، ومثل هذا الأمر نلحظه في أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، حين أوصي خيرا بالنساء، أعتقد أنه عندما نتقاسم الأعباء مع زوجاتنا سيكون طعم الإفطار شهيا”.
وأشارت دراسة أجراها المجلس الاستشاري الأسري إلى أن ربة البيت في دول الخليج تقضي حوالي 40 بالمئة من وقتها داخل المطبخ خلال شهر رمضان، فيما لا تزيد مدة جلساتها مع زوجها وأبنائها طوال شهر رمضان عن 22 ساعة.
وشدد الدكتور عبدالرحمن الصبيحي، أخصائي الإرشاد النفسي بالسعودية على ضرورة أن يراعي الزوج وضع زوجته الصائمة والعاملة، ولا يكون متكلفا في طلباته وشهواته من الأطعمة ويرهق كاهلها على ألا تخل هي أيضا بواجباتها تجاه أسرتها.