قبل سنوات عدة، أشار عالم النفس الأميركي جون ب. واتسون إلى أن اختلاق الأطفال للأعذار للتهرب من موعد النوم مرده فشل الآباء في اتباع أساليب ناجعة في التربية وإفساد أطفالهم بالتدليل المبالغ فيه.
وتتكرر وجهة النظر هذه في العديد من الكتب التي تتعلق بتربية الطفل، وهي تنصح دائما بوجوب أن يكون الآباء أكثر حزما وإصرارا في ما يتعلق بمواعيد نوم الطفل، حيث يشير إليها الخبراء بأنها معركة إرادة ينبغي أن يفوز بها الأهل ليتجنبوا إفساد الطفل.
لكن من الواضح أن هناك تفسيرا ما منطقيا لاعتراض الطفل على الذهاب إلى سريره بطاعة وسلاسة، إذ يعتقد بعض المتخصصين أن الطفل لا يعترض على الذهاب إلى النوم بل إنه يعترض على الذهاب للنوم بمفرده، حيث الظلام والوحدة اللذان يسببان له الخوف الشديد، ولهذا يضطر بعض الآباء إلى وضع حلول مؤقتة أو طويلة الأمد لفض هذا النزاع، إما بتبني نصائح الخبراء واتخاذ موقف صارم من الأمر وإما بالاستسلام لمطالب الصغار والسماح لهم بالنوم مع الأهل سواء في سرير ملاصق أو على الأقل في غرفة واحدة.
ومن ناحية أخرى، يكاد الأمر يصبح نمطا ثابتا للعلاقة بين الآباء وأبنائهم، حيث لا يحلو لبعض الآباء والأمهات افتعال شجار بسيط أو معقد أمام أنظار أطفالهم إلا في الوقت الذي يسبق مواعيد نومهم، في حين يحرص بعض الآباء على أن يلتزم أطفالهم بمواعيد ثابتة للنوم ويستخدمون في ذلك وسائل مختلفة من الشدّة وأحيانا القسوة لتنظيم هذه الأوقات، وبالطبع فإنهم يتجنبون بحث مشاكل المنزل والخلافات أمام أنظار أبنائهم، ليؤجلوها ربما إلى ما بعد ذهاب الصغار للنوم.
وأكدت دراسة حديثة أن الاكتفاء بتشجيع الأطفال على الذهاب في وقت مبكر إلى النوم، قد لا يحقق النتائج المرجوة منه، حيث يميل أغلب الأطفال إلى تمديد ساعات السهر وإشغال أوقاتهم بمختلف الحجج لتجنب الذهاب المبكر إلى السرير. ولهذا ينصح متخصصون بضرورة استخدام الأوامر المشددة وليس الطلب، حرصا على حصول الأطفال على كفايتهم من ساعات النوم ليليا. واستطلع باحثون آراء أكثر من 1600 من الآباء لمعرفة طريقة تعاملهم مع أطفالهم لإلزامهم بأوقات نوم محددة، كذلك مدى اختلال هذا النظام مع بلوغ الصغار سن المراهقة، حيث يقل دور الآباء في السيطرة على سلوك أبنائهم وتزداد ساعات حرمانهم من النوم بنسبة 71 بالمئة ويبلغ ذلك مداه عندما يبلغ المراهق الخامسة عشرة.
وأشار 94 بالمئة من أولياء الأمور إلى أنهم يحرصون على تشجيع أبنائهم على الذهاب مبكرا إلى النوم، فيما أكد 84 بالمئة من أفراد العيّنة أنهم يستخدمون أوامر مشددة لإلزام أطفالهم بالنوم في أوقات محددة، الأمر الذي لا يدع لهم مجالا إلا لتنفيذ الأوامر المطلوبة منهم.
وأخذ الباحثون بنظر الاعتبار أن نسبة الأطفال الذين أظهرت الدراسة بأنهم يتمتعون بنظام حياتي مستقر وعدد كاف من ساعات النوم، كانوا ينتمون إلى أسر يتمتع الآباء فيها بمستوى ثقافي رفيع ودخل مادي معقول.
وخرجت نتائج الدراسة التي أشرف عليها باحثون من مركز الصحة العامة في أونتاريو-كندا بتوصيات عدة أهمها يستند على ضرورة أن يتمتع الصغار بين سن 5 و13 سنة بساعات نوم لا تقل عن 11 ساعة في الليلة، كذلك 8 إلى 10 ساعات نوم للمراهقين بين 14 و17 سنة.
وأشار هيذر مانسون، المشرف على الدراسة في قسم الصحة والوقاية من الأمراض المزمنة والإصابات في المركز الكندي للأبحاث، إلى أن تشجيع الآباء لأبنائهم يقل تدريجيا مع بلوغ الأطفال سن المراهقة، سواء أكان في عطلة نهاية الأسبوع أم في أيام الأسبوع العادية، على الرغم من أن الأهل يبدون أكثر تسامحا مع الأطفال في عطلة نهاية الأسبوع.
وفي حين وجدت الدراسة أن تقييد الآباء لأوقات استخدام أجهزة الموبايل والألعاب الإلكترونية واستخدام الإنترنت، ليس له أي تأثير ملموس على تنظيم ساعات نوم أطفالهم.
كما أشارت نتائج الدراسة إلى أن حرمان الطفل من النوم من شأنه أن يسهم في زيادة نسبة السمنة ويضعف إنجازه الدراسي، إضافة إلى صعوبة تحكم الطفل بمشاعره وردود أفعاله.
ومن ناحية أخرى، فإن الأطفال الذين لا يحصلون على ساعات نوم كافية، يتسببون في حدوث خلافات الأهل المستمرة بسبب الضغط والإجهاد اللذين يعاني منهما الآباء لشعورهم بالذنب والتقصير تجاه أبنائهم.
وفي هذا الإطار تؤكد البحوث السابقة أن الأطفال مهددون بالإصابة بمرض السكري من النوع الثاني إضافة إلى ارتفاع ضغط الدم، إذا لم يحصلوا على كفايتهم من عدد ساعات النوم، وفق ما تشير إليه توصيات الأطباء المتخصصين في هذا المجال.