“زوجتي الغالية أقسمت أن يكون طعام إفطاري بأول يوم من شهر رمضان من طبخك حتى تكسبي أجر إطعام صائم”، بهذه الكلمات نعى زوج زوجته الراحلة منذ عام. وتداولت العديد من المواقع الاجتماعية والإعلامية، خبر هذا الزوج الوفي الذي زين مائدة إفطاره بأكل تعود صلاحيته إلى عام كامل أو أكثر.
خلق هذا الخبر أزمة بين الباث والمتلقي قائمة على شعور من المتقبل بأنه مستبله، وأنه بات مجبرا على عملية الفرز للكم الهائل من الأخبار التي ما عادت تهتم بالجودة بقدر الكم، فهي تحاول الترويج لعلاقات مثالية تغطي بطرق وهمية عددا من الشروخ التي تملأ أغلب العلاقات الزوجية.
فلا أحد من الزوجين ينكر أنه دخل إلى القفص الذهبي بهدف تأسيس أسرة قوامها التفاهم والحب، لكنه تعثر في مجموعة من الخيوط المتداخلة بعضها عائد إلى هول المسؤوليات والآخر إلى المصاعب المادية والمعنوية. ولنجاح الزوجين في تخطي أي عقبة تعترضهما وجب أن تقوم علاقتهما على الوفاء والإخلاص، ولا سيما مع ارتفاع نسب الطلاق.
وتستدعي الحكمة عادة عند وقوع خصومة بين الزوجين عدم تدخل أي أطراف أخرى سواء من عائلة الرجل أو المرأة، إذ عليهما معالجة المسألة بمفردهما، ولكن ما صار واضحا للعيان أن طرفا ثلاثا يصر على حشر أنفه بينهما بقوة. وكحال كل من أراد التدخل لفض اشتباك إما أن يرتدي قناع الملاك أو قناع الشيطان وفي كلا الحالتين لا يخرج عن كونه مجرد دخيل.
وهو ما أصبح عليه حال مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت وجهتين متضاربتين إحداهما تسهل على الأسر بدءا من رب العائلة وصولا إلى أصغر فرد فيها الدخول في علاقات مشبوهة، والأخرى تروج لعلاقات مثالية وهمية تستغل حاجة المجتمعات العربية إلى تحيين علاقات الغابرين القائمة على الوفاء والإخلاص.
في السابق كان الزوج يرتحل على الدواب مبتعدا عن زوجته، للحج أو للتجارة أو الحرب، فيغيب لأعوام ونادرا ما كانت تخون عهده، واليوم يجلسان على أريكة واحدة وتسافر بهما التطبيقات المجانية والمواقع الاجتماعية إلى أحضان افتراضية.
وعوض البحث عن حلول مجدية بات الخلق يتنفس الصعداء معتقدا أن العلاقات الزوجية مازالت بخير ولا تشكو وهن السنين، عند قراءة قصص انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل قصة هذا الرجل الذي أكل طعاما لا زلنا نجهل تعويذته السرية في حفظه قابلا للأكل بعد أكثر من عام، أو قصة غريبة بطلها رجل فيتنامي أحب زوجته حتى أنه لم يتقبل وفاتها. تظاهر بقبول دفنها. وفي ليلة ماطرة تسلل إلى المقبرة ونبش قبر الزوجة واستخرج رفاتها ووضعه في كيس بلاستيكي. ونقل الجثة إلى منزله. ومازال يعيش مع رفاتها منذ 13 عاما بعد أن وجد طريقة لحفظها. وكان يشتري لها مستحضرات التجميل والملابس وينظفها ويضع الماكياج على وجهها.
الجامع بين الخبرين أنهما يحملان في طياتهما ما يكشف أنهما من نسج خيال مسوقيهما. ولكن هل تستثير فينا مثل هذه الأخبار عواطفنا البلهاء أم تزرع بدواخلنا طمأنينة آنية تغطي القلق من التفكير في مستقبل أسري يسير بتؤدة نحو الهاوية؟
الرجل الفيتنامي لم يحتفظ برفات زوجته فقط بل كان حريصا على شراء كل مستلزماتها، مما يؤكد أنه لا يمت للواقع بصلة، لأن المشهد العربي الغالب أن يخطب الرجل لنفسه زوجة جديدة أثناء مراسم الدفن وفي فترة وجيزة لا تتعدى أربعين يوما يمارس حياته الزوجية من جديد، أما مسألة اقتناء الملابس وأدوات الزينة فهي مسألة أخرى لا تعرفها بعض النساء سوى على الشاشة الصغيرة بعيون حالمة.