القلق، زيادة دقات القلب وارتفاع ضغط الدم، من أبرز أعراض الاستخدام المفرط للإنترنت بحسب نتائج دراسة حديثة رصد فيها باحثون سلوك 144 متطوعاً أثناء استخدام الإنترنت، سواء من خلال شاشات الكمبيوتر المحمولة أو الهواتف النقالة، متحققين من قياس مستويات القلق ودقات القلب في الحالتين؛ استخدامها بإفراط أو تركها لفترة قصيرة، كما ظهر ارتفاع ملحوظ في ضغط الدم لدى أفراد العينة الذين أكدوا على إفراطهم في استخدام هذه التقنية.
في الواقع، سجلت ردود الأفعال الجسدية لدى المتطوعين نسباً مماثلة تقريباً عند مدمني الكحول والمخدرات، خاصة عندما يتعذر حصولهم على الكميات التي يرغبون فيها من المواد التي يتعاطونها في أوقات معينة.
وفي الوقت الذي شهد فيه معظم هؤلاء زيادة في ضغط الدم بلغت 4 بالمئة، سجل بعض الأشخاص تغيرات فسيولوجية شديدة حيث ارتفع لديهم معدل نبضات القلب إلى 10 بالمئة تقريباً، وعلى الرغم من أن هذه الزيادة الكبيرة لا تشكل تهديداً للحياة إلا أنها قد تعرقل النظام الهرموني وتؤثر في الاستجابات المناعية للجسد، خاصة مع تكرار حصول ردود الأفعال الشديدة هذه.
ويعتقد باحثون من جامعتي سوانسي وميلانو أشرفوا على الدراسة، أن سبب رد الفعل الشديد هذا قد يعود إلى سرعة وتكرار تفقد الأجهزة الرقمية خلال ساعات اليوم، والتوتر المصاحب لذلك خاصة في ما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي. وتعد الدراسة التجربة الأولى من نوعها التي تسجل بدقة التغيرات الفسيولوجية، المتأتية من التعرض للإنترنت.
وأشار الدكتور فيل ريد؛ المشرف على الدراسة في جامعة سوانسي البريطانية، إلى أن الأبحاث السابقة تطرقت إلى أن الأشخاص الذين يتعرضون بإفراط إلى الأجهزة الرقمية، يعانون من القلق لدى التوقف عن استخدامها، لكن دراستنا الحالية تؤكد على أن الأعراض النفسية ترافقها أعراض فسيولوجية حقيقية.
وأظهرت الدراسة أن المشاركين يقضون قرابة أربع ساعات في اليوم في استخدام الإنترنت في المعدل، وأن 20 بالمئة منهم يتجاوزون الست ساعات يومياً، فيما أكد 40 بالمئة من أفراد العينة أنهم يواجهون صعوبة في ترك أجهزتهم الرقمية حيث يقضون أوقاتاً طويلة جداً ومن دون توقف تقريباً.
وتساوت هذه الرغبة عند الجنسين، في حين كانت مواقع التواصل الاجتماعي والتسوق عبر الإنترنت من أكثر المواقع زيارة.
من جانبها، أكدت الدكتورة ليزا أوسبورن؛ وهي باحثة سريرية ومشاركة في الدراسة، على أن التغيرات النفسية والفسيولوجية الشديدة المرافقة للتعرض بصورة مفرطة للإنترنت، قد تدفع الناس للعودة إلى استخدامه بصورة لا إرادية حتى لو لم تكن لديهم رغبة في ذلك.
وأضاف الدكتور فيل ريد قائلاً “النمو في وسائل الإعلام الرقمية أدى إلى الإفراط في استخدام الإنترنت، خاصة بالنسبة إلى النساء، وهناك أدلّة كثيرة توثق الآثار السلبية لفرط التعرض للإنترنت؛ في الأبحاث الخاصة بعلم النفس وعلم الأعصاب والآن، تصب نتائج هذه الدراسة في علم وظائف الأعضاء ولهذا، يبقى موقفنا كمتخصصين أكثر مسؤولية في الحد من التسويق المطّرد لهذه التقنية ومنتجاتها، كما هو الحال مع التوصيات الخاصة بتسويق منتجات الكحول والمواد المخدرة.
ويدخل إدمان الإنترنت ضمن نطاق الإدمان بشكل عام، وهو اعتياد شخص على أمرٍ مُعيّن واستخدامه لفترات طويلة دون القدرة على التخلص منه أو تركه، ويقتضي منه إثر هذا الإدمان إهمال الحياة الشخصية والمهام اليومية، فيما تشدد أبحاث أخرى على أن اضطراب إدمان الإنترنت كمفهوم غير قائم بذاته وإنما هو بناء أوسع متعدد الأبعاد.
ويجب التمييز بين مختلف أوجه استخدام شبكة الإنترنت تبعاً لآلياتها وعواقبها. أما الأنشطة عبر الإنترنت التي تعتبر عادة مزعجة، فهي على وجه الخصوص القمار، أو التسوق.
وحتى يتم تمييز الإدمان على الإنترنت عن بعض الأعراض النفسية الأخرى، لجأ بعض الباحثين إلى التطرق إلى بعض المعايير المتوفرة لتشخيصه على أنه إدمان يتوفر على شروط الإدمان المعروفة ومنها؛ أن يكون الشخص مشغولاً بالتفكير بالإنترنت أو بوسائل التواصل الاجتماعي حتى وهو غير متصل أو في مكان آخر بعيد عن التواصل، فيما يشعر بالاكتئاب وتعكر المزاج عندما يكون مضطراً إلى تقييد ساعات استخدامه.
وقد لا يهتم بالمخاطرة بفقدان علاقاته الاجتماعية، أو وظيفة أو فرصة تعليمية بسبب إدمانه هذا، إضافة إلى فشل جميع محاولاته السابقة في الابتعاد عن التواصل عبر الإنترنت، أو في الأقل تقليص الوقت الذي يقضيه في تصفح مواقعه، كما يعمد البعض إلى اللجوء إلى الإنترنت للتخلص من مواجهة مشاكله أو لتطمين مشاعر غير مريحة مثل الغضب والقلق والتوتر النفسي، إضافة إلى اضطراب النوم وتشوّشه والاستيقاظ بشكل متقطّع لاستخدام الإنترنت، مع الهرب من المشاكل اليومية وضغوطات الحياة وكذلك إهمال الهوايات الأخرى المفيدة.
وتعد هذه المؤشرات السابقة وغيرها، من أبرز العوارض المصاحبة لإدمان الإنترنت. وعلى الرغم من أن الاعتقاد المبكر بأن الإدمان على الإنترنت كان أكثر انتشاراً بين الذكور الشباب الانطوائيين، إلا أن الدراسات الحديثة أثبتت أنه يمكن أن يؤثر في الجميع بصرف النظر عن الجنس، العمر، المستوى الثقافي، الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأفراد.
من جانب آخر، يلجأ معظم الناس الذين يتفاعلون بصورة مفرطة مع وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تلبية احتياجاتهم الاجتماعية التي لم تجد ما يلبيها من خلال علاقات اجتماعية على أرض الواقع، حيث يتم تعويض هذا النقص عن طريق تعزيز علاقات افتراضية بديلة.