عادت صالونات التجميل للظهور مجددا في كابول بعد أن كانت محظورة من قبل طالبان. وتزامنت هذه العودة مع إقبال الأفغانيات عليها للترويح عن النفس والخروج من نمط الحياة اليومية وللتجميل والزينة وأيضا لمقابلة نظيراتهن من السيدات.
وبالنسبة إلى الكثيرات منهن فإن لهذه الصالونات صبغة علاجية إذ تساعدهن في تجاوز وضعياتهن النفسية السيئة والمتأزمة جراء الحرب. وعندما تشرع المرأة في الزينة والتجميل فإنها تشعر بطاقة إيجابية وتشعر بأنوثتها وجمالها وبأنها في مزاج أفضل. كما تسمح لها هذه الأماكن بلقاء الكثير من السيدات وتبادل أطراف الحديث معهن ما يمهد أمامهن الطريق للاهتمام بقضايا أعمق.
وتزدحم صالونات التجميل في أيام الخميس بسبب حفلات الزفاف التي تفضل الأسر إقامتها في هذا اليوم من الأسبوع. وتهتم الأسر من الطبقات المترفة باعتماد حفلات الزفاف كوسيلة لعرض ثروتها.
ويتفاخر فيها الرجال والسيدات على حد سواء بملابسهم وبالفساتين والإكسسوارات الفاخرة المستوردة عموما من دبي. وتحرص السيدات على إظهار زينتهن واهتمامهن بالماكياج وتسريحات الشعر.
ويعم النشاط والحركية صالونات التجميل كل خميس فترى السيدات مرتديات البرقع مترجلات من السيارات، ثم يختفين وراء جدران صالون التجميل المليئة بملصقات إعلانية وصور لعرائس جميلات على الجدران. وتحرص صاحبات هذه الصالونات على إبعادها عن أنظار الشباب الأفغاني الفضولية.
وقصدت مينا وهي امرأة أفغانية في الثلاثينات من عمرها إحدى صالونات التجميل لتستعد لحضور حفل زفاف. وبما أنها أم وحيدة تعيش في مبنى آيل إلى السقوط في منطقة غربي كابول تضررت بشدة خلال الحرب الأهلية في التسعينات، فإن يومها حافل بالمسؤوليات والواجبات والأعمال إذ تستيقظ مينا في السادسة صباحا، وترسل أطفالها إلى المدرسة، ثم تركب حافلة صغيرة مزدحمة لتسلك طريقها إلى وسط كابول.
وتسير مينا لمدة 20 دقيقة على طول الشوارع المكتظة بحركة المرور والغبار قبل الوصول إلى حي “شار آي ناو” ذي الطرق الإسفلتية التي تنم عن غنى سكانه. حيث تعمل في منزل مُستأجر لمجموعة من الإيرانيين، فتعد لهم الفطور، وتنظف الأرضيات وتُعد الغداء قبل العودة مرة أخرى إلى منزلها لرعاية أطفالها.
بالنسبة إلى مينا، حضور حفل زفاف هو بمثابة استراحة قصيرة من النسق اليومي الروتيني. فالاستعداد لحضور الحفل يتيح لها فرصة الدخول إلى عالم صالون التجميل حيث تسترخي قبالة الجدران وردية اللون محاطة بالزهور البلاستيكية الزخرفية.
وتعد زيارة صالون التجميل بالنسبة إلى مينا كما إلى غالبية النساء الأفغانيات متنفسا للتحرر من روتين الحياة اليومية ومن متاعبهن النفسية وهي ملاذ ليشعرن بأنوثتهن وبجمالهن مثل جل النساء. وهو ما يخرج هذه الصالونات عن مجرد كونها مكان تقصده السيدات للتجميل والزينة لتصبح مكانا للمقابلات الاجتماعية وللعلاج النفسي.
كما تتيح صالونات التجميل فرصة استثنائية للنساء الراغبات في العمل بما أن المجتمع الأفغاني يرفض خروج النساء للعمل والاختلاط بالجنس الآخر في الفضاء العام ومكان العمل لأنه يمكنهن فتحها في بيوتهن وكسب قوتهن دون الخروج من البيت والاختلاط بغير النساء.
وتقدم مؤسسة “أفغان إيد” وهي منظمة غير حكومية إنسانية وإنمائية دولية، أنشئت في عام 1983 خصيصا للأفغان، برامج لتنمية المهارات يمكن الفتيات من متابعة برنامج تدريبي في مجال التجميل. ويستغرق التكوين ثلاثة أشهر توفر بعدها المؤسسة للمتدربين فرصة للتدريب على الأعمال الأساسية بما في ذلك التسويق وإدارة الحسابات. ويتخرج كل متدرب في مجال التجميل مكتسبا مهارات جديدة ومالكا لحقيبة أدوات التجميل الخاصة به، ومعه فرصة للمساهمة في مستقبل أسرته.
وبالنسبة إلى الرجال في أفغانستان، لا تزال فكرة خروج النساء للعمل خارج المنزل غير مقبولة اجتماعياً، وبالتالي فإن زيادة الفرص المتاحة لهن للحصول على دخل وتثقيف أنفسهن داخل بيوتهن هي فرصة تمكين حقيقية. وفي عام 2011، قدمت “أفغان إيد” برنامجا تدريبيا في مجال التجميل لمجموعة من السيدات في حي أيباك تخرجت منه 14 فتاة، وبدأ 8 منهن بإدارة مشاريعهن التجارية الصغيرة الخاصة بهن.
وتقول بينافشا، 33 عاماً، وهي إحدى خريجات برامج تدريب المؤسسة، من الصعب تصديق أنه قبل عامين فقط لم أتمكن أنا وزوجي من إطعام أسرتنا المكونة من أربعة أفراد. وأضافت “كنت عاطلة عن العمل، وكان زوجي سائقا، ولكن دخله اليوميّ كان ضعيفا. كان لدينا الكثير من الأحلام، ولكن أيضاً الكثير من الأعباء المالية. ثم اقترح علي أحد الجيران ذات يوم المشاركة في برامج تنمية المهارات التي توفرها مؤسسة أفغان إيد، حيث كانت تقدم للإناث برنامجاً تدريبياً في مجال التجميل”.
وأردفت “عندما استشرت زوجي، قال في البداية إنه لا يؤيد الفكرة. كان لديه العديد من الأفكار المتحفظة ولم يفهم كيف أن هذا من شأنه أن يساعد عائلتنا. ينطبق ذلك أيضاً على معظم الأبناء والأزواج في أفغانستان فهم يعتقدون أنه إذا خرجت نساؤهن من المنزل من دونهم، فستكون هناك مشاكل كثيرة. ولكن بعد أن التقى زوجي مع ممثلي أفغان إيد وشرحوا له كل شيء، غير رأيه ووافق على حضور الجلسات التدريبية”.
تعمل بينافشا الآن في صالون التجميل الخاص بها في منزلها. حيث أن هناك مدنا بعينها في أفغانستان، مثل سامنغان، تمنع المرأة من فتح مشاريع تجارية في الأماكن العامة، ولا تسمح أيضاً بالأعمال التجارية التي تقودها الإناث. ولكن توفُّر متجر أو صالون داخل المنزل يعتبر حلاً مناسباً وقابلا للتطبيق.
وتزور السيدات بينافشا بشكل يومي لقص الشعر وصبغه، ولوضع الماكياج لحفلات الزفاف وأعياد الميلاد، ولإزالة الشعر. وقالت “أنا سعيدة جداً الآن لأني أحصل على دخل جيد من عملي… ليس لدي أي مشكلة مع زوجي. هو يدعمني الآن في بناء صالون خاص بي، وتشجعني بعض النساء أيضا. ويقلن لي أنت امرأة مذهلة، لديك الدخل الخاص بك، نتمنى أن نصبح يوماً مثلك”.
وأضافت “تختلج لدي الكثير من الانفعالات والأحاسيس إذا قارنت حياتي الآن بالماضي. لقد تحسنت الحياة وتبدلت. لم نكن سعيدين أنا وزوجي في حياتنا السابقة. لكن الآن، لدينا منزلنا الخاص بنا، ويتعلم أطفالنا في المدرسة. وآمل للكثير من السيدات أن يحذون حذوي. إذ ينبغي أن تكون المرأة قادرة على العمل دون أي مشاكل”.