قد يظن قارئ هذه السطور للوهلة الأولى أن كاتب هذا المقال امرأة، لكن وبكامل الإنصاف هذا الكلام لم يكن يُقدر له الظهور لو لم يكن صحيحاً بنسبة تقترب إلى الكمال، وتنطبق على نسبة تفوق الـ90 بالمائة من العلاقات التي يكون طرفاها من جنسين مختلفين.
نحن -الرجال- نقرر أن نكون أشداء على كلِّ مَن خلق الله، إلا شخصاً واحداً نستثنيه من شدتنا وجبروتنا، وعادة ما يكون هذا الشخص "امرأة"، قد تتغير من وقت لآخر تبعاً لتطور الحياة، لكن مهما تغيَّر هذا المُستثنى من جبروتنا سيبقى المكان محجوزاً لامرأة، ندع لها كل زمام الأمور في العلاقة، هي المتحكمة ونحن تابعون لها، لكن هذا لا يحدث بشيء فيه ذل لكرامة الرجل، وإن كان تحكُّمها في زمام أمور العلاقة يقلل من هيبة الرجل ولو بمثقال ذرة، فذلك نوع آخر من العلاقات لا أقصده، ويرفضه أغلب بني العرب والإسلام.
تحكُّم المرأة في العلاقة -الذي أعنيه- لا يكون تحكماً مباشراً على الملأ، هو تحكم خفي لا يعترف به حتى طرفا العلاقة، ولا يخرج أمام شخص ثالث غيرهما، تحكُّم يرى الرجل أن الاعتراف به إهانة له، بل وتراه المرأة عاراً على الرجل، لكنها تفعله، ويعلم الرجل أنه في هذه العلاقة تُسيِّره امرأة، وتظل هذه العلاقة ناجحة ما دام هذا السر ما زال بعيداً عن أعين العالمين.
البعض يظن أن الرجل لا يضعف، ولا ينبغي له ذلك، وهذا فيه شيءٌ من الصواب، الرجل مُحرَّم عليه الضعف وقت الشدائد، إذا بكى وقت الشدة أعلن بذلك أنه غير مؤهل للتصرف في هذا الكرب، وهذا تفسير عدم بكاء الرجل في العزاء برغم أنه في كثير من الأحيان يكون المتوفَّى هو أقرب الأشخاص له، كذلك الرجل لا يضعف أو يهِن بعد فشل أي علاقة له مباشرة، يفسرها البعض بأن ذلك يعني أنه لم يحزن على هذا الإخفاق، لكنني أرى أنه حينها قد يكون امتلك الحزن قلبه، لكنه يرى أن ذلك وقت شدة لا يجوز فيه البكاء ولا النحيب.
بعدما تنقضي الشدة ينهار الرجل كلياً، يصبح أضعف من الطفل حديث الولادة، فتضيق عليه الدنيا ويجد اتساعها في كنف امرأة، ربما تكون أمه أو زوجته أو حتى ابنته -حين العجز- وقد تكون امرأة أخرى لها مكانة فريدة في قلبه، يتجرَّد حينها الرجل من عباءة قوته وجبروته وهيبته، ويأبى أن يراه أحدٌ في هذه الحالة إلا تلك المرأة.
أما في شتى قرارات حياته الشخصية والعملية، فيكون القرار النافذ في أغلب الوقت قرار نفس المرأة سالفة الذكر، ليس لأنها أكثر نضجاً أو أذكى منه، لكن ما يراه في عينيها من حب له، وخوف على مصلحته، يجعله يستجيب لآرائها، لأنه متيقِّن من إخلاصها.
أقرب تشبيه لهذه المرأة -من وجهة نظري- أنها تشبه الرجل الثاني في أي مؤسسة كبرى، أو في أي دولة، الذي تكون مهمته هي الأهم، بيده كل شيء، ويتحكم في كل أمر، قوله نافذ، وهو المحرك لقائده بشكلٍ غير مباشر، لكن كل الشهرة والإعجاب والعزة تقع على الرجل الأول، رغم أن كل ما قد وصل إليه سببه ذلك المساعد، الذي بعقله جعله عظيماً يَضرب الناس به المثلَ، ولهذا السبب يُطلق على الزوجة في مصر -مزاحاً- لقب الحكومة.
ولكي تحصل المرأة على هذه المكانة الفريدة، عليها أن تكون ذكية في التعامل مع الرجل، توحي له أنها خاضعة لأوامره ولا تملأ جو العلاقة بمفاهيم حرية النساء والمساوة، وأنها تستطيع الاعتماد الكلي على نفسها، الرجل يوافق على كل هذه المسميات، ويسمح للمرأة بأن تفعل كل شيء تطالب به كحق لها، شريطة ألا تزعجه بكثرة ترديد مثل هذه المصطلحات، التي أصبح كثيرٌ من الرجال يكرهونها هي ومردديها.
وَلْنهمِس في أذن النساء، ليعلمن أن الاهتمام يبعد الرجل عن التفكير فيمن سواها. حديثي عن الرجال الأسوياء فقط، الاهتمام بصفة عامة يخلق الحب، ثم يكبِّره، ثم يحفظه أبد العمر، وقلّته تغتال الحب، وإن وصل لمرحلة العشق والهيام، ومن الاهتمام بالرجل أن تعامله المرأة كطفل ليس منافساً لها، يتصارعان مَن منها يحقق مراده، كل هذا يجعل الرجل مستعداً ليصبح متجرداً من شدته أمام أي امرأة، وتلك أسس نجاح أي علاقة، تنجح بأمر امرأة، تتحكم فيها امرأة، فيكون بذلك أن وراء نجاح أي علاقة عظيمة يوجد امرأة.. وكفى.