بينما كانت تداعب بريشتها لوحاتها الجميلة تسللت إلى مكتبتها الثرية وتلمست سخاء مداد قلمها النابض وجمال ريشتها الرائعة اللذان نسجت بهما من خيوط الشمس حدود الوطن رغم جنون الجغرافية السياسية التي باعد عائلتها عن الوطن الأم فلسطين قسرا منذ النكسة وحتى الآن تنقلت خلالها ما بين العراق والكويت التي كانت قد بدأت حياتها الكتابية فيها حين كان عمرها أربعة عشر عاما حينما كتبت في صحيفتي السياسة الكويتية والوطن ثم في صحيفة الأنباء فيما بعد ذلك وكذلك الحال في صحيفة الصخرة التي كانت تصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية وراحت تسافر بين محطات الوطن بين الصمت والشجون فيما طوت تغريبتها وعائلتها الجديدة من الكويت كل أعمالها الكتابية والأدبية حين أتلفت كل انتاجها بسبب عدم سماح السلطات الكويتية بأي أوراق غير رسمية حين خروجهم من الكويت عقب ما آلت إليه أوضاع الفلسطينيين هناك بعد حرب الخليج الأولى التي جاءت نتاج حرب العراق والكويت في مطلع تسعينيات القرن الماطي وما ترتب عن ذلك من تداعيات طالت الشعب الفلسطيني هناك الذي شرد مرة أخرى على أثر هذه الحرب وتداعياتها على الفلسطينيين من الكويت إلى منافي أخرى .
وبينما حطت نهلة آسيا وعائلتها رحالها في الأردن والتي ما زالت تقيم بها حتى الآن بعد أن فقدت أخيها في بغداد كتبت عنه قصيدة يتيمة واحدة في حينه لكنها توقفت عن الكتابة ما يقارب ثمانية عشر عاما وكذلك فعلت مع ممارسة هوايتها للرسم الذي تعلمته من خلال دورة خاصة فيما بعد ، فجف قلمها وريشتها وطوت صحفها ولوحاتها الأدبية والفنية وذلك بسبب ما ترتب عليها من مسؤوليات بعد وفاة والدها حتى أن ذلك الأمر حال دون إستكمالها لمسيرتها التعليمية ولكن قلبها ظل يخفق ولم يتوقف عن النبض ليعود وينتج أروع ما حمل من خاطر جياش فمنذ أربعة أعوام وبعد زواجها أمسكت على القلم والريشة ثانية لتخط أروع القصائد والقصص وترسم أجمل اللوحات التي تحاكي قلبها وما يحمل من حب الوطن الذي تنتمي إليه بكل جوارحها دون أن تنتمي إلى أي من الفصائل والأحزاب الفلسطينية غير أنها تتمتع بإنتماء وطني وعروبي وعقائدي آمنت به فطريا واكتسبته مما قرأت واطلعت وتنقلت وتعايشت في العواصم العربية التي صقلت تجربتها السياسية والفكرية .
نهلة آسيا سبرت أغوار روحها الكتابية من الكاتب والأديب الروسي الشهير مكسيم غوركي الذي تأثرت بكتاباته الرائعة فكتبت سرديتان ( صدى الأرواح البعيدة وطريق الموت ) وروتهما بالشكل السردي والروائي الأدبي الجميل الذي يلامس القلب ويأسر العقل عبر لوحات وحلقات جميلة تتابعية لتنقلنا إلى أروع المحطات في حياة شخصياتها وما تحمل من مفارقات سياسية واجتماعية هادفة ضمن رؤيتها الخاصة تجاه كل قضايا العصر وسنترك الخوض في غمار هاتين السرديتين إلى حين اصدارهما طباعيا كي يتحدثا عن نفسيهما بنفسيهما فهما الآن في دور النشر والطباعة وكذلك فهناك أعمالا أخرى لها لم تطبع بعد مثل ( عطر السماء واحتراق امرأة شرقية ) فيهما بعضا من قصائدها القديمة وأخرى جديدة وقصص جميلة ومقولات فلسفية رائعة تحاكي الواقع السياسي والإجتماعي وقضايا العالم وفلسطين والوطن والعربي ، هذا وقد حصلت على الترتيب الأول في مهرجان القلم الحر للإبداع العربي في كتابة القصة القصيرة ، أما لوحاتها الأجمل فهي التي لم ترسمها بعد رغم جمال كل ما أنتجت من لوحات غاية في الروعة والجمال ، فهي الآن متفرغة للرسم ومعتكفة في مرسمها لتنتج ما هو أجمل فالرسم هوايتها المفضلة وموهبتها الفذة .
إذن الكاتبة والفنانة نهلة آسيا في طريقها إلى المجد تعمل بكل كد وجهد وجد وتثابر من أجل إثراء مكتبتها الأدبية والفنية ومعارض رسوماتها ولوحاتها الجميلة على الرغم من مسؤولياتها تجاه عملها الرسمي والأسري والإجتماعي إلا أنه تصر على أن تمخر عباب البحر ولوجا للمدى والأفق صوب قرص الشمس ، فهذه هي المرأة الفلسطينية النموذج كأحد نماذج المرأة الفلسطينية التي شقت طرقها وسط الصعاب لتكون المرأة الفلسطينية المناضلة والمثابرة مثالا يحتذى به في عالم المرأة ، ولكنها كغيرها من الكتاب والفنانين والمبدعين الفلسطينيين بل والعرب الذين يتطلعون إلى حاضن ثقافي رسمي على مستوى الدولة والمجتمع لحمل انتاجاتهم الفكرية والأدبية إلى النجوم التي تليق بها فعلى وزارات الثقافة العربية وخاصة الفلسطينية وكذلك اتحادات الكتاب العربية والفلسطينية وكل مؤسسات المجتمع الفاعلة أن تضطلع بمسؤولياتها تجاه كل قلم نبيل وريشة حرة مبدعة ورائعة وجميلة كي تعزز هذه القدرات والطاقات وتشجعها لتثري المكتبة الثقافية العربية والفلسطينية وتراكم بالإنتاج المتعاقب إلى الموروث العربي الهائل للفنون والإبداع والفكر والآدب والثقافة العربية .