بعد أنْ تسببت الكوليرا الَّتِي اجتاحت اليمن الَّذِي يُعد أفقر بلدان المنطقة بوفاةِ (859) شخصاً منذ يوم 27 نيسان الماضي عَلَى وفقِ أحدثِ إحصائية لمُنَظَّمَةِ الصِحة العالمية، مَا يَزال أكبر مشافي العاصمةِ صنعاء بحسبِ التقارير الإخبارية يستقبل كل دقيقة مريضاً واحداً عَلَى الأقل مصاباً بهَذَا الوباء الَّذِي لا يرحم، فِي وقتٍ أكدت فِيه مُنَظَّمَة (أوكسفام) البريطانيةَ أَنَّ مرضَ الكوليرا يقتل شخصاً واحداً تقريباً كل ساعة فِي اليمن، محذرة فِي بيانٍ نشرته علَى موقعِها الإلكتروني مِنْ عدمِ قدرةِ المؤسسة الصِحِّيَّة عَلَى احتواءِ المرض، فضلاً عَنْ إشارتِها إلى تهديدِ الكوليرا لحياةِ آلاف الأشخاص فِي الأشهرِ المقبلة. ولعلَّ خير مصداق عَلَى رؤيةِ مُنَظَّمَة (أوكسفام) المتعلقة بخطورةِ الواقع الصِحيّ فِي اليمن هو إعلان مُنَظَّمَة الصِحة العالمية تسجيل مفاصلها مَا مجموعه (116) ألفاً و (700) حالة اشتباه بهَذَا لمرض، بالإضافةِ إلى تأكيدِها أنَّ هَذَا المرض يصيب أكثر الفئات اليمنية ضعفاً، إذ إنّ الأطفال ما دون الخامسة عشرة يمثلون (46%) مِن إجمالي حالات الاشتباه بالكوليرا، فيما يمثّل من تخطّتْ أعمارهم الستين عاماً (33%) مِنْ مجموعِ الوفيات.
المصابون بهذا المرض، وَالَّذين افترش بعضهم الأرض، تجاوزت أعدادهم قدرة المستشفيات الاستيعابية، الأمر الَّذِي فرض عَلَى إدارة الصِحة اليمنية الركون إلى نصبِ خيام فِي مُحيطِ مشافيها العاملة فِي العاصمة، مثلما هو حاصل فِي مشافٍ أخرى. وَالمذهلُ فِي الأمرِ هو تفشي الكوليرا اللعينة بشكلٍ متصاعد فِي مناطقٍ جديدة، أغلبها تفتقر إلى الخدماتِ الصِحِّيَّة فِي ظلِ عجز المراكز الطبية عَن تأمينِ متطلبات علاجِ المصابين؛ نتيجة الظروف القاهرة الَّتِي تعيشها اليمن، حتى بات شبح الكوليرا يؤرق حياة الأهالي.
تحذّيرات الإدارة الصِحِّيَّة فِي اليمن مِنْ وقوعِ كارثة صِحية وإنسانية بدأت ملامحها فِي الظهورِ بالاستنادِ إلى اكتظاظِ بعض مشافيها بالمواطنين المصابين بمرض الكوليرا فِي ظلِ النقص الشديد بالأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة بمواجهةِ الكوليرا، لَمْ تجد صدى مؤثراً فِي أروقةِ المُجْتَمَع الدَوْليّ، وَالَّذِي مَا يَزال حريصاً عَلَى التمسكِ بمواثيقِ الشرف الخاصة بحمايةِ بعض الحَيوانات مِن الانقراض، الأمر الَّذِي قد يفضي إلى توقفِ الخدمات الصِحِّيَّة التي تقدمها الوحدات الطبية التابعة للمؤسسة الصِحِّيَّة اليمنية إلى المواطنين، والتسبب بوفاةِ أعدادٍ جديدة؛ جراء نفاد الأدوية اللازمة للعلاج.
لا رَيْبَ أَنَّ اليمنَ الَّذِي تعاني مراكزه الصِحِّيَّة مِنْ نقصٍ شديد فِي المستلزمات الطبية، لا يمتلك السبل الكفيلة بمواجهةِ وباء خطير مثل الكوليرا، إذ تكفي الإمكانات الحالية بحسبِ مُنَظَّمَة الصِحة العالمية لمكافحةِ انتشار المرض؛ بالنظرِ لتوقفِ أكثر مِنْ نصفِ المنشآت الطبية اليمنية عَن العمل، وعدم حصول أكثر مِنْ (14.5) مليون نسمة عَلَى المياه النظيفة الصالحة للشرب، فضلاً عَنْ افتقارِ مناطقه إلى منظوماتِ صرفٍ صحيِّ آمن.
إنَّ خطورةَ الأوضاع الصِحِّيَّة فِي اليمن تفرض علَى المُجْتَمَع الدَوْليّ تحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانيَّة، وَتضع منظماته أمام واجباتها المهنية حيال التداعيات الكارثية لهَذِه المحنة.
فِي أمَانِ الله.