ما بين مؤيد ومعارض لفكرة الزواج التقليدي والزواج عن حب وأيهما أنجح من حيث الاستقرار والاستمرار، توصل الطبيب النفسي الإنكليزي توني ليك في دراسة أعدها إلى أن الزواج التقليدي محكوم عليه بالفشل وعدم الاستمرار لعدم معرفة الشريكين لبعضهما مسبقا، في حين أن الحب يكلل العلاقة الزوجية بالنجاح، لأن الارتباط العاطفي معناه اتفاق الشريكين على كل شيء في الحياة، مما يشعرهما بالأمان والاستقرار وتقاسمهما الحياة سويا.
وبيّن أن شعور الطرفين بالأمان في العلاقة عن حب يأتي من إحساس الطرفين بقدرة كل منهما على حماية الآخر ورعايته، وعلى النقيض يشعر الطرفان في الزواج التقليدي بعدم الأمان والقلق والتوتر في العلاقة، مما يجعل مستقبل الحياة الزوجية مبهما ومهددا بالانهيار.
وأكد توني ليك في دراسته أن الزواج عن حب يجعل الشخص يشعر بأنه محبوب ومقبول لشخصه بكلّ ما يحمله من صفات حسنة وسيئة، لأن الطرف الآخر يتقبله كما هو ولا يوجّه له الانتقادات، على عكس الزواج التقليدي بدون حب والذي تشوبه انتقادات من كل طرف للآخر.
فهذا الزواج قد يكون لأهداف أخرى كالحصول على منصب مرموق أو بهدف المال، وهو ما يجعل العلاقة غير سوية وتتحول إلى علاقة مصلحة، وهو ما يؤدي إلى فشل العلاقة وعدم تقبل كل طرف للآخر.
وأشار إلى أن الزواج يعد تجربة اجتماعية إنسانية معرّضة للنجاح أو الفشل، بغض النظر إذا كانت العلاقة مبنية على الحب أم لا، لأنه لا توجد قاعدة ثابتة، فإذا كان الفرد يتمتع بشخصية خيالية حالمة ورومانسية فهو حتما يبحث عن علاقة يتخلّلها الحب والمشاعر، أما إذا كان الشخص عمليا وواقعيا بصورة أكبر فهو يتزوج بعقله ولا يبحث عن الحب لأنه لا يُعتبر من ضمن أولوياته في الحياة.
في المقابل، وجدت دراسة أعدها الدكتور إسماعيل عبدالباري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق في مصر، أن ثلاثة أرباع حالات الزواج عن حب فشلت بشكل تام وانتهت بالانفصال بين الطرفين. أما حالات الزواج التقليدي أو عن طريق وسيط فتعدت نسبة نجاحها 95 بالمئة.
وأكد أن الحب وحده لا يكفي لإقامة علاقة زوجية سليمة، لذلك كان الفشل نتيجة حتمية لأغلب حالات الزواج بعد قصة حب ملتهبة بالمشاعر والأحاسيس، فيما كان النجاح أمرا طبيعيا بالنسبة إلى الزواج التقليدي الذي يتم عن طريق الأهل والأقارب.
وأجريت الدراسة على 1500 زوج وزوجة، وأوضحت أن الزواج عن حب في المجتمع المصري لا يزال محدودا ولا يتجاوز 15 بالمئة فقط من إجمالي حالات الزواج التي تحدث سنويا، وعلى الرغم من قلة هذه الحالات إلا أنها لم تكلل بالنجاح والاستقرار، بينما وُجد أن أكثر من 75 بالمئة منها يفشل، أما الزواج التقليدي فتصل نسبة نجاحه إلى 96 بالمئة.
وأوضح مختصون أن هناك مجموعة من الأسباب قد تؤدي إلى فشل الزيجات التي قامت على الحب، من بينها أن الحب عاطفة متغيرة وليست ثابتة. وأنه لا يؤسس قاعدة صلبة لإقامة مؤسسة. إضافة إلى أن الحب هو أبعد ما يكون عمّا يوصف عاطفيا على لسان الشعراء والمغنين.
وقال آرون بن زائيف في بحث نشره بموقع “سايكولوجي تودي” إن الزواج القائم على الهيام والغرام والمشاعر الملتهبة يتجاهل في الغالب عناصر الشراكة المهمة بين الزوجين من قبيل التقارب الفكري والذكاء المطلوب والتقارب الاجتماعي، وهو في النهاية اختيار رومانسي قد يزول بزوال أسبابه.
وأكد علماء اجتماع أنّ الودّ قد يبني أسرة، أمّا الحب بين المرأة والرجل فيمكن أن يبني علاقة عاطفية قد تستمر ما عاش العاشقان، ولكنّه ليس شرطا في بناء الأسرة والحفاظ عليها.
وعن أسباب فشل الزواج عن حب، يرى فوزي عبدالغني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة جنوب الوادي في مصر أن عدم رضا الأهل عن الزواج عن حب يعد أحد الأسباب التي تؤدي إلى فشله، فالأهل عادة لا يوافقون على زواج ابنتهم من شاب أحبته وأقامت معه علاقة عاطفية لأنهم يرون أن الزواج مؤسسة كبيرة الهدف الأساسي منها تكوين أسرة، فهم يرون أن المحبة لا تصلح لإقامة منزل.
وعلى الرغم من ذلك يصرّ العاشقان على العلاقة فيوافق الأهل على الزواج، ومع أول خطوة يصطدم الطرفان بمسؤوليات الحياة ومصاعبها والأزمات المالية، وهنا لا يستطيع الحب أن يحلّ المشاكل التي تواجههما في حياتهما لذلك تفشل العلاقة، لأنهما يشعران بالخطأ وبأنهما خدعا في عواطفهما، ومن هنا تتحول الصورة المثالية التي رسمها كل طرف للآخر إلى صورة باهتة مشوّهة، ويتحول الحبيب العاشق إلى شخص لا ترغب بالنظر إليه بسبب صعوبة الحياة معه نتيجة الأعباء التي ألقيت على عاتقهما.
فيما يؤكد سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس، أن الحب من الأشياء الضرورية لإقامة علاقة زوجية سليمة وناجحة، كون أن تجربة الزواج لا تقوم إلا على التفاهم والودّ والتقارب النفسي بين الطرفين، وهو ما ينعكس بشكل طبيعي على الأطفال ونشأتهم.
وأضاف أن الحب بين الزوجين من شأنه أن ينشئ أطفالا أسوياء في المجتمع قادرين على حب بعضهم البعض، ولا يكنون الكره والضغينة في أنفسهم، لأن الأطفال يتعلمون فنون الحب من خلال سلوك الوالدين مع بعضهما، فهو المدخل الطبيعي لبناء تجربة الزواج، والذي بدونه تختل العلاقة وتفقد توازنها.
وحذر من فهم البعض للحب بما هو خروج عن الشرع أو العُرف السائد والعادات والتقاليد، لأن ذلك يفشل الزواج الذي يقوم على الحب الرخيص، مشيرا إلى أن الزواج التقليدي قد ينجح في بعض الأحيان لكن الطرفين يأخذان الكثير من الوقت لكي يفهم كل منهما الآخر، وقد ينعكس الزواج التقليدي على الأطفال من خلال عدم شعورهم بالحب والألفة بين الوالدين؛ فالحب من شأنه أن يذلل جميع الصعاب والمشاكل التي قد يواجهها الزوجان في حياتهما.