التدريب على الحياة أو ما يعرف بـ”اللايف كوتشينغ” من العلوم الحديثة في الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا العلم ينقل الإنسان من مرحلة الضياع إلى مرحلة التغلب على أزماته والعبور بنفسه إلى حياة أسرية واجتماعية جديدة هادئة ومستقرة.
وطبقا لدراسات أجريت علي عينة من الأشخاص شملهم هذا العلاج، استطاع “التدريب على الحياة” أن يحسن من أدائهم ويجعل تقبلهم للحياة أكثر إيجابية ويحررهم من حزنهم ويمنحهم مساحة أكبر من الثقة في النفس، كما أنه يطور الأداء التفاعلي في ما بينهم ويخلق بداخلهم ضبط النفس والقدرة على تحمل المسؤولية والتوازن في علاقاتهم بالآخرين.
وأثبتت دراسة أميركية من خلال استطلاع رأي شمل عينة مكونة من 2165 شخصا في 62 دولة أن 80 بالمئة شعروا بتقدير الذات، ومهارات الاتصال كانت إيجابية لدى 72 بالمئة منهم، والأداء الوظيفي 70 بالمئة، والعلاقات الناجحة زادت بنسبة 73 بالمئة، أما التوازن بين العمل والحياة الأسرية فوصل إلى 63 بالمئة.
لا يُصنف “اللايف كوتشينغ” على أنه علاج نفسي تقليدي، فهو لا يحتاج إلى أدوية أومهدئات. كما أنه يتعدى مرحلة الفضفضة والاسترخاء على مقعد وثير أمام الطبيب، فهو علم خاص بالغوص في النفس البشرية والبحث داخلها عن أسباب تعبها وتغيير مسار الشخص الخاضع للعلاج بما يتوافق مع أحلامه ورؤيته لمستقبله وعدم التقوقع حول أزمته والتقيد بها فيصبح دائما غير قادر على ترك مكانه.
العلاج يتمثل في إدارة حوار تفاعلي بين الشخص الذي يرغب في الشفاء والمدرب، ويكون هناك تحديد للمشكلة في البداية ثم وضع مخطط لعلاجها وإخراج القوة الحياتية الكامنة داخل الشخص والاستفادة منها بقدر كبير، بإتاحة مساحة كبيرة من البوح له ليخرج مكنونات روحه المعذبة وأحلامها وطموحاتها وأهدافها، في جلسة تجمعه مع مدرب محترف شديد الإنصات لتكون هناك وسيلة واضحة للعلاج.
هند مخلوف واحدة من الفتيات ممن أقبلن على هذا العلم بشغف، وقرأت عنه الكثير من الدراسات والمطبوعات كما ساعدتها البحوث حوله على شبكة الإنترنت، ورغم أنها درست إدارة الأعمال بالجامعة الألمانية في مصر وعملت في مجالات مختلفة، إلا أن “اللايف كوتشينغ” والذي دخلت مجاله بالصدفة، كان الأكثر توافقا وتواؤما معها ما جعلها تحقق نجاحا فيه بصورة سريعة ومبهرة.
قالت مخلوف إن الأمر جاء بمحض الصدفة، حيث لفتت انتباهها ذات يوم صفحة إحدى الشركات المهتمة بتدريبه على الفيسبوك، وطرحت أحد الأسئلة، وقالت إن من يستطيع الإجابة يحصل على محاضرة مجانية في هذا العلم الجديد.
في البداية لم تعر مخلوف الأمر اهتماما لكنها بعد أن حضرت تلك المحاضرة وجدت نفسها منصتة بكل شغف لكل ما يقوله المحاضر، الذي لاحظ بدوره ذلك فطلب منها أن تستمر معه، وبعد فترة من التدريب استطاعت أن تكون “مدربة حياة”، وبدأت في استقبال المترددين طالبي تلك الجلسات.
أوضحت أن المدرب يعمل على سحب الشخص الراغب في العلاج إلى منطقة “البوح” بكل سهولة، من خلال استثارة مشاعره وأفكاره بطرح الأسئلة التفاعلية المثيرة، وعلى هذا المدرب أن يكون مستمعا ماهرا حتى يتمكن من إدارة الجلسة بنجاح ويحقق الهدف المرجو في نهاية الأمر، وهو تغيير الشخص الجالس أمامه إلى الأفضل وأن يضع يده على أوجاعه ويعالجها.
وبحسب المدربة الشابة فإن متاعب النفس تأتي من أربعة جوانب، هي الروح والجسد والقلب والعقل، لافتة إلى أن غالبية المشاكل سببها العاطفة، لذلك فإن الفتيات والسيدات هن الأكثر من الرجال ترددا على جلسات العلاج لأنهن الأكثر تأثرا بأزماتهن العاطفية، أما الرجل فسرعان ما تذوب آلامه النفسية في زحمة الحياة ويستطيع أن يغير مجرى الأمور إذا ارتبطت بالعاطفة بالتعرف على امرأة أخرى والبدء في تجربة جديدة بعكس النساء اللاتي يحتاج الأمر منهن المزيد من الوقت.
يتوقف عدد الجلسات التي يحتاجها الشخص الراغب في العلاج على الحالة وحجم المشكلة وهو ما يختلف من شخص إلى آخر، وفي البداية يكون التحسن بطيئا ثم يزداد طرديا ليصبح أسلوب حياة للشخص الخاضع للعلاج، والجلسة عبارة عن حوار تفاعلي يتعمق في جذور المشكلة، ويمكن أن يصل إلى نقطة اللاوعي لدى الإنسان لوضع اليد على أكثر الأمور التي ترهقه وتؤثر سلبا على مجريات حياته.
وقالت هند “لكل حالة مخطط في رأسي أضعه بناء على حوارها وحديثها معي عن أزمتها، وينقسم العلاج إلى باقات أو مجموعات ولكل شخص الباقة التي تناسبه وتتوافق مع حالته”.
ومن أصعب الأمور التي يمكن أن تواجهها (هند) في العلاج عدم صراحة الشخص معها والتفافه حول الحقائق ما يجعلها غير قادرة على إعطائه النصائح الحكيمة، فمثلا جاءتها في أحد الأيام فتاة تحكي عن مشكلتها وتريد العون والنصيحة لكن عند نقطة معينة في الحوار لم تستطع أن تجيب على الأسئلة، وعندئذ اكتشف المدربة أن الفتاة جاءت بدلا من صديقتها التي تشعر بالحرج من عرض مشكلتها بنفسها.
أكدت مخلوف أن لكل إنسان ظروفه المختلفة وربما كانت مشكلته تراكمية ومبنية في الأساس على مواقف مرتبطة معه منذ الطفولة أو المراهقة والتصقت به، وربما ارتبطت معه باقترافه ذنبا لا يسامح نفسه عليه، بالتالي مهما وصف أحد آخر بالنيابة عنه مشاعره تلك فلن يكون صادقا، لذا فإن العلاج الناجح يتوفر بوجود الشخص الحقيقي أمام المعالج.
التدريب على الحياة يتطلب معالجا يتميز بعدة صفات، أهمها الاستماع الجيد، والخبرة المعرفية التراكمية التي تساهم بشكل كبير في وضع حلول سريعة وبسيطة ومنجزة للشخص الراغب في العلاج.