المتعة، وفقاً للفيلسوف اليوناني القديم أبيقور، هي بداية ونهاية العيش بسعادة. ولكن ماذا لو كنت غير قادر على الشعور بالمتعة؟
بالنسبة لأولئك الذين يعانون من حالة تسمى "أنيدونيا" anhedonia أو ظاهرة انعدام الإحساس باللذة، فإن متعة القبلة الأولى، والشعور بالرضا العميق عند حل لغز ما، أو ذلك الإحساس بالدفء عند سماع أغنيتك المفضلة، هي أحاسيس يمكن للآخرين الشعور بها، لكن ليس الأمر بالمثل بالنسبة لهم.
ويمكن وصف انعدام التلذذ بأنه شعور بـ"التسطح العاطفي" الذي غالباً ما يؤدي إلى فقدان الرغبة الحميمية الجسدية، وصعوبة التكيف مع المواقف الاجتماعية، أو الانسحاب والانعزال الكامل.
ويمكن أن نعتبر هذه الظاهرة أو الحالة مجموعة من الأعراض أكثر من كونها مرضاً في ذاتها، وبالتالي يمكن لآثارها أن تكون موهِنة، والتي قد تتجاوز حد القدرة على العيش بسعادة.
بمعنى آخر، أن هذه الأعراض لن تجعلك تعيش بسعادة مهما قمت من أفعال مبهجة ومفرحة.
ما هي المتعةُ؟
يمكن تعريف المتعة بشكل أساسي بأنها الشعور الذي نحصل عليه ويدفعنا للبحث عن حافز.
فيما تعتبر قدرة الدماغ على الشعور بالفرحة بمثابة آلية مراقبة كبيرة تربطنا معاً في مجموعات اجتماعية، وتساعدنا على تعزيز بعض السلوكيات المفيدة.
ويوضح يوشوا غارفيلد، من مركز أبحاث المخدرات والكحول الأسترالي، أنه يمكننا تقسيم المتعة إلى نوعين: استباقية واستهلاكية.
إذا كنت قد دُعيت لتناول العشاء مع صديق، وقيل لك إنهم يطبخون واحداً من الأطعمة المفضلة لديك، أنت في هذه الحالة تكون قد تعرَّضت للمتعة الاستباقية عند سماع هذا الخبر، وعلى افتراض أن الطعام جرى إعداده بشكل جيد، فإنك ستتعرض للمتعة الاستهلاكية خلال وبعد تناوله مباشرة.
ويقول غارفيلد، إن كلا النوعين يلعبان دوراً في قدرتنا على التعلم، فإذا كنت تشعر بقدر كبير من المتعة الاستباقية، ولكن فوجئت بأن ما تتوقعه كان سيئاً للغاية، فهذا قد يسجل كـ"خطأ في التنبؤ"، وهو الذي يساعدك على إعادة تقييم قيمة أهدافك.
وفي حين أن أبحاث غارفيلد حول المتعة تركز إلى حدٍّ كبير على الفرد، إلا أنه يشير أيضاً إلى أن المتعة تعد قوة اجتماعية كبيرة.
وبالتالي فإن عدم القدرة على الشعور بالمتعة هو أكثر من مجرد إحساس بالفراغ والتبلد، بل هو عقبة أمام قدرتنا على التعلم والتفاعل الاجتماعي.
ما أسباب انعدام التلذذ؟
تجربتنا من المتعة هي نتاج للتفاعلات الكيميائية العصبية داخل دائرة في الدماغ تسمى العقد القاعدية البطنية القشرية أو "cortico-ventral basal ganglia"، وتعرف اختصاراً باسم "BG".
جزء من الدماغ يسمى قشرة الفص الجبهي الإنسي أو Medial Prefrontal Cortex، يعمل كشرطي لحركة المرور الخاصة بالأفعال الممتعة، وهو الذي يسمح بارتفاع مستويات هرمون "الدوبامين " (هرمون في الدماغ مسؤول عن مشاعر البهجة والسعادة والمتعة) في جزء من الـBG الذي يسبب الشعور بالمتعة واللذة.
الأبحاث التي نشرها علماء الأعصاب في جامعة ستانفورد البحثية الأميركية عام 2016، أيدت الشكوك السابقة في أن قلة النشاط في قشرة الفص الجبهي الإنسي، يمكن أن تكون مسؤولة عن انعدام التلذذ.
السبب الأساسي لهذا النشاط المنخفض يمكن أن يكون وراثياً، على الرغم من الإجهاد أو الإصابات في وقت مبكر من الحياة في بعض حالات تعاطي المخدرات تؤثر أيضاً على قدرة الدماغ على الشعور بالمتعة.
هل هو مرض أم أعراض فقط؟
لو عدنا إلى يوشوا غارفيلد، سنجده يقول إن هذه الظاهرة تعد في العموم أعراضاً، وليست مرضاً رئيسياً.
وبعبارة أخرى، فإن انعدام التلذذ هو ما قد يبحث عنه علماء النفس للمساهمة في تشخيص الحالات الأخرى، مثل الاكتئاب، والفصام، وبعض اضطرابات الشخصية، واضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات استخدام المواد.
كما أنه عادةً ما يتم علاجه وفقاً للمرض الأساسي، ولا يتم علاجه كمرض في حدٍّ ذاته؛ فإذا اعتبر الاكتئاب هو السبب، قد يوصي الطبيب بعلاج شخصي، وأدوية، أو في الحالات القصوى العلاج بالصدمات الكهربائية.
ومع ذلك، يمكن أن يكون الأمر معقداً. وفقاً للباحث، فإن الوراثة أو الإجهاد في الحياة المبكرة قد تجعل بعض الناس أكثر عرضة للإصابة بالظروف المرتبطة بانعدام التلذذ.
هناك أدلة جيدة إلى حدٍّ كبير على أن الاستخدام المتكرر للمواد المسببة للإدمان يؤدي إلى انعدام التلذذ، رغم أن المخدرات نفسها تستخدم للشعور باللذة والمتعة.
إذ يقول غارفيلد: "هناك أيضاً فرضية مفادها أن الإهمال الاجتماعي قد يسبق الإدمان ويجعل الناس أكثر عرضة للإدمان".
من الواضح، كالمعتاد، أن علم الأحياء والطب هما أمران معقَّدان للغاية، ولا يجب وضعهما في صناديق أنيقة كما يعتقد البعض.
ولكن مع وجود 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعانون من الاكتئاب، فحالات انعدام التلذذ هذه آخذة في الارتفاع بين المراهقين، وربما يجب أن يعمل العلماء بقوة أكبر للحصول على فهم أفضل "لماذا بعض الناس لا يشعرون بالمتعة؟".