"ابتعد عن الأشخاص الذين يحاولون التقليل من طموحاتك بينما الناس العظماء هم الذين يشعرونك أنك باستطاعتك أن تصبح واحداً منهم" ، انها الكلمات الأخيرة للدكتور الراحل إبراهيم الفقي عبر حسابه الخاص في موقع تويتر قبل ساعات قليلة من رحيله الى دار البقاء، لتكون بذلك آخر رسائله الى العالم.إن المتأمل لهاته الوصية القيمة ليستكشف بين ثنايا ألفاظها معاني جليلة، و رسائل ضمنية هادفة، تحمل في طياتها روح الأمل و دعوة صريحة للتمسك بالحلم مع العمل، بل و التشبث بالطموحات حتى تلك التي أدرجها البعض في قائمة المستحيلات و اعتبروها من غير الممكنات، فمهما اشتد الحال و سخر الأعداء و تعددت الحواجز و المعيقات ، يظل الإصرار أساس النجاح، و الايجابية مفتاح الفلاح، و ما على الإنسان سوى الأخذ بالأسباب لتجاوز كل المعيقات بل و احتلال الصدارة بجدارة. نادراً ما نجد أشخاصا مؤثرين حَوَّلوا مسار حياة الكثيرين ، فرسموا البسمة على شفاه من أثقلتهم النكبة، و بثوا السعادة في أرواح الفت الحزن و الشقاء فجعلتهما عادة، بل وغيروا ملامح المستقبل المظلم القاتم الى آخر منير بوهج الإرادة و التحدي، فكانوا بذلك خير قدوة يحتذى بها .من ضمن هاته الأسماء نجد اسم الدكتور الراحل إبراهيم الفقي، تلك الشخصية المفعمة بالايجابية، المشحونة بالأمل بطريقة استثنائية، حتى انها لا تكاد تكون عادية كيف لا و هو من رواد التنمية البشرية. فملامحه تحيل الى معاني الإنسانية ، و كلماته تحفز النفس البشرية، و عباراته تروي الروح العليلة لتنفض عنها غبار الأسى وتحررها من قيود الفشل، بل و تداوي جراح السقوط ببلسم القوة والنهوض لتحقيق نجاح محتم موعود .أثناء قراءتي احد كتبه او الاستماع لإحدى محاضراته لا يسعني سوى التساؤل : أي قدرة جاد بها المولى على هذا الإنسان حتى تأثر به الآلاف؟ فهو من قام بتدريب أكثر من 600 ألف شخص في مصر والعالم، ما السر يا ترى وراء تلك الابتسامة اللطيفة التي لا تكاد تغيب؟ و من أين له بتلك الايجابية المعدية التي لا تنضب أبداً؟ ثم كيف لشخص أن يلامس جراح الكثيرين، فيجد لاكبر العلل في الوجود علاجا كفيل؟ وما هي الوصفة السحرية التي اعتمدها لرسم البسمة و اعادة البهجة ؟ و انت تقرأ لصانع النجاح الدكتور إبراهيم ، ينتابك شعور فريد لا مثيل له، فتبتسم لاشعوريا، لتنعم بسكينة و هدوء غير معهود، و كأنك تشحن بطاقة عجيبة تدفعك لرؤية الحياة من زاوية أخرى، لتبدأ تدريجيا في ترتيب أولوياتك وتحديد أهدافك الواحد تلو الاخر ثم الانطلاق في تحقيقها متجاوزا بذلك كل المعيقات و منتصرا على العقبات التي حالت في ما مضى بينك و بينها.روى في مذكراته أحد المواقف التي تعرض لها في كندا قائلا: " ذهبت إلى كندا، نصحني كل من قابلني بأن أعود إلى بلدي لأنه ليس هناك أي عمل متاح في كندا، وأنهم لم يتمكنوا بعد سنوات، من تأسيس عمل وحياة مستقرة في هذه الدولة، لم أتأثر ولم أهتم كثيرا بأقوالهم، وقضيت 48 ساعة في البحث عن الوظائف حتى حصلت على عرضي عمل، كان أفضلهما غاسل أطباق في أحد المطاعم، قبلت بالعمل وبعد 8 سنوات من الكد والكفاح، أصبحت مديرا عاما لأحد الفنادق، وبعد ذلك أصبحت مديرا عاما لمجموعة من أكبر فنادق الخمس نجوم بكندا". ليقدم بتجربته هاته درسا قيما في الإرادة و الصبر و المثابرة حتى بلوغ المبتغى ، فلا الأقوال تضعف الطموح و لا السخرية تحبط الخطى ولا الصعوبات تعيق المسار نحو القمة. تجد النفس حبورها في ظل كتاباته القيمة؛ التي تلامس الروح و تعزف على وثرها الحساس أعذب الألحان، لتضخ الايجابية و السرور بشكل تلقائي انسيابي ..لقد قام بتأليف العديد من الكتب نذكر منها: المفاتيح العشرة للنجاح ، أيقظ قدراتك واصنع مستقبلك ، حياة بلا توتر، قوة الحب والتسامح، قوة التفكير، قوة التحكم في الذات، إدارة الوقت.. و غيرها الكثير من المؤلفات الخالدة التي ظلت و ستبقى مدى الدهر دروسا في التحدي و الإصرار و مجابهة الصعاب.لطالما خجلنا من الإفصاح عن أحلامنا و تطلعاتنا في الحياة، خوفا من نظرة الغير، خوفا من السخرية و الاستهزاء، أحلام ظلت حبيسة المذكرات حتى تلاشت بين الصفحات.. فأمل مكتوب خير من الم مكبوت، غير أن الألم يكون أقوى كلما بادر احدهم لتحقيقها و انت موضع المتفرج الذي يصفق لانجازات غيره تارة و تارة أخرى يندب سوء حظه التعيس .. روى الدكتور إبراهيم موقفا حدث له عندما كان صغيرا، فقد سألته المعلمة أمام التلاميذ: ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ فأجابها أنه يريد أن يصبح مديرا عاما، حينها ضحت وطلبت منه أن يظل واقفا ثم التفتت إلى بقية التلاميذ، وقالت لهم "انظروا هذا الأبله الذي يتمنى أن يصبح مديرا عاما". لصوص الأحلام كثر و أعداء النجاح لا يكادون يحصون بعدد فما على المرء سوى التجاهل و إتمام الطريق بقوة و عزيمة أبية تقهر المستحيل و تتجاوز كل صعب عسير.انه رائد التنمية البشرية وصانع النجاح ، من علمني أن الأحلام مهما بلغت صعوبتها تظل ممكنة لا مستحيلة ، فالأمر يتعلق بمدى تكامل الإرادة مع العمل الى جانب الإصرار و تجاهل لصوص الأحلام ، انه ملهمي من جعل الايجابية ظلي و التحدي خصمي و الأمل عنواني .. باختصار لم أكن لأتصور حياتي دون قدوتي، دون الراحل الدكتور إبراهيم الفقي.