دعا خبراء إلى إرساء تربية جنسية شاملة في المدارس التونسية للحد من مخاطر الأمراض المنقولة جنسيا بين المراهقين. جاءت الدعوة في افتتاح “الندوة الوطنية حول التربية الجنسية الشاملة في تونس″ التي ينظمها “صندوق الأمم المتحدة للسكان” و”المعهد العربي لحقوق الإنسان” و”الجمعية التونسية للصحة الإنجابية”. وشارك في الندوة التي استمرت يومين نحو 50 من خبراء الصحة والتربية.
ولاحظ الباحث الاجتماعي سنيم بن عبدالله أن تأخر سن الزواج في تونس أدى إلى زيادة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
ولفت إلى أن إقامة علاقات جنسية في سن مبكرة ونقص المعلومات يعرّضان المراهقين إلى سلوكيات خطيرة قد تؤدي إلى الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا أو الحمل غير المرغوب فيه أو الإجهاض.
وكانت دراسة أجراها سنة 2009 “الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري” (حكومي) أظهرت أن متوسط العمر لأول علاقة جنسية في تونس هو 16.4 عاما للإناث و17.4 عاما للذكور.
ولا يستعمل 60 بالمئة من الشبان الذين لديهم علاقات جنسية خارج إطار الزواج (إناثا وذكورا) وسائل الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا، وفق الدراسة نفسها.
واعتبر المشاركون في الندوة أن “التثقيف الجنسي للشباب والمراهقين أساسي للوقاية من السلوكيات الخطيرة”، لافتين إلى أن “التثقيف الجنسي في المدارس في تونس مازال مرفوضا ويُنظر إليه كتشجيع على الجنس”.
وأكدوا على “الدور الإيجابي للتربية الجنسية للمراهقين والشباب التونسي في الوقاية من السلوكيات الخطيرة”. ولاحظوا أن “دروس التربية الجنسية في المناهج المدرسية في تونس قليلة، وعادة ما يتم تدريسها في نهاية مرحلة البلوغ، وتقتصر على تدريس الجهاز التناسلي والعوارض البيولوجية”.
وشددوا على “أهمية تكوين المراهقين والشباب في مجال الصحة الجنسية والإنجابية”، وعلى “دور الهياكل التربوية في إرساء تربية جنسية شاملة كفيلة بتكوين جيل واع”.
وسلّط تقرير سابق لقناة “فرانس 24” الضوء على انتشار ممارسة الجنس وسط التلاميذ والطلبة في تونس، وهي الظاهرة التي باتت تقلق السلطات وتدفعها باتجاه وضع حلول لها. وأشار إلى أن “الوسط المدرسي والجامعي في تونس أصبح فضاء ملائماً لممارسة الجنس ومسرحاً لعلاقات جنسية غير منظمة”.
وقال التقرير إن نتائج دراسة أنجزتها وزارة الصحة التونسية توصلت إلى أن 5 بالمئة تقريباً من الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و20 سنة في الوسطين المدرسي والجامعي لديهم علاقات جنسية وبالتحديد 83 بالمئة من الذكور و70 بالمئة من الإناث، وهذه الأرقام بحسب إدارة الطب المدرسي والجامعي أُسيء فهمها.
وأرجع الدكتور هشام الشريف المختص في علم الجنس بتونس، شيوع العلاقات الجنسية بين الشبان إلى ضعف التأثير العائلي وغياب الثقافة الجنسية عن المناهج التعليمية. وقال الشريف إن “الوسطين المدرسي والجامعي في تونس يعيشان حالة انفلات جنسي كبير ومتزايد”. ولفت إلى أن “هذا الأمر قد يضر بمستقبل التلاميذ والمدرسة والطلبة”. مطالبا “بإدراج مادة في التربية والثقافة الأسرية الجنسية وتدريسها للطلاب التونسيين”.
وأشار التقرير إلى أن السلطات التونسية، وللتقليل من هذه الظاهرة، تسعى إلى إنشاء خلايا إصغاء وإرشاد في مجال الصحة الإنجابية في الوسط الجامعي وسكن الطلاب خاصة دون ذكر تفاصيل عن مفهوم هذه الخلايا وطبيعة عملها.
كما أوضح الشريف في تصريح لـ”دي دبليو” عربية أن العلاقات الجنسية غير الزوجية تعتبر من المحظورات الأكثر انتشارا في المجتمع التونسي، مشيرا إلى أن كل الدراسات في هذا الشأن لم تنجز على عينات تمثيلية وطنية، لأن السلطة حسب اعتقاده ستنزعج من الأرقام في هذا المجال، ولن تسمح بإجراء بحث وطني على عيّنة وطنية تمثيلية، مخافة القول إن العلاقات الجنسية غير الزوجية تمثل نسبة كبيرة.
وأضاف أن العلاقات الجنسية غير الزوجية منتشرة وتشكل إحدى جوانب “الانفلات الجنسي الذي يعيشه المجتمع التونسي، ومن هنا لا بد للمجتمع التونسي والشرقي بصفة عامة أن يعي أهمية الثقافة والتربية الجنسية للشباب، وللمقبلين على الزواج وحتى للمتزوجين”. وتابع الشريف قائلا “ما ينبغي معرفته حول مفعول التربية الجنسية هو أن كل الدراسات تبيّن أنها تدفع الشباب إلى تأخير بداية نشاطهم الجنسي، وأنها على عكس الأفلام الإباحية لا تعمل على إثارة الشباب جنسيا. فهي تعلم الشباب تجنب خطري المرض والحمل (غير المرغوب فيه) كما تسعى إلى تنشئة فرد سليم جنسيا في مجتمع سليم جنسيا”.
ونبّه إلى أنه لا مجال للربط بين الحرية الجنسية وبين الأمراض الاجتماعية (مثل الدعارة) أو الأمراض المنقولة جنسيّا، حيث أن هذه الظواهر السلبية لا يمكن أن تحجب الترابط الرائع بين التربية الجنسية وانخفاض نسبة الأمراض المنقولة جنسيّا وانخفاض نسبة الحمل غير المرغوب فيه.
وأشار إلى أن المجتمعات التي لا تزال ترفض التربية الجنسية وتسجن الجنس في الزواج وفي الغيرية، تشهد هناك عملا جنسيّا كثيفا، وهناك نسب أعلى من الأمراض المنقولة جنسيا ومن الحمل غير المرغوب فيه.
وطالب الشريف بالاعتراف بحق التونسي في تربية مبنية على أسس وثقافة جنسية سليمة بعيدا عن الأفكار النمطية والتي تعتبر أن التربية الجنسية منافية للأخلاق بشكل مطلق، مؤكدا أنها تحمل أخلاقا خاصة، مغايرة وجديدة، تقطع بشكل جذري مع السلطوية الذكورية.
وشدّد علماء اجتماع على أهمية الحوار داخل المنزل والمدرسة لفهم الحياة الجنسية قبل البلوغ، نظرا لأن تدريس الثقافة الجنسية للأولاد والبنات في المدارس أفضل من فهمها عن طريق الشارع.
وأكدوا أن محتويات مادة التربية الجنسية لا تحرض على الفساد، بل تهدف إلى توعية الشباب حول التغيّرات الهرمونية التي تحصل عند البلوغ، إلى جانب توعيتهم بالأمراض الجنسية المعدية.