لا تزال القصة الجنس الأدبي الأكثر اهتماما بظاهرة المهمشين و طبقة الفقراء و المحتاجين فهي عينات حرمت من أبسط الحقوق في هذه الحياة و لا تزال تبحث عن من يسمع صرخاتها، و حتى الرواية هي الأخرى انحازت لهذه الظاهرة و أكبر مثال نذكره في هذا المقام رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل حيث تناولت حياة فلاحة فقيرة هذه التي يتم تزويجها لحسن، و لكنها لم تقتنع بهذا الإرتباط المقدس، فقد أحبت شخصا آخر يدعى ابراهيم الذي يسافر هو الآخر لأداء الخدمة العسكرية. كما تتطرق الرواية لشخصية حامد الذي أحب ابنة عمه عزيزة لكنه لم يظفر بها، كما لن يظفر بزينب هي
الأخرى كما أن محمد حسين هيكل يركز عموما على وصف حياة الفلاح، تلك الحياة الرتيبة القاسية، تعب كبير و عياء ظاهر و أكل بسيط و عدد متزايد لأفراد الأسرة التي تعيش تحت سقف بسيط و الكل يخفي حوله نظراته الخفية علامة الرضا و القناعة دون أي رفض لمرارة الواقع أو محاولة للتغيير.
كما يعتبر الأديب الراحل خيري شلبي "أمير المهمشين" يإمتياز من خلال جملة أعماله الخالدة كرواية "وكالة عطية" حيث عايش وانغمس مع بسطاء الناس المكتوين بالفقر، عرفهم وسمع أنّاتهم وخبر مواجعهم، لمس ثقافتهم وموروثهم وطبيعة عقلهم الجمعي سواء فى القرية المصرية وطبقاتها المتعددة بداية من المعدمة حتى علية القوم وأصحاب الأرض والتجارة، وفى المدينة عرف مناطقها الشعبية والعشوائية وجوانبها الخفية المجهولة أيضا.
و من الأسماء النسائية البارزة على الساحة الأدبية اليوم نذكر الأديبة سلوى بكر التي لا يمكن المرور عبر كتاباتها المتميزة مرور الكرام خصوصا حينما نتحدث عن "المهمشين"، بل تحرك شغف القارئ من خلال تلك التفاصيل الصغيرة التي ترسخ في الذاكرة و كأنها تحمل كاميرا لتصوير فيلم سينمائي يركز على المشاهد العامة ثم ينطلق خطوة تلوى الأخرى لحصر موضوع اللقطة و التركيز على أبعادها المرتقبة.
من خلال العديد من المقابلات ذكرت الأديبة سلوى بكر أن التعليم في فترة طفولتها وصباها ومراهقتها كان يشجع على القراءة، فحصة المكتبة تحتل أهمية قصوى في ترتيب الأولويات، خاصة أن ذلك الزمن كان يخلو من وسائل الإلهاء الأخرى كالإنترنت والتلفزيون والفضائيات المتكاثرة بجنون مثلما الأمر اليوم، وكانت الكتب تباع بأسعار زهيدة للغاية، وتتولى الدولة مشروعات طموحة لنشرها، فهي بدأت مشوارها الأدبي من بلدها الحبيب مصر سنة 1986 بمجموعتين قصصيتين و هما "زينات في جنازة الرئيس" و "مقام عطية".
سلوى بكر، المولودة سنة 1949، تنحدر من أسرة متواضعة في أحد ضواحي القاهرة، إذ كان والدها يعمل في السكك الحديدية. درست سلوى إدارة الأعمال ثم علوم المسرح في جامعة عين شمس، وبعد تخرجها من الجامعة عملت في البداية ناقدة للأفلام والمسرحيات، قبل أن تدخل غمار الكتابة في العديد من الأجناس الأدبية كالقصة القصيرة و القصص الطويلة و الرواية و المقالة و كذا المسرحية و نذكر هنا على سبيل المثال رواية "العربة الذهبية لا تصعد الى السماء" (1991)، قصص "عجين الفلاحة" (1992)، رواية "وصف البلبل" (1993)، رواية "أرانب" (1994)، قصص "إيقاعات متعاكسة" (1996)، رواية "ليل و نهار"
(1997)، قصص "نونا الشعنونة" (1999)، رواية "البشموري" (2002)، مسرحية "حلم السنين" (2002)...
إن عالم سلوى بكر القصصي و الروائي زاخر بالتنويع على السرد و البناء بين ما هو إجتماعي فيما يخص الشخصيات التي تكاد أن تكون إجمالا من الطبقة الشعبية المعدمة أو شبه معدمة، كما أن معظم بطلاتها من النساء المكابدات لضنك العيش و جور الرجال و هذا ما يجعلها تلتقي في نقاط عديدة مع الأديبة المثيرة للجدل نوال السعداوي فهي التي لا تزال تدافع الى يومنا هذا عن حقوق النساء أمام التسلط و العنف الذكوري من وجهة نظرها و هذا ما يبرز من خلال كتاباتها عموما مما دفع النقاد لإتهامها بالتعصب المتطرف لجنسها على غرار الكاتبة سلوى بكر التي عرفت كيف تنسج
خيوطها القصصية و الروائية بذكاء و إتقان كي ترسم لنا ملامح نسائية تعيش معاناة الظروف اليومية المتردية مع الرجال و هذا ما أهلها لتصبح صوتا لأحلام البسطاء و آمال المهمشين.