(1)
ما أَثـــــــــــــــــار شهيتي لهذ البحث هو آيــات كريمة من سورة الكهف ، تتحدث عن الرجل الصالح ، ذي القرنين :
))إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)) .
فلقد طلبــوا منه أن يقيم لهم سَـدَّاً ، فلبَّـى طلبهم وأنشـأ لهم ردمـــــــــاً، فهـل لبَّــى طموحهم ، أم حقق لهم ما هو أكبر من هذا الطموح ، الرَّدْم ؟
وبالتالي فهل الردم أقوى وأشدّ مقاومــة ًمن السدِّ الذي طلبوه ؟ وكيف؟
سنغوص في رحلة جذوريّــة بين الجذرين :
السد ، من الثلاثي ( س د د ) ، قال فيه ابن منظور رحمه الله تعالى :
السَّدُّ : إِغلاق الخَلَلِ ورَدْمُ الثَّلْمِ . سَدَّه يَسُدُّه سَدّاً فانسدّ واستدّ وسدّده : أَصلحــــه وأَوثقه ، والاسم السُّدُّ . ( بضم السين المشددة )، ولم يفرّق بين السدِّ والردم .
وحكى الزجاج : ما كان مسدوداً خِلقه، فهو سُدٌّ (بضمّ السين) ، وما كان من عمل الناس، فهو سَدٌّ بالفتح ، وعلى ذلك وُجِّهت قراءَة من قرأَ بين السُّدَّيْنِ والسَّدَّيْن. وقال في التهذيب: السَّدُّ مصدر قولك سَدَدْتُ الشيء سَدّاً.
والسَّدُّ والسُّدّ: الجبل والحاجز.
وقرئ قوله تعالى : (( حتى إِذا بلغ بين السّدَّين )) ، بالفتح والضم.
وروي عن أَبي عبيدة أَنه قال: بين السُّدّين، مضموم، إِذا جعلوه مخلوقاً من فعل الله، وإِن كان من فعل الآدميين، فهو سَد ، بالفتح .
وقرأَ ابن كثير وأَبو عمرو: بين السَّدَّين وبينهم سَدّاً، بفتح السين.
وقرأَ في يس : من بين أَيديهم سدّاً ومن خلفهم سُدّاً، يضم السين، وقرأَ نافع وابن عامر وأَبو بكر عن عاصم ويعقوب، بضم السين، في اَربعة المواضع، وقرأَ حمزة والكسائي بين السُّدَّين، بضم السين. وقال غيره: ضم السين وفتحها، سـواء السَّدُّ والسُّدُّ ؛ وكذلك قوله تعالى : (( وجعلنا من بين أَيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً )) ، فتح السين وضمها.
وقال ابن فارس في المقاييس (ولم يُشِر للفرق بين الردم والسد أيضاً ) :
السين والدال أصل واحد، وهو يدلُّ على ردم شيء ومُلاءَمَتـــــه ، من ذلك سدَدت الثُّلمة سدَّاً.
وكلُّ حاجزٍ بين الشيئين سَدٌّ .
ومن ذلك السَّديد، ذُو السَّداد، أي الاستقامة ؛ كأنّه لا ثُلْمة فيه.
والصَّواب أيضاً سَداد . يقال قلتُ سَدَاداً. وسَدَّدَهُ الله عزَّ وجلَّ.
ويقال أسَدَّ الرجلُ، إذا قال السَّداد .
ومن الباب : "فيه سِدادٌ من عَوَز" بالكسرة.
وكذلك سِداد الثُّلمة والثَّغـر . قال:
أضاعُوني وأيَّ فتىً أضاعُوا *** ليومِ كريهــــــــةٍ وسِدَادِ ثغـرِ
والسُّدَّة كالفِناء حول البيت.
واستدَّ الشيء، إذا كان ذا سَداد.
ويقال: السُّدَّة الباب.
وقال الشاعر:
تَرَى الوفودَ قياماً عند سُدَّتِهِ يَغْشَوْنَ بابَ مَزُورٍ غيرِ زَوَّارِ
والسُّدَاد: داءٌ يأخذ في الأنف يمنع النَّسيم.
والسَّدّ والسُّدُّ: الجراد يملأ الأفق.
وقولهم السُّدة: الباب، لأنَّه يُسَدّ، وفي الحديث في ذكر الصَّعاليك: "الشعث رؤوساً الذين لا يُفْتَحُ لهم السُّدَد".
أما الردم ، الجذر الثلاثي ، فقد قال فيه ابن منظور ، في لسان العرب ، وألمح إلى الفرق بينه وبين السد :
الرَّدْمُ: سَدُّكَ باباً كلّه أو ثُلْمَةً أو مدخلاً أو نحو ذلك. يقال: رَدَمَ البابَ والثُّلْمَةَ ونحوَهما يَرْدِمُهُ، بالكسر، رَدْماً سدَّه، وقيل: الرَّدْم أكثر من السَّدّ، لأن الرَّدْمَ ما جعل بعضه على بعض، والاسم الرَّدْمُ وجمعه رُدُومٌ.
والرَّدْمُ السَّدُّ الذي بيننا وبين يَأْجوج ومَأْجوج.
وفي التنزيل العزيز: أَجْعَلْ بينكم وبينهم رَدْماً.
وفي الحديث: فُتِح اليومَ من رَدْمِ يأْجوج ومأْجوج مثلُ هذه، وعَقَدَ بيده تسعين، من رَدَمْتُ الثُّلْمَة رَدْماً إذا سَددتها، والاسم والمصدر سواء؛ الرَّدْمُ وعَقْدُ التسعين: من مُواضَعات الحُسّاب، وهو أن يجعل رأس الإصبع السَّبابة في أصل الإبهام ويضمها حتى لا يَبين بينهما إلا خَلَلٌ يسير.
والرَّدْمُ ما يسقط من الجدار إذا انهدم.
وكل ما لُفِقَ بعضُه ببعض فقد رُدِمَ.
والرَّدِيمةُ ثوبان يخاط بعضهما ببعض نحو اللِّفاق وهي الرُّدُومُ، على توهم طرح الهاء.
والرَّدِيمُ: الثوب الخَلَقُ.
وثوب رَدِيمٌ: خَلَقٌ، وثياب رُدُمٌ؛ قال ساعدة الهذلي: يُذْرِينَ دَمْعاً على الأَشْفارِ مُبْتَدِراً، يَرْفُلْنَ بعد ثِيابِ الخالِ في الرُّدُمِ ورَدَمْتُ الثوب ورَدَّمْتُه تَرْدِيماً، وهو ثوب رَديمٌ ومُرَدَّمٌ أي مرقع.
وتَرَدَّمَ الثوبُ أي أَخْلَقَ واسْتَرْقَعَ فهو مُتَرَدِّمٌ.
والمُتَرَدَّمُ الموضع الذي يُرَقَّعُ.
ويقال: تَرَدَّمَ الرجلُ ثوبه أي رقعه، يتعدى ولا يتعدى. ابن سيده: ثوب مُرَدَّمٌ ومُرْتَدَمٌ ومُتَرَدَّمٌ ومُلَدَّمٌ خَلَقٌ مُرَقَّعٌ؛ قال عنترة: هل غادَرَ الشُّعَراءُ من مُتَرَدَّمِ، أم هل عَرَفْتَ الدارَ بعد تَوَهُّمِ؟ معناه أي مُسْتَصْلَحٍ؛ وقال ابن سيده: أي من كلام يَلْصَقُ بعضُه ببعض ويُلَبَّق أي قد سبقونا إلى القول فلم يَدَعُوا مقالاً لقائل.
ويقال: صِرتُ بعد الوَشْي والخَزِّ في رُدُمٍ، وهي الخُلْقان، بالدال غير معجمة. ابن الأعرابي: الأَرْدَمُ المَلاَّحُ، والجمع الأَرْدمون؛ وأنشد في صفة ناقة: وتَهْفُو بهادٍ لها مَيْلَعٍ، كما أقحَمَ القادِسَ الأرْدَمُونا المَيْلَعُ: المضطرب هكذا وهكذا، والمَيْلَعُ: الخفيف.
وتَرَدَّمَتِ الناقةُ: عطفت على ولدها.
والرَّدِيمُ: لَقَب رجل من فُرْسان العرب، سُمِّي بذلك لعظم خَلقِه، وكان إذا وقف مَوْقِفاً رَدَمَهُ فلم يجاوز.
ونتابع في الأسبوع المقبل ان شاء الله تعالى .