خطَوتُ بين الصفوف وأنا أشعر أن الجميع ينظر إليَّ، الميدان ممتلئ عن آخره بالمحتفلين بالذكرى المائة والخمسين على إنشاء كندا.
أمضيت زهاء نصف الساعة في الصباح أضبط ذلك القماش السميك المنقوش بورقة القيقب الحمراء حول رأسي، الورقة الحمراء التي تشبه ورقة العنب، والتي تتوسط عَلَم كندا.
وسط الميدان وجدت اثنين من أصدقائي يبحثان عني، ارتديا القماش نفسه كغطاء للرأس.. بعد عشر دقائق أصبحنا عشر نساء ومعنا أطفالنا وبعض الرجال.. اقتربَ منا بعض المارة وأبدَوا إعجابهم، وطلب أحدهم أن يلتقط لنا صورة، وافقنا مبتسمات.
في المساء خرجنا نشاهد الألعاب النارية التي انطلقت في أرجاء المدينة، شعرت بيد على كتفي وصوت امرأة يقول: أعجبني حجابك! هنا فقط شعرت أن رسالتي وصلت.
لكن.. لماذا هذا العام قررت ارتداء رمز كندا؟
منذ بضعة أشهر تصاعدت وتيرة أفعال وأقوال مناهضة للإسلام والمسلمين، وجاء حادث مقتل 6 من المصلين في مسجد بمقاطعة كيبيك داخل مسجدهم يناير/كانون الثاني الماضي، في حادثة هزت كندا بأسرها، لكنها فيما يبدو كشفت الغطاء عما يعتمل في الصدور.. قبلها ظهرت على الساحة منظمة تقود تظاهرات في كل أنحاء كندا تندد بالإسلام وتدعو الكنديين إلى إخراج المسلمين من كندا.. هنا بات ظاهراً أن المجتمع الكندي الذي كان مسالماً قد بدأ يتغير، وأنه يجب على كل منا أن يفعل قدر جهده لتغيير النظرة التي زرعها الإعلام العالمي عن المسلمين والإسلام.
فكرت كثيراً فيما يمكنني بصفتي امرأة مسلمة أن أفعله.. بعيداً عن المنظمات الإسلامية التي على ما يبدو أخفقت في انتهاج أساليب غير تقليدية لتغيير هذه النظرة، وقفزت فكرة قديمة، أسرَّها لي زوجي منذ بضع سنوات إلى رأسي، قال لي: لماذا لا ترتدي المسلمات حجاباً بلون العلم الكندي، كما يرتدي الجميع ملابس وشعارات بألوان العلم؟ وقتها لم أستسِغ الفكرة، لكن على ضوء المتغيرات التي طرأت على الواقع من حولي، قررت أن أنفذها مع بعض التعديلات، قررت أن أرتدي غطاء رأس يحمل شعار كندا، وليس علمها.
حادثت صديقة غير مسلمة، استوطنت عائلتها كندا منذ زمن بعيد، فاستحسنت الفكرة، أخبرت ابنتي برغبتي فانضمت إليَّ، ولما كتبت الفكرة على حسابي في صفحة التواصل الاجتماعي، فوجئت بالكثيرات يُردن تنفيذها.
بحثت عن القماش وسعر التكلفة ولما وافق الجميع عليه، اشتريت منه ما يكفي لعمل زهاء أربعين قطعة، وحملته إلى سيدة قامت بقصه وإعداده ثم جاءت مرحلة التوزيع، كان الموضوع مرهقاً بعض الشيء لكن في النهاية.. ذهبت القطع إلى صاحباتها. أرسلت الكثيرات منهن إليّ بعد انقضاء اليوم صورهن، وسعادتهن من ردة الفعل الإيجابية للناس.. وكان أكثر ما أسعدني هو صديقتي غير المسلمة التي أصرَّت على شراء قطعة لها وبعثت إليّ بصورتها ورأسها ملفوف به! كنت أريد إيصال رسالة مفادها أننا جزءٌ من هذا المجتمع المتعدد الثقافات.
كان في ذهني دوماً الكلمات التي تتردد في التظاهرات المعادية لنا "عودوا إلى موطنكم"، فأردتُ أن أجيب بلا ضجة: هنا موطني.