تختزل الحياة اليومية الكثير من الإكراهات و الواقع غني بالظواهر الشاذة التي لا تحتاج لذكرى أو يوم للحديث عنها ثم طيها في درج النسيان . فما معنى أن نفرق في التربية بين البنت و الولد بالرغم أنه لكل منهما دوره المهم ،إن لم نقل أن للأنثى الدور الأهم في خلق التوازن !! كيف نُخرج للمجتمع أنثى مهزوزة، ومن ثم نحاسبها ؟.
في ثقافتنا حمولة من الرؤى غير العادلة والتي يتم بموجبها التمييز بين الذكر و الأنثى. وهذا يؤدي إلى تبخيس حق الأنثى، في حين يتم تضخيم دور الذكر، حتى أضحينا مجتمعات تخضع للهيمنة الذكورية وتمنع الأنثى في المقابل من التمتع بحقوقها ومصادرة إنسانيتها. فهي في نظر هذا المجتمع الخاضع لسلطة الرجل أو بالأحرى الذكر كائن ضعيف ويتم (شيطنة) الأنثى باستمرار. و عليه يتم تشكيلها وفق رؤيته هو، وغالبا ما يتم اللجوء إلى العنف لإخضاعها وردعها . فالعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية تؤطر ثقافة العنف و تقدم لها تبريرات وتوفر لها مرجعية ومشروعية كبيرتين.
فللتربية دور كبير في تعميق هذه الهوة السحيقة بين الذكر و الأنثى وإخضاع الأخيرة لسلطته و هنا يأتي دور بعض الأمهات /المربيات اللاتي تعملن على ترسيخ مثل هذه المعتقدات التي تُخرق السير الطبيعي لنمو المودة داخل الأسرة الواحدة. ويظل الطفل/الولد على الدوام بطلا مهما أتى من رذيلة. وعلى النقيض يُشار إلى الأنثى/الطفلة حسب المثل المغربي الشائع بأنها " عشبة الذل" ، إذ هي حسب هذه النظرة المنغلقة على ذاتها سبب المشاكل أو جزء منها على الأقل، فقليلا ما تُنصف الأنثى من طرف الآخر و الذي تسري في عمقه نظرة دونية لها.
فلا يخفى أن البيوت المغربية تنغلق على الكثير من الأسرار التي تحمل العار للأنثى متى ما أقدمت على فعل خاطئ - أيا كان نوعه - بينما تصفق للذكر حتى و إن كان مشاركا لها في الفعل مساعدا لها على ذلك" كيبقى راجل" و كأن هذه الصفة تعصمه عن الإدانة.
إن الحديث في هذا الموضوع لازال يسيل الكثير من المداد و يُترجم عبر الكثير من البرامج التحسيسية. والحقيقة التي لا مناص منها أنه برغم كل المجهودات المبذولة فموضوع التعنيف يحظى بنصيب الأسد من المشاكل الاجتماعية التي يغرق في وحلها مجتمعنا، سيما إذا ما اعتبرنا أن العنف سلوك موجه ضد المرأة يتسم بالعدوانية و يتسبب في إحداث أضرار تعصف بإنسانيتها.
الأرقام الرسمية المصرح بها حول العنف الممارس ضد المرأة تشير إلى ستة ملايين امرأة معنفة سنويا لكن الأكيد أن هذه الأرقام تبقى بعيدة عن واقع يظل طي الكتمان ولا يملك الشجاعة لأن يخرج للوجود، حيث يمارس عليه نوع من التخويف من ردود الفعل التي قد تثيرها المجاهرة بالحقيقة. فعقدة الخوف هذه تجعلنا بعيدين عن الأرقام الحقيقية لواقع المرأة المرير و بالتالي يجعلنا نطرح سؤالا حول مدى فاعلية بعض المبادرات لحماية النساء المعنفات ،أو ماذا قدمت لهن كنساء حاولن التعبير عن استيائهن مم يعانين منه و يعشن تحت وطأته؟
علَّ هذا الصمت الذي لا يرقى إلى المجاهرة بحقيقة بعض الخروقات الواقعة على المرأة – أيا كانت مسبباتها – تجعلنا نعيد النظر في مدى نجاعة هذه المؤسسات أو مدى محدوديتها في الإحاطة بواقع حال المعنفة. فبرغم كل الشعارات التي تحملها المؤسسات المناهضة للعنف ضد المرأة، لازالت هذه الأخيرة تعاني في صمت و بتواطؤ من مجتمعها. لازالت الأنثى تعنف في الأسرة سواء كانت زوجة/أخت / ابنة ، ولا زالت برغم كل البرامج التحسيسية تعاني التحرش في الشارع كما في العمل.
ثم إن ما نراه، وما قد نرصده من أحداث في واقعنا، ليس إلا يسيرا مما قد تعيشه امرأة في بيئة لازالت تعتبرها ناقصة عقل و دين – في إطار نظرة ضيقة و تفسير خاطئ لبعض النصوص الدينية – نظرة لا تخدم السير الحقيقي لمجتمع ناجح يحترم أنثاه و يقدم لها يد العون ..
والحقيقة أن المرأة أيضا تتحمل جزءا من المسؤولية فيما تتكبدها من معاناة وتهميش، ولعل أهم موزر يمكن ذكره هنا هو سكوتها ورضاها بواقعها المحبط وصمتها عما يلحق بها من أذى كأنه قضاء مبرم لا فرار منه. كما أن تواطأها ضد أختها الأنثى فيه الكثير من الخذلان، وليس غريبا أن تقف المرأة ضد أختها المرأة وتلوك سيرتها في مختلف المجالس قدحا وتنقيصا. حتى غدت تتربص بها وتريمها بسهام نقدها، وتنصب لها محاكم تفتيش، ولا تتوانى عن رجمها متى استطاعت لذلك سبيلا. إنه نزوع خطير نحو إشعارها بدونيتها وبجريرتها الملتصقة بها منذ الأبد. فأي لعنة هذه التي تصيب المرأة من طرف المرأة نفسها في مجتمعنا؟ فحري بنا إذن أن نعيد النظر في بعض المفاهيم المهترئة التي لازلنا نعيش بها ونتعايش معها.
فكلما غيرنا نظرتنا لذواتنا على اعتبار إنساني محظ سنخدم القيم النبيلة و ننهض بالمجتمع، من غير أن نستند على نظرة محدودة قائمة على معايير الجنس حيث للرجل الأفضلية ،أما المرأة فمهما بدا تفوقها لا بد و أن يعود في أساسه للآخر الذي أتاح لها الفرصة. و في هذا نوع من التبخيس لأي مجهود مبذول من طرف النساء.
علينا إذن أن نعيد النظر في مجموعة من القيم والموروثات المختلفة التي أضحت عادات تُسير الواقع و تخنق تعاملاتنا. وعلينا أن ندرك بالتالي أن العنف ضد المرأة هو عنف ضد المجتمع. وأنها _أي المرأة _ هي صاحبة حق. فبالتوعية سواء كان ذلك في المجتمع الأنثوي أو في المجتمع العام، يمكن الحصول على نتائج باهرة، لكسب الرهان على تغيير العقلية والرؤية العامة تجاه المرأة، لتصبح إنسانا ذا كيان مستقل، وذا اعتبار ثابت حيث ستساهم لا ريب بالدفع بالمجتمع نحو الأمام وأداء رسالتها السامية المنوطة بها.