لا أدري لماذا أخذت تبتعد عني، تجفوني بلا مبرر، اهتمامك بي يتلاشى يوماً بعد الآخر، تكلمني بِجُمل قصيرة وأسئلة مقتضبة، وإن حدثتك بشيء كنت غير آبِهٍ بما أقول، وكأنك لا تسمعني ولا تكاد تراني.. فكرت كثيراً، وبحثت أكثر ولكن لم أستطع إيجاد سبب يقف وراء ما يجري.
شاشة صغيرة، أو ما يسمونها الذكية، لا تفارق يديك واهتمامك، أخالها فتنتك، وحازت قلبك وعقلك بالكامل، هي الحبيبة والرفيقة! فإن لم تكن هي، فالفضائيات التي لا تتوقف عن بث مصائبها، أو شلة الأصدقاء الذين يستولون على سهراتك ووقتك واهتمامك.. إلى أن جاء الطلاق في نهاية الأمر، بعد 22 عاماً من الزواج هي عمر ابنتي الأولى التي أصبحت على وشك أن تغدو زوجة هي الأخرى.
واجهتني بها: أنتِ طالق.. طالق.. طالق. صرختَ لي بها بصمت، دون أن يتحرك لك لسان، سلوكياتك وجفاؤك نطق بها وأثبتها.. طلاق لم تثبِّته في المحكمة، ولم يُصدر به القاضي أي ورقة.
أتكون قد مللت مني بعد هذه السنوات الطِوال؟! أتكون الحياة معي قد أصبحت في نظرك بلا طعم أم معنى؟ أم أنني لم أعد جذابة محبَّبة إلى قلبك كالسابق؟ هل مال قلبك إلى أخرى؛ لتثبت لنفسك أنك ما زلت تستطيع استمالة قلب أنثى شابة، وأنك قادر على تلبية احتياجات زوجة جديدة؟
آهٍ منك يا زوجي الحبيب! لقد أوجعت قلبي، ألا تعلم كم يرتبط عقلي وقلبي بك؟ فأنا لا أتصور حياتي من دونك، بعد هذه العِشرة الطويلة، والأبناء الأربعة الرائعين كالورود، الحالمين بمستقبل مشرق يضج بآمالٍ وطموحاتٍ كبيرة.
ولكن، ماذا دهاك الآن؟! 22 عاماً قضيتها برفقتك أسعى وراء كل ما يرضيك، هدفي إدخال السرور إلى قلبك، أوفِّر لك الراحة على حسابي أنا.. لا أردَّ لك طلباً ولا أخالف لك أمراً.. فماذا دهاك؟! لماذا هذا الفتور القاتل تجاهي؟!
حاولت بطرق شتى أن أغير من هذا الواقع الباهت الذي لا طعم له والذي استجدَّ على حياتي وإياك منذ سنتين تقريباً، ولكن دون جدوى، خاصة أنني أدرك تماماً كم أنت عنيد، ومصمم على رأيك! فما إن أفتح الموضوع معك، حتى يستبدَّ بك الغضب، وترفض الحديث بحجة أنك غير مقصِّر في أيٍ من أدوارك ومسؤولياتك، وتتهمني بأن المشكلة تكمن فيَّ أنا، وفي تركيزي الاهتمام عليك أنت دون من سواك، فأُشعِرك وكأنك أسير حرب محتجز داخل زنزانة صغيرة، وترجوني أن أترك متنفساً صغيراً، بعيداً عن سيطرتي وتدخلاتي وثرثرتي.
وعندما يأخذ الحديث بيننا هذا المنحى أؤثر الصمت، وأختار السكوت طواعية، وأعتكف داخل نفسي، أقلب ثياب اليأس عساني أجد أحدها يليق بي فأرتديه، عله يدخل الأنس إلى قلبي ويسليني.
يزعجني جداً القلق الذي أخذت أشاهده في عيون أبنائي، وخوفهم من أن تتقوض أركان بيتنا الذي كان دائماً مصدراً للدفء والأمان في مراحل حياتهم السابقة. ويستغربون: ماذا استجد الآن ليتبدل حالنا بهذه الطريقة؟! أحاول دائماً إدخال الطمأنينة إلى نفوسهم، إلا أنهم يرون بأعينهم ما يناقض أقوالي، فأجد كلاً منهم يلوذ بغرفته يخبِّئ مخاوفه ويحاول إظهار وجه بشوش وابتسامة مشرقة.
الخلافات الزوجية في بعض الأحيان ليست شيئاً مستجداً على حياتنا، والتي كان يعقبها فترات من الصمت بيننا، ولكن فترات الصمت تلك لم تكن لتطول عادة، لتصبح نمطاً يومياً للحياة، وسلوكاً دائماً. ولهذا أعجب: لماذا الصمت الطويل والجفاء الآن؟
رغم تلاشي اهتمامك بي، فإنك ما زلت تؤكد لي حبك عندما ألومك على سوء حالنا، وأنا أحسب إظهار اهتمام كل من الزوجين للآخر، ومراعاته مشاعره، أهم من الحب المحتجز والمقيد داخل الصدور.. وأنا قد مللت -يا زوجي العزيز- استجداء الاهتمام منك.
أتذكَّر صورةً رأيتها ذات مرة، أعجبتني جداً، ولا أعتقد أنني سأنساها ما حييت: عجوز يستلقي فوق الفراش إلى جانب عجوزه المريضة، يلتصق بها كطفل يبحث عن الدفء والطمأنينة، ويبدو في ملامح وجهه القلق والخوف عليها.. أتدري؟ حسدتها حينذاك.. فإلى جانبها قلب ينبض بحبها، ويخاف عليها، ويخشى من أن تغادر الحياة وتتركه وحيداً دون أنيس.
أرجوك يا زوجي الحبيب، أنا لا أطلب المستحيل، إذا لم تكن أنت من يُظهر اهتمامه بي، وحبه لي، وحرصه على مشاعري، وما يرضيني، فمن يكون يا تُرى؟! أأبحث عن الاهتمام والحب والمشاعر الرقيقة خارج البيت؟! أنا لا أستطيع ذلك.. فأنت وبيتي وأبنائي اهتمامي وحياتي التي أبذل نفسي للمحافظة عليها وعلى بقائها متماسكة ناجحة.
أرجوك.. لا تتركني فريسة سهلة للمشاعر السلبية، وللحزن ليسطر على نفسي.. فأنا ما زلت زوجتك المحبة لك.
إهداء إلى جميع الرجال الذين اختاروا أن يكون الطلاق النفسي والجفاء هما مصيرهم مع زوجاتهم.
إليك -عزيزي الزوج- أقول:
تذكَّر زوجتك بكلمة رقيقة، بوردة فوَّاحة، بهدية صغيرة، بمشوار يعيد لها شبابها، ويعيد الحياة لقلبها الذي كاد الحزن يستوطن فيه.. حتى وإن كانت تبالغ في طلب الاهتمام منك.. اعذرها؛ فهي قلقة على زوجها الذي تحبه وبيتها الذي تفديه بروحها.