لا شك أن المرأة العربية، وخصوصاً الخليجية، تعاني من الضغوطات التي تواجهها كونها تعيش تحت سلطة الرجل، سواء أكان أباً أم زوجاً أم حتى ولداً، ومحظوظة هي إذا كان الرجل في حياتها متفهماًَ وواعياً وإنسانياً.
المرأة المتحررة حتى لو كانت تهتم بالسياسة يبهرها المجتمع الغربي، فهي ترى فيه الإنقاذ والأمل والجنة التي تعطي المرأة حقوقها كاملة من دون نقصان، وفي سبيل ذلك تتناسى وتتغاضى عن كون الغرب بشكل ما يشاركون الرجل العربي المسؤولية في عدم النهوض بالمرأة ونيلها حقوقها وحريتها الشخصية. ما هي مسؤولية الغرب يا ترى؟
الغرب له دور كبير في ما يحدث للعالم العربي عن أشياء كثيرة، ومنها ما يحدث للمرأة من تهميش، وتحالفه مع الحركات الإسلامية المتطرفة، وإن كان بشكل غير مباشر، وتشجيعه بزرع البؤر الطائفية، أي هو في المحصلة ينشر الفوضى الخلاقة التي تنعكس على الأنظمة فتضعفها متانة، وهو ما ينعكس على انعدام الديموقراطية، وبالأخير يضر المرأة أكثر كونها تنال حقوقاً أكثر في مجتمع ديموقراطي.
هناك من يرى ألا مسؤولية على أميركا بالذات كونها نشأت لتاريخ لاحق للإسلام وهو ما يعتبرونه لا ينصف المرأة، وفي هذا تجنٍ واضح، فالإسلام الذي ننشده ينصف المرأة بينما المشاهد الآن هو الإسلام السياسي المتطرف الذي يريد السلطة من جهة، ويعتسف المرأة من جهة أخرى اجتماعياً وحتى سياسياً، باستخدامها لأغراضه الشخصية.
أما نفي الدور الأميركي، ففي كل دول العالم تقريباً تمرّ الأوطان بدورات من التغيير يصاحبه ويلات وحروب ونزف، وبالتالي ما مرّ بنا مرّ على أميركا نفسها أثناء الحرب الأهلية، وكذلك دول أوروبية وأفريقية وآسيوية، إنما معظم هذه البلدان استقرت في ما بعد بينما لا يزال عالمنا العربي يضج بوابل من العنف هنا أو هناك لماذا يا ترى؟ السبب الأول هو الاستعمار الغربي قطعاً الذي لا يزال يعشعش على عقولنا وقلوبنا وثرواتنا.
نعم، لا نزال نعاني من متطرفين يحملون أفكاراً سوداوية للتغيير، وكان ختامها جهنم حمراء بما يسمى «قاعدة» أو «داعش» أو «نصرة»، إلا أن هؤلاء لا يتحركون بسهولة أو من فراغ إلا بمساندة ودعم استخباراتي ومالي.
أليس مثيراً للريبة أن بداية الربيع العربي شهد بزوغ «الدواعش» و«النصرة» وغيرهم من عصابات الشراذم، والتخلف في بلدان عربية عدة في التوقيت نفسه تقريبا؟ (والمفارقة أنها تكاد تنتهي الآن في التوقيت نفسه)، كيف حدث هذا وبهذا التخطيط الدقيق الغريب؟ طبعاً الاستعمار وغيره لا يستطيع التغلغل من دون عملاء له بالداخل مع وجود غازٍ محتل لدولة وأجزاء من دولة أخرى.
أتفهم معانات النساء ولهفتهن، لكن إلقاء اللوم على أنفسنا فقط غير منطقي، فهناك من هي متخلصة من رداء تقاليد تراها بالية، يعني أن المجتمع نفسه قابل للتغير، لكن القضية ليست قاصرة على ذلك، بل تتداخل معها السياسة وكذلك القوى الخارجية التي ما تنفك تضغط علينا في كل فرصة نرى فيها خروجاً من قمقم الزجاجة.
درست في أميركا وعملت في بريطانيا وزرت دولاً أوروبية عدة، ومن دون ريب هناك اختلاف كبير في نمط المعيشة وأسلوب الحياة والأنظمة السياسية وحرية التعبير والمحاكم وخلافه، إنما الأمر الذي لا يجب أن يغيب عن جميع الحالمات بحياة الغرب أن هناك فئات مسحوقة وبالذات في أميركا، والسبب أن النظام الرأسمالي لا يهمه في الأخير إلا الهيمنة السياسية، سواء في أميركا أم خارجها، وإذا كنت لا تحمل دولاراً ستصبح جائعاً ولن تجد من يشفق عليك، وبالتالي الجنة المزعومة هناك غير موجودة، إلا إن كان في بعض الأفلام الغربية.
نهايته.. نريد تحديثاً وانفتاحاً، لكن من خلال ثقافتنا وقيمنا، فلا خير في أمة تستمدها من الغير.