قبل انتشار الإنترنت كانت فنون التعارف بين الشاب والفتاة تتمثل في التوجه إلى الفتاة والتعرف عليها مباشرة دون وجود وسيط، وكان الشاب بهذه الطريقة يمثل موقف ضعف وخجل، لأنه يواجه الأمر مباشرة دون معرفة مشاعر الفتاة التي قد تُقابله بالرفض.
ومع دخول الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بدأت المعاكسات تأخذ شكلا آخر تجعل الرجل أكثر قوة لتخفيه خلف شاشة الكمبيوتر أو الهاتف المحمول، وهو الأمر الذي يعطيه فرصة أكبر للكذب وإظهار عكس مشاعره الحقيقية.
وتكون بداية التعارف عندما يعجب الشاب بفتاة ويبدأ في البحث عنها عبر مواقع التواصل إلى أن يجدها ويقوم بإضافتها من ضمن قائمة الأصدقاء، ويكون هدف الشاب هو أن يعرف الفتاة فكم أمضى من الوقت وهو يبحث عنها ضمن أسماء وصور متشابهة حتى يعثر عليها ويبدي إعجابه بها.
وتأتي المرحلة التالية والتي تتمثل في قبول الفتاة لطلب صداقة الشاب والذي يدلّ على إعجابها به هي الأخرى، بل وقيامها بنفس المعاناة من أجل البحث عنه على العالم الافتراضي.
والأمر لا يتوقف عند هذه الحالة لكن هناك نماذج أخرى تتمثل في عدم التواصل البشري والتواصل الافتراضي فقط، حيث يجد الشاب نفسه ينجذب لفتاة من خلال صورتها أو طريقتها في الحديث، وعادة ما تشوب هذه العلاقات الكثير من الشبهات خاصة مع إمكانية وجود حسابات وهمية وبأسماء مستعارة واستخدام التقنيات الحديثة مثل الفوتوشوب في تغيير الصور الشخصية، وهو ما يجعل الحقيقة مزيفة وبها الكثير من الشكوك والتساؤلات.
ويدخل هذا النوع من المعاكسات ضمن وسائل التحرش لأن الشاب يتحدث مع فتاة لا يعرفها ويبدأ في مغازلتها، وتكون البداية من خلال الإعجاب بصورتها أو تفضيل كل ما تقوم بكتابته، إلى أن تتم المحادثة مباشرة، والتي تكون في البداية سطحية تتمثل في مجريات الحياة إلى أن تتحول وتصبح محادثة شخصية.
وقالت دراسة سابقة حول العلاقات العاطفية بين مستخدمي موقع فيسبوك الدراسة إنه قبل بدء العلاقة، وهو يوم تغيير الحالة على موقع فيسبوك من "أعزب" إلى "في علاقة" مع تحديد ذكرى سنوية، تزيد نسبة المغازلة في صورة رسائل ومشاركات وزيارات لحساب الشريك المستقبلي.
وأشارت إلى أنه في الـ12 يوما قبل بدء العلاقة يبلغ متوسط المشاركات المتبادلة 1.67 يوميًا، قبل أن تقل تدريجيا لتسجل متوسطا قدره 1.53 في أول 85 يومًا من العلاقة. وأرجع كارلوس ديوك عالِم كمبيوتر في موقع فيسبوك وأحد أعضاء الفريق البحثي السبب إلى “رغبة الشريكين في قضاء مزيد من الوقت معًا خارج الموقع".
ونبهت الدراسة إلى أن المغازلة الإلكترونية لا تنتهي عند هذا الحد لأن المشاركات التي تحتوي على كلمات إيجابية مثل “الحب” و“السعادة” و“الجمال” تزيد بشكل عام بعد العلاقة، وخصوصًا خلال يومي بدء العلاقة “يوم الصفر” واليوم الأول.
وقالت إن كل العلاقات العاطفية لا تتكلّل بالنجاح، ولذلك سلّط الباحثون الضوء على يوم الانفصال وتحديدًا على سلوك الشريكين أثناء هذه الفترة، قبل الانفصال بشهر واحد وبعد يوم الانفصال بشهر واحد.
وركزت الدراسة على سلوك الطرف المتلقي للانفصال، أي هؤلاء الذين قام شركاؤهم/شركاؤهن بتغيير حالاتهم العاطفية على الموقع. ووجدت أن نشاط الطرف المتلقي يسجل معدلًا قياسيًا في الزيادة خلال يوم الانفصال تصل نسبته إلى 225 بالمئة، ويتضمن نشاط المستخدم الرسائل المرسلة والمستقبلة ومشاركات الأصدقاء والتعليقات التي يستقبلها على المشاركات.
وأثبت الباحثون أن هذه النسبة تقل بعد هذا اليوم، ولكنها تظل أعلى من معدل المشاركات قبل الانفصال. وربما يرتبط هذا بزيادة عدد الأصدقاء الذين يودّون “التعبير عن مشاعر التضامن والدعم تجاه الطرف المتلقي للانفصال".
وفي دراسة علمية حديثة أجراها محمد بيومي، أستاذ الصحة النفسية بجامعة الزقازيق المصرية، وجدت أن الفتيات أكثر تفضيلا للتواصل وتتم عملية التواصل من خلال الهاتف المحمول لكي تشغل وقت فراغها بدرجة أكبر من الرجل، وأرجع الباحث ذلك إلى القيود المجتمعية والعادات والتقاليد المفروضة على المرأة، والتي تجعلها تقف في موقف حرج جراء التعبير عن مشاعرها وإحساسها تجاه الطرف الآخر، مما يجعلها تستخدم وسائل سرية مثل الهاتف المحمول والعالم الافتراضي للتواصل مع الجنس الآخر، على عكس الرجال الذين لا يميلون إلى التواصل الهاتفي ويفضلون التواصل المباشر.
وكشفت الدراسة أن أفضل الأوقات للمعاكسة هي الأوقات المتأخرة من الليل لاستغلال الظلام الذي يشعر الفرد بالوحدة والقلق، وهنا يكمن دور الشاب الذي يشغل هذا الفراغ، مؤكدة أنه مهما اختلفت الوسائل حول هذا السلوك إلا أنها انتهاك صارخ لحقوق الآخرين، وخطأ في كيفية التعبير عن الرغبات وانتهاك للحريات.
وأشارت فتحية موسى، أستاذة علم الاجتماع بجامعة القاهرة، إلى أن ظاهرة المعاكسات لا تعتبر ضمن المشكلات الاجتماعية، والتي يتم النظر إليها على أنها ظاهرة مقلقة، بل إنها ظاهرة طبيعية وليست مرضية، فهي من الظواهر السوية، وليست مشكلة اجتماعية بالحجم الذي ينظر إليه أفراد المجتمع.
ولفتت إلى أن أي تفسير لظاهرة ما لا بد أن يكون وفقا للثقافة المجتمعية بالدرجة الأولى، وثقافة المجتمعات العربية على مدى جميع العصور تظهر الكثير من الفروق بين الذكر والأنثى؛ فالمرأة بطبيعتها تشغل حيزا من الخصوصية لا يمكن تعديه واختراقه بأيّ شكل من الأشكال، لأن الاعتداء عليه يعتبر اعتداء على القيم المجتمعية وخصوصية المرأة.
وأكدت أن الكثير من الشباب تحرّروا من هذه القيود من خلال التواصل مع الجنس الآخر عبر العالم الافتراضي بعيدا عن المواجهة لرغبتهم في كسر الحواجز مع الجنس الآخر، فقد سهّل لهم الكثير وخلّصهم من القيود المجتمعية المفروضة عليهم؛ فالمغازلات مقبولة في ثقافة الشباب وتعطي انطباعا بأنّ الطرف الآخر موافق على المبادرة من خلال التلميحات.
وعن الأسباب التي تقود الشباب إلى المعاكسات الإلكترونية أوضحت موسى، أن الضغوط النفسية والفراغ والبطالة من العوامل الأساسية التي ساعدت الشباب على استخدام الإنترنت في التعرف على الفتيات ومعاكساتهن.
وفي استفتاء أُجري على موقع “هافنغتون بوست” وجد أن 82 بالمئة من الأشخاص الذين أجري عليهم الاستفتاء يعتبرون المغازلة عبر الإنترنت غشا وكذبا الهدف منها علاقات غير شرعية.