نتحدث دائماً عن العنف ضد المرأة، وعن ظلم الرجل لها وما تعانيه من قسوة وإهانة وقتل، وهذا موجود طبعاً، ولكن في الآونة الأخيرة بدأنا نسمع عن العنف ضد الرجل.
وطالما ارتبط مفهوم العنف دائماً بالمرأة، بل ارتبط مفهوم التحرش الجنسي والاعتداء والاستغلال الجنسي في العديد من المجتمعات بالمرأة، فإذا تم ذكر مصطلح مشاكل التمييز تأتي صورة المرأة المضطهدة فوراً إلى عقولنا، حتى يعتقد بعض الرجال أن المشاكل الخاصة بالتمييز هي مشاكل خاصة بالمرأة، ولا يعنيه أبداً الاهتمام بها أو الاستماع إليها، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية حيال مسألة العرق، فحين يتم ذكر مصطلح المشاكل العرقية، يقفز إلى أذهاننا الأفارقة الأميركان، أو الأميركان الآسيويون، ولا نعتبر أن الرجل الأبيض الأميركي هو جزء من المشكلة، كما هو الوضع في المشاكل الجنسية ضد المرأة، فدائماً وأبداً يُهمل ذكر الرجل على الرغم من أنه في أغلب الأحيان يكون الجزء الأكبر من المشكلة.
على الرغم من حوادث عنف الرجال نحو المرأة التي لا تخلو منها الصحف ووسائل الإعلام، وعلى الرغم من أنها مشكلة مجتمعية تقلق العديد من النساء في مجتمعات مختلفة، فإنها تقلق الرجال كذلك، فلا تكون المرأة هي ضحية العنف المنزلي في كل الأحيان، فيبدو أنه يتم التسويق لقضية العنف المنزلي في الإعلام بطريقة متعارف عليها مجتمعياً، ولكنها ليست واقعية بعض الشيء، فالعنف المنزلي هو مشكلة إنسانية تكون أبعادها الجنسية أكثر تعقيداً مما هو مُتعارف عليه.
تعتبر الحوادث العائلية والعنف بين الأزواج أو الأصدقاء هي أكثر المحيطات التي تتهم المرأة فيها الرجل بالعنف المستمر، إلا أنها أكثر المحيطات التي تكون المرأة عنيفة فيها بالتبادل، وليس فقط للدفاع عن نفسها إذا ما تم اتخاذ إجراء عنيف تجاهها، بل من الممكن أن تعتدي على الرجل بالضرب، أو تعتدي على أطفالها كذلك، كما أنها يمكنها أن تؤذي كبار السن جسدياً، سواء كان أحد أهلها، أو من أهل زوجها.
كما يوجد الرجل العنيف، هناك المرأة العنيفة، التي يمكنها أن تعتدي على شريكها جسدياً بالضرب المبرح وباستخدام آلات حادة، لا يتم وضع تلك المرأة في هالة من الضوضاء الإعلامية كما يتم التعامل مع الرجل، وذلك لأن ضرب الرجل للمرأة أمر مُدان مجتمعياً، وأمر قد اعتاد عليه المجتمع بالفعل، بتكوين منظمات حقوقية للحفاظ على حق المرأة من الرجل العنيف، كما أن حوادث العنف المنزلي هي أمر شائع في الصحف والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن ضرب الرجل من قِبل المرأة هو ظاهرة نادرة الحدوث في الإعلام، فلم نسمع من قبل عن منظمات حقوقية للحفاظ على حق الرجل من المرأة، أو على إدانة مجتمعية للنساء المعتديات على أزواجهن.
هناك بلاغات للشرطة لرجال تم الاعتداء عليهم من قِبل زوجاتهم كما يوجد بلاغات من النساء ضد أزواجهن، فهناك العديد من طلبات الطلاق والخلع تنتظر دورها في المحاكم في قضايا تُعرف في المحاكم العربية بدعاوى النشوز والطلب في بيت الطاعة.
لا يصح في ثقافة المجتمع العربي الإشارة إلى ضعف الرجل في بيته علناً بين الناس، ولا يصح أن يتم التلميح بأن زوجة الرجل هي الآمرة الناهية في بيته، فالرجل العربي متميز بهيمنته وسيطرته، وهذا هو سر رجولته التي يتربى عليها منذ صغره، ولكن إن تم إعلان ضربه من قِبل زوجته في قضية بمحكمة الأسرة، أو حادثة في الإعلام، فسيعتبرها الرجل العربي بخاصة والرجل بصفة عامة إهانة لكرامته كرجل، وسيعتبر ذلك فضيحة أشد من كونه تم ضربه من امرأة، ربما يكون هذا السبب لقلة التغطية الإعلامية لقضايا ضرب الرجل للمرأة، إلا أنه لا يمنع أنها ما زالت تحدث، بل وبشكل متزايد عن ذي قبل.
عندما يضرب الرجل امرأة على وجهها في مكان عام فهذا يُعتبر إهانة يرفضها المجتمع، ولكن إذا ما حدث العكس، لا يكترث أحد؛ لأن المرأة دوماً في موضع الضحية، وإن فعلت ذلك تجاه الرجل، فهذا يعني أنها تحاول الدفاع عن حقوقها، مهما كانت ظروف وأسباب الحادثة، فالنتيجة واحدة بالنسبة للمجتمع، ويصعب جداً تغييرها أو تبريرها لهم.
قدم المركز القومي للعنف ضد المرأة في الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً تقريراً يفيد بأن 40% من حالات العنف المنزلي التي يتم التبليغ عنها للمركز مُقدمة من قِبَل رجال وليس نساء، كما يعتقد المركز أن النسبة من الممكن أن تكون أعلى من ذلك، إلا أنه لا يقوم العديد من الرجال بالتبليغ؛ لأنهم لا يرون فائدة من ذلك؛ لأن المجتمع لا يتقبل الرجل في موضع الضحية، خصوصاً في قضايا العنف المنزلي.
كشفت دراسة أكاديمية عن 200 حالة من العنف المنزلي كانت المرأة فيها هي المحفزة للعنف، وهي التي بدأت به؛ حيث إن أغلب التبريرات لعنف المرأة في المنزل يعود إلى أنها تدافع عن نفسها أمام اعتداء الرجل، إلا أن تلك الدراسة تثبت العكس؛ حيث تثبت أن هناك بلاغات من الرجال تفيد بالاعتداء عليهم تكاد تساوي في العدد بلاغات النساء كذلك.
وبسبب العنف الكبير الواقع على المرأة، دائماً نلقي الضوء على المرأة وننسى أن هناك رجالاً يمارس ضدهم العنف أيضاً. فالعنف ضد الرجل حالة موجودة في مجتمعنا لا يمكن إنكارها أو إخفاؤها رغم تكتم أغلبية الرجال عما يتعرضون له من إساءة وإهانة من قِبَل زوجاتهم، وذلك لكي يحافظوا على رجولتهم وكبريائهم ولئلا تهتز صورتهم أمام الناس.
فهذه المسألة بدأت تظهر شيئاً فشيئاً.. وقد يعود ذلك إلى خروج المرأة للعمل وتفوقها أحياناً على الرجل على الصعيد المادي والعلمي، ما يجعلها أكثر ثقة وسلطة، وربما عدم فهم المرأة لطبيعة الرجل الذي تعيش معه أسباب العنف.
فالعنف ضد الرجل هو حالة غير عادية من قِبَل المرأة ويمكن إرجاعها إلى عدة أسباب، منها: قلة دخل الرجل الذي لا يلبي احتياجات الزوجة والأطفال مما يدفعها إلى العنف، وسبب آخر هو استخفاف الرجل بالمرأة وإهانتها والخمر والقمار ورفاق السوء والسهر، ما يؤدي إلى عدم الاحترام بين الزوجين، وعدم الاستقرار العاطفي.
أو أن يكون كرد فعل ضد عنف الرجل، وهذا غالباً ما يحصل حيث يمارس الرجل عنفاً قاسياً ضد زوجته، ما يقابله عنف في مستواه أو أقل منه، أو للتركيبة النفسية التي تُعامل بقسوة في طفولتها، وأثناء شبابها، فنشأت في هذه البيئة العنيفة حتى أصبحت تمارسه على الرجل.
وغالباً ما تكون المرأة متزوجة برجل ضعيف الشخصية، وبحكم أنها تتحمل مسؤولية البيت والأولاد، فقد تدفعها هذه المسؤولية إلى استعمال العنف؛ لأنها تقلدت مكانة الرجل، وهناك أيضاً الفارق العمري بين الزوج والزوجة يجعلها متسلطة وقوية، فالرجل هنا حريص على كسب حبها وعدم الانفصال عنه، ما يجعله خاضعاً لها، متحملاً إهاناتها، والتقليل من أهميته.
أنواع العنف
هناك أنواع كثيرة لعنف المرأة ضد الرجل، منها العنف الجسدي كالقتل والضرب وهو قليل في مجتمعنا، ولكن العنف الذي أصبح متفشياً هو العنف المعنوي والنفسي، وهو عنف تمارسه النساء ضد الرجال، ويأخذ صوراً متعددة تتراوح بين الضرب والشتم والإهانة أمام الأولاد والناس، ومن حرمان الرجل لرؤية أولاده، إلى حرمانه من الراحة المنزلية، والاستقرار والهدوء في حياته العائلية، ما يؤثر على الصحة النفسية والجسدية للرجل، والذي بدوره ينعكس على التنشئة الاجتماعية والنفسية للأطفال..
ولا بد من التنويه إلى أخطر أنواع العنف الذي تمارسه الزوجة على الرجل وهو السحر، فأحياناً تلجأ المرأة إلى السحر والشعوذة لأجل سلب إرادة الرجل، بقصد أن تحكم سيطرتها عليه، أو لجلب حبه ومودته والتزامه بها.
أرد الصاع صاعَين..
تشير بعض التقارير إلى احتلال المرأة المصرية المرتبة الأولى في ضرب النساء لأزواجهن، تليها المرأة الأميركية، ومن ثم المرأة البريطانية والهندية، وعلى الرغم من مدى دقة تلك التقارير، فإن الأمر بدأ في اتخاذ أشكال هجومية ضد جنس بعينه، متناسين أن المسألة تكمن في أنها إهانة لإنسانية البشر مهما كان جنس الضحية.
لا يهم الأمر إن كان اعتداءً على رجل أو امرأة أو طفل أو حتى حيوان، فهو ما زال مُصنفاً تحت عنوان الاعتداء والإيذاء الجسدي، ولا يمكن أبداً تحت أي ظرف من الظروف اعتبار إهانة الرجل للمرأة حقاً ذكورياً له في الهيمنة على المنزل، وترويض المرأة من أجل أن تحترمه وتهابه، كما لا يحق تبرير عنف المرأة تجاه الرجل بأنه دفاع عن النفس، ولا يمكن الاعتماد على الصورة النمطية للمرأة بأنها إما كائن ضعيف جداً في أغلب الحالات، أو أنها كائن بريء جداً، هذا ما يهضم حق المرأة في كثير من المجالات العملية، كما يعطيها حقاً ليس بحقها في كثير من المجالات الحياتية كذلك.