في ظل التطور التكنولوجي المتسارع جداً فقد بات من الضروري تعليم أبنائنا الحكمة منذ الصغر، وإيصالهم إلى مرحلة أو درجة فقه المعرفة وفلسفة العلم ويطلق البعض على ذلك مصطلح الشيخوخة المبكرة، وإن كنت لا أتفق مع هذه التسمية وأرى أنها تحمل معنى سلبياً.
فالحكمة منذ صغر السن صارت مطلباً ضرورياً ومهماً للبعد عن مشاكل التهميش والفشل، ولتجنّب الدخول في صفوف العاطلين عن العمل والحياة، خصوصاً الخريجين، مما يؤدي تلقائياً إلى تعطيل شامل للحياة الإنسانية الطبيعية والاجتماعية، والدخول في مرحلة "الخطر المالي" التي تشكل مُنغصاً عاماً لكل جوانب الحياة، ولعل أهمها الحالة النفسية التي تنعكس على جميع التصرفات والسلوك البشري العام، وقد تصل بالبعض إلى أن يتحول من خريج إلى مجرم محترف.
لهذا كله نحن بحاجة لوضع استراتيجيات وتدريب أولادنا عليها لترتيب التفكير السليم وإفرازه على شكل خطوات ملموسة تحقق أهدافهم في المستقبل، فالتخطيط الاستراتيجي يتطلب إكراه الذات، وإنكارها أحياناً، والتآمر حتى على المستقبل للوصول إلى الهدف المنشود في هذه الحياة المعقدة والمركبة، وفي ظل هذا المجتمع الذي يسود فيه اللاعقل، ويختفي فيه المنطق، وتبدو المشاكل والمعضلات أمراً طبيعياً؛ لذا فإن كيفية الانخراط والتأقلم والبحث عن الذات تبدو المهمة الأسمى، وربما أسمى ما نفعله هو بناء جيل موجّه يمتلك الشخصية والإرادة العاقلة المثقفة والواعية والقادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة والمستقلة في المكان والزمان الصحيح بطريقة علمية وعملية.
ومن الاستراتيجيات الضرورية لبناء الشخصية:
1- النشأة على القراءة:
وهو أمر بات مختلطاً في ظل وجود مواقع الأخبار والمعلومات التي تحتاج إلى تدقيق ومتابعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الكثيرة؛ لذلك يتوجب الرجوع إلى الكتب والمصادر المحكمة للقراءة والاطلاع على مختلف العلوم والثقافات، وذلك عبر تحفيزهم بجائزة قيّمة كلما انتهوا من كتاب أو قصة معينة، ولا بد من مناقشة الطفل في هذا الكتاب أو الاستماع إليه، وعن أبرز ما فهمه منه، والإيحاء له بتلقّي المعلومة منه حتى وإن كنا نعرف تلك المعلومات مسبقاً.
2 - دعم روح المسؤولية لدى الطفل عبر محاكاة مشاكل ومسائل تتدرج مع مستواه العمري ومناقشة أفكاره ونصائحه، وبشكل دائم لا بد من وجود المكافأة في حالات الرأي السليم والتصرف الصحيح، ويمكن أن يسرد الأب أو الأم تجاربهما الخاصة على شكل قصص بشكل ممتع ليتعلموا منهم.
3 - عدم الدخول في جدالات حادة مع الأبناء وترك الابن أو البنت يخطئ إن كان الخطأ غير بليغ، بمعنى أوضح لا تحاول تصويب كل أقواله وأفكاره وتصرفاته بشكل دائم ومجابهته بأنه دائماً على خطأ، بل اتركه يتعلم بنفسه من أخطائه، ويعرف كيف يتصرف بنفسه في المواقف المختلفة حتى تنبني شخصيته بقوة ويكتسب تجارب شخصية ونفسية.
4 - تهيئة المناخ المناسب للقرارات وتعليم الطفل كيفية اتخاذ القرار المناسب، والمفاضلة بين الحلول الأنسب، وذلك بوضع قائمة السلبيات والإيجابيات لكل قرار مهم أو مصيري، بحيث يصبح هذا سلوكاً طبيعياً في حياة الطفل، وكذلك وضع جدول أهداف أو أولويات للطفل حتى يسعى لتحقيقه.
5 - ربط التعليم بالعمل، وهو مشكلة وعائق كبير لا ينتبه له الآباء ولا الأبناء، فيجب أن يسأل الابن نفسه ماذا سأفعل بعد أن أختار تخصصي الجامعي؟ وما هي مهنتي المستقبلية؟ فهناك ضرورة كبيرة لتصحيح هذا المسار الخاطئ لدى الكثيرين، وذلك ببناء الرغبة والميل المهني المستقبلي، ومن ثم توجيه التعليم، واختيار التخصص الجامعي بناء على العمل المستقبلي الذي تم اختياره.
6 - ضرورة فك الارتباط بين رغبات الآباء والأبناء، ونقصد بذلك عدم توجيه الأبناء بناءً على رغبة الأهل بتخصص معين أو أمر محدد، بل يجب ترك الخيار كاملاً للفتى أو الفتاة، ويجب أن يقتصر دور الأسرة على النصح والإرشاد الحيادي المطلق، حتى يتحمل الابن أو البنت مسؤولية القرار، ويفرح بالنتيجة الإيجابية التي سيصل عليها ويلوم نفسه فقط لو وصل إلى نتيجة سلبية.
7 - النقطة الأخيرة: إشباع الأبناء والبنات منذ الطفولة بالحنان رغم كل ما سبق من استراتيجيات، فيجب أن تترافق مع جو من الحب والحنان والاستقرار حتى لا تلجأ البنت إلى غير الأهل في مشاكلها، وحتى لا يلجأ الابن إلى أصدقائه، فيقومون بسحبه إلى طريق الانحراف، خصوصاً في ظل المواقع التواصلية المشتعلة وانتشار المخدرات والموبقات في المجتمعات العربية.
ختاماً.. أتمنى للجميع حياة هانئة مستقرة، وأن يكون الله في عوننا جميعاً في تربية أبنائنا وبناتنا أحسن تربية حتى يكونوا خادمين ونافعين للمجتمع ولأنفسهم.