في نادٍ للفروسية، غربي مدينة غزة بفلسطين، تتفقد الفتاة هبة الله شاهين (17 عاما)، سرج فرسها، وتُحكم وثاقه عدة مرّات، لتضمن عدم انزلاق قدمها “الاصطناعية” عنه، أثناء تدربها على قفز الحواجز.
وبعدما امتطت فرسها التي تُطلق عليها اسم “سبيدو”، ترتدي شاهين خوذتها الواقية من الكدمات، وتتأكد من أن قدمها الاصطناعية، قد أخذت موضعها الصحيح على السرج.
شاهين، ولدت في قطاع غزة وهي فاقدة لنصف ساقها اليُسرى (إعاقة خَلقية)، في حالة نادرة تصيب طفلا واحدا من كل 200 ألف طفل، على حدّ قول والدتها تغريد.
وبدأت شاهين هواية ركوب الخيل منذ أن كانت طفلة في عمر الثماني سنوات، بدعمٍ من كافة أفراد عائلتها وأصدقائها، وتتحدى شاهين إعاقتها، بالانخراط في التدريبات التي يقول عنها مدّربها، إنها تحتاج إلى إرادة وثقة عالية.
وتتدرب الفتاة الفلسطينية، حاليا، على ركوب الخيل، كما احترفت العزف على القيثارة، إلى جانب تعلّمها أصول الدبكة الفلسطينية وكذلك السبّاحة.
وبثقة عالية، وبعدما نجحت في القفز فوق حاجزيْن متتاليين، تقول شاهين “ركوب الخيل عزز من ثقتي بنفسي، وساعدني على تحدي كافة الصعوبات المجتمعية، التي يواجهها معظم الأفراد من ذوي الإعاقة”.
وتضيف “ركوب الخيل يحتاج إلى شجاعة كبيرة، وهذه لا تكون إلا عند الأشخاص الذين يثقون بأنفسهم، ويقفزون من فوق حواجز الخوف والخجل والتردد والشعور بالنقص”. وتبيّن شاهين أن فقدانها لقدمها اليسرى لم يُعقها يوما عن تحقيق طموحها، مؤكدة أن “الإعاقة إعاقة العقل لا إعاقة الجسد”.
وتُشمّر شاهين عن ساقها الاصطناعية أثناء تدرّبها على ركوب الخيل، غير آبهة بنظرات الآخرين التي تحمل أحيانا معنى “الشفقة”، على حدّ قولها.
وتقول إنها استعملت ساقها الاصطناعية للمرة الأولى قبل أن تتم العام الكامل من عمرها، تحديدا وهي في عمر الثمانية أشهر.
وتتابع قائلة “في الكثير من الأحيان أواجه انتقادات سلبية من قبل الآخرين سواء على مواقع التواصل الاجتماعي، أو غير ذلك، لكنني أتجاهل كل تلك التعليقات، وأستمر في تحقيق أهدافي”.
وما إن انتهت شاهين من حصة التدريبات على ركوب الخيل، حتّى أمسكت بيد صديقتها، وبدأت ترقص الدبكة على أنغام موسيقى وطنية، وتضيف “الطموح والسلامة النفسية من أهم الأمور التي يجب على الإنسان أن يتحلى بها حتّى يحصل على مراده”.
وتشعر شاهين بالغضب جرّاء النظرة السلبية التي توجّه إلى الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة ممن يشعرون بأنهم غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم إزاء تلك الانتقادات، حيث تقول “كنت أريد أن أوصل رسالة إلى سيدة فقدت قدميها خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وطُلّقت من زوجها، إن حياتك لا تزال مزدهرة، وأنتِ قوية قادرة على صنع المعجزات”.
وتطمح هبة الله شاهين إلى المشاركة في بطولات عالمية لركوب الخيل خارج قطاع غزة. وتُطلق والدتها تغريد على الأشخاص ذوي الإعاقة، مصطلح “الأشخاص ذوي الهمم”، نظرا لوجود طاقة إيجابية عالية لديهم.
ويتحدى الكثيرون إعاقتهم ونظرات المجتمع السلبية لهم وتمكنوا من التغلب على تأثيرها السلبي على حالاتهم النفسية وعلى تطورهم وتعليمهم وتدريبهم ولم يشعروا لا بالدونية أو العجز.
وأكدت منظمة الأمم المتحدة أن الأشخاص من ذوي الإعاقة يتعرضون كل يوم إلى التمييز ولعوائق تقيّد مشاركتهم في المجتمع على قدم المساواة مع غيرهم.
وأضافت أنهم يُحرمون من حقوقهم في الاندماج في نظام التعليم العام وفي السلم الوظيفي وفي العيش المستقل داخل المجتمع، وفي حرية التنقل، والتصويت، والمشاركة في الأنشطة الرياضية والثقافية، وفي التمتع بالحماية الاجتماعية، وفي الوصول إلى العدالة، وفي اختيار العلاج الطبي، وفي الدخول بحرية في التزامات قانونية مثل شراء وبيع الممتلكات.
ونبّهت إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة في البلدان النامية كثيرا ما يعانون التهميش ويعيشون في فقر مدقع.