كعادتها، قامت وكالة أخبار المرأة بتنظيم ندوة الكترونية ضمن "ملتقى الإعلاميات العربيات" على الواتساب، وهي الندوة الرابعة من نوعها، وذلك لمناقشة أحد المواضيع التي تخص المرأة الإعلامية العربية، وكان الموضوع هذه المرة بمقترح من عدد من الزميلات المشتركات في الملتقى، وهو "الإعلامية بين وظيفتها وحياتها الخاصة، إلى أيّ مدى يمكنها التوفيق بينهما."
د.مريم البتول الكندري، السودان، كانت صاحبة أول مداخلة في الندوة، والتي قالت فيها: "بالطبع، إنّ مهنة الإعلام والصحافة صاحبة الجلالة والسلطة الرابعة هي مهنة عظيمة ومهمة جداً لتطوير البشرية وتنوير الأذهان، وفي نفس الوقت مهنة المخاطرة والمجازفة وخاصة في الدول التي تعمّها فوضى الدكتاتورية واحتجاب التنوير مع تغييب حق المواطنين من الاستنارة. وأيضا هنالك مثال سيّء لفهم المرأة الإعلامية وخاصة في مجتمعاتنا المتخلفة اجتماعيا وثقافيا، لذا فهناك ظروف صعبة تعاني منها الإعلامية ناتجة عن فهم المجتمع الذي يؤصّل ثقافة تقليل دور المرأة في أيّ إبداع لأحداث تقدم في حياتها. أولا إذا كانت متزوجة فإنها تعاني من إيجاد مساحة إيجابية لفهم شريك حياتها للإعلام وخاصة إذا لم يكن من نفس الحقل، وحتى لو كان فإنّ الرجل العربي غيور بالطبع. أنا شخصيا مثال لتلك العثرات، ولقد عشت التجربة بالفعل، كنت أستعد للذهاب لحضور المؤتمر السنوي الإعلاميات العربيات بالأردن، وفعلا أعددت نفسي واستعددت للذهاب ولكن فوجئت يوم السفر عندما قامت الخادمة بوضع أغراضي داخل حقيبة السفر، اعترضها الزوج السابق وأمرها أن لا تضع أي ملابس فاخرة لي وأخرج بعض الملابس واستبدلها بالذي يراه مناسبا من منطلق الغيرة وكانت تلك قشة قصمت ظهر البعير معه، لذا فإن الإعلامية تواجه تحديات من المجتمع والأسرة ولكن لابد من مواصلة الصمود والمضي قدما لتحقيق ذاتنا وأداء دورنا الإعلامي بنجاح وامتياز."
د.مروة كريدية، لبنان، تحدثت من جهتها عن مبدأ التعامل مع المرأة كإنسان وليس كجنس مختلف عن الرجل، وقالت: "يحصل عدم التوفيق في حياة الإنسان بسبب "الفصل" الدائم الذي يزج الإنسان نفسه به "بحماقة" عن بيئته التي يعيشها، فعندما تعي المرأة تمام إنسانيتها وتتعاطى مع شؤون حياتها بوصفها إنسانا كامل القيمة فإنها ستتفاعل مع كل مفردات الحياة ببساطة وفطرية وتلقائية، وعندها ستلاحظ الانسجام التام والإيقاع الجميل في الوجود، وسيخرج الإنسان امرأة كان أم رجلا من دائرة "النزاعات الوظائفية" في الحياة اليومية. هذا المبدأ الوجودي الراقي غيّرته وكرّسته الثقافة والتربية في المجتمعات الذكورية بحيث حمّلت المرأة مهام يومية مختلفة عن الرجل مما أوقع المرأة في دوامة التوفيق بين المهمات، إضافة الى أمر آخر بالغ الأهمية وهي النظرة إلى "الوظيفة" على أنها عمل ينبغي إنجازه للاستمرار في العيش، الأمر الذي يحولها إلى عبئ ثقيل، لذلك فإني لا أنظر إلى ما أقوم به على أنه مسؤولية أو "حرفة" أو وظيفة فلا أحب الاحتراف ولا أجيده، غير أنّي أمارس مهامي بإتقان. الإتقان شيء مختلف عن الاحتراف! الإتقان هو جزء من الإبداع. لذلك فإنّ التعاطي بتلقائية ومحبة وعدم التخطيط أو ترتيب الأولويات أحد أبرز عوامل النجاح، بل الانخراط في المهام بحبّ مهما كانت بدءا من تنظيف المنزل والعناية بالنباتات وصولا إلى إلقاء المحاضرة في المؤتمرات، كل هذه الأمور متساوية الأهمية أمام المبادئ الكونية، ولا أعتبر أيّا منها أهم من الأخرى، فالإنجاز لا ينحصر بالعمل خلف الشاشات والظهور الإعلامي المنمّق في وقت نخسر فيه إنسانيتنا وتفاصيل حياتنا الرائعة. وبطبيعة الحال لا يوجد عامل واحد يسبب لنا النجاح أو الفشل، بل كل ما يدور حولنا في العالم يساهم في تَطوّر مسيرتنا الوجودية، فحتى نجاحنا يكتنز كل مواقف الفشل التي واجهتنا، إن عوالمنا المزدهرة تحمل كل الإخفاقات أيضًا، والعائلة هم الشركاء في الحياة وهم الأصدقاء. والزوج أو الشريك هو رفيق الدرب في رحلة الحياة، وبالتالي تكون العلاقة متكافئة ومتوازنة لجهة المهمات، ولا يملك أحدهما الآخر أو يتسلط عليه بل يعيشان كصديقين في بيت واحد يتقاسمان تصاريف الحياة بودّ، وهما كعمودي معبدٍ يقفان منفصلين لرفع بناء واحد."
الأستاذة فاطمة غندور، ليبيا، تحدّثت عن الإعلاميات الليبيات قائلة: "كنت ممن وثق لسيرة الاعلاميات الليبيات مع أربعينيات القرن الماضي، إن قياس الفارق وما تحقق من منجز معنوي لمن انخرطن بالعمل الإعلامي، الهاويات كما الأكاديميات، أحدث نقلة في النظرة المجتمعية تنحو إلى الإيجابية، ولنا أن نحرك الريموت كونترول لنجد الإعلامية قارئة ومحللة تناقش ضيفا بمرجعية معرفية جيدة، وسأضيف أنّ التقنية وسعت ظهور الإعلامية. اليوم تسير الإعلامية في الشارع كنجمة، بل بعضهم يتقدم منها طالبا تسليط الضوء على موضوع بعينه. حقيقة، لقد جرى استيعاب مقبول للإعلامية ودورها في الشارع المحلي أو العربي، وحتى ما نسمع من قصص تثار حول خصوصيات الإعلامية، تقصينا السبب وفي ظني أن محبة الظهور (الشو) صار عند بعضهم وبعضهن مجال منافسة وغيرة وافتعالا للحضور بأي واجهة كانت. أدرس بكلية للفنون والإعلام، يتأسس مشهد للإعلامية ظهورا وعملا عاما يساعد كثيرا على خلق حالة احترام خصوصيتها كلما أبرزت جديتها وسلوكها المهني المنحاز لأخلاقيات عملها. وبالعودة للسؤال أتصور أنه حمّال لوجهتي نظر: الإعلامية وانعكاس عملها على ذاتها ومحيطها وأرى ذلك في ما كتبته العزيزة مروة، والإعلامية وعلاقة خصوصيتها بمحيطها الذي هو عامل مساعد إما مشجع وإما محبط.."
وتقول الأستاذة عبير ظلام، مصر: "دائما ما كنت أتسائل عن سبل دعم الدول والحكومات للمرأة لتستطيع القيام بمهمتها في الحياة برعاية بيتها وأولادها، وبين مهام عملها وحياتها وطموحاتها فتساهم بكلا الامرين في تنمية مجتمعها. كل هذه الأفكار تراودني كلما رأيت الأمهات يحملن الأطفال في الصباح لبيت الجدات أو للحضانات ليتركن الأطفال حتي تنتهي ساعات الدوام. هذا شأن المرأة العاملة نتشارك جميعا نفس هذا الهم. أما نحن كإعلاميات فالهم أكبر، نحن يا سادة نعمل طيلة اليوم، ليس لنا دوام محدد الملامح، في أغلب الأعياد نحن أمام الميكروفون أو أمام الكاميرات أو بين حبر الطباعة. حتي في ساعات وساحات الطعام تجد الهاتف على آذاننا لنبق الأيدي فارغة تطعم الصغار أو تكمل مهام البيت. قد نسعى للحصول على مساعدة من خدمات المعاونة و التي باتت تقدم سلبيات أكثر من الإيجابيات، حتى في مهام السفر الخارجية نبقي الأعين والهواتف مفتوحة لنتابع بيوتنا وعائلاتنا، و رغم كل شيء فأنا سعيدة لأني إعلامية."
من جهتها، تقول الأستاذة نضال الفطافطة، فلسطين: "بخصوص السؤال المطروح، إن المرأة بارعة في التفاصيل وهي قادرة على الفصل ما بين الحياة الخاصة والعمل حيث يمكنها تخصيص ساعات محددة للعمل الإعلامي من إعداد وتنسيق وترتيب أفكار والعمل عليها عبر أجندة يومية وترتيبها، أما في حياتها الخاصة إذا كان من حولها يتفهم طبيعة العمل وأهميته للمرأة فإنه سيساندها، أما إذا كان غير ذلك فهي ذكية وتقدر على أن توازن بين الحياة الخاصة والعمل لأنه وبرغم العمل فكل امرأة تحتاج لحياة خاصة تساندها وتدعمها سواء كانت حياة عائلية أو زوجية."
أما الأستاذة رندة شريف، مصر، فلقد تحدثت عن المرأة العربية بشكل عام قائلة: "حال المرأة العربية كإعلامية لا يختلف عن حال أي امرأة أخرى لها عمل ومستقبل تطمح إليه. المرأة العاملة مبدئيا ارتضت أن يكون يومها 48 ساعة وليس 24 فقط.، عليها كل مهام الأسرة كأم وابنة فضلا عن رعاية المنزل وشؤون الزوج والأبناء حتى في حال وجود عمالة منزلية تساعدها إلا أن أغلب الأمور لا تنصلح إلا بوجودها. ثم يأتي العمل بمشاكله وأعبائه التي قد تتفهمها أسرتها وزوجها أو لا فضلا عن احتياجها الدائم للدراسة لتطوير ذاتها فهي مستنزفة الوقت دائما بشكل أو بآخر، هذه الخطوط العريضة. صحيح لبعض الإعلاميات ساعات وظروف عمل أفضل أو أكثر مناسبة لمتابعة أسرهن تمكنهن من تنظيم حياتهن على عدم السفر أو العمل ليلا. قد يخترن ملابس أكثر احتشاما أو موضوعات أقل جدلية، لكن مهما حاولن فسيظل هناك من يقدر جهودهن ويعطيهن من التقدير والدعم ما هو حق أصيل لهن، وهناك من يحاول الانتقاص منهن غيرة أو انغلاقا ورفضا لاستقلاليتهن وقدرتهن على التأثير. لا يمكننا إلغاء عامل الخطورة التي قد تتعرض لها الإعلامية في حال عملها كمراسلة في مناطق النزاعات المسلحة وتغطية الانتخابات مثلا أو تصديها للموضوعات الأكثر سخونة على المستوى السياسي والاقتصادي بل وحتى الاجتماعي إذا حاولت نشر الوعي والتصدي للأفكار الخاطئة الهدامة والعادات المتخلفة وتناول موضوعات حقوق الإنسان بأطيافها وملفات الفساد فكل ذلك قد يعرضها لمشاكل وتهديدات وهجوم جسدي أو معنوي قد تدعمها فيه أسرتها أو لا، في أحسن الأحوال خوفا عليها وإيثارا للسلامة تطالبها الأسرة بالانسحاب أو تغطية موضوعات أقل جدلية. لكنها فاتورة لطالما دفعتها الإعلاميات بإباء وشمم. تبقى أزمة الوصمة الأخلاقية وهي السيف المسلط على عنق أي امرأة في مجتمعاتنا الذكورية. فالإعلامية تحديدا بسبب اتساع مجال حركتها داخل وطنها وخارجه ومواعيد العمل المختلفة وضرورة اهتمامها بمظهرها وعلاقاتها الواسعة بحكم طبيعة العمل الإعلامي أيضا مع وجود بعض العناصر غير المهنية سيئة السمعة أكثر عرضة لهذه الوصمة السلبية. ومن المؤسف أن تكون الغيرة سببا للهجوم على بعض الإعلاميات من زملائهن بل وزميلاتهن أحيانا بدلا من التكاتف وتكوين حائط صد ضد رموز الفساد التي قد يكون النيل من الإعلامية الجادة لصالحها. كما أن غيرة ذكور الأسرة (الأب والأخ والزوج والابن) والفهم الخاطئ للدين وقلة الوعي بدور المرأة في المجتمع مع بعض العادات والتقاليد البالية تشكل المزيد من التحديات المضافة على عاتق المرأة سواء كانت طبيبة أو باحثة أو غير ذلك وليس الإعلامية فقط. غير أنه وإحقاقا للحق قد تضطر ظروف العمل والتنافسية العالية فيه الإعلامية كأي امرأة أخرى للتقصير في التزاماتها الأسرية وهذا فخ قد نقع فيه كلنا إلا أن الظروف القهرية لا تستمر وعلى كل إنسان وليس المرأة فقط التوقف من آن لآخر ومراجعة مواقفه وحساباته وتعديل أولوياته إذا حدث ذلك لأنه إذا كان العمل هو عقل الإنسان فالأسرة هي قلبه وروحه ولا حياة حقيقية سعيدة لأحد دونهما."
بالنسبة إلى الأستاذة هنادي العنيس، فلسطين، فإن الصحافة مهمة وليست مهنة، "خاصة لتلك اللواتي يأخذنها على محمل الجد والمسؤولية بما يكفي لتكون تغطية حدث ما هي مسألة حتمية لا جدال فيها، فلها الأولوية دون تخطيط مسبق. تقول جانين دي جيوفاني إحدى المراسلات الحربيات أنها اضطرت لمغادرة بيتها إلى أسوأ الأماكن في العالم لتجلب معها قصصا من البوسنة، سيراليون، العراق، وحديثا سوريا، لتخبر قصصا عن لحظات إنسانية من داخل صراعات كبرى، وتروي ذلك الانتقال الفظيع حينما تتحول مدينة مألوفة بطرقاتها إلى معركة مدمرة، بعد إنجابها بفترة قصيرة بما يكفي كي لا تشهد اللحظات الأولى لظهور أسنان ابنها، أو محاولاته العديدة للوقوف على قدميه. اختيرت لتغطية حرب العراق، وبعد سنوات خرجت لتحكي تجربتها والتي اختصرتها أن طفلها بات شابا بفوقها بقامته اليوم، لكن الحروب لم تتوقف حتى الآن. ما أريد قوله أن العمل في المجال الصحفي لا يعد قرارا صائبا إذا لم تكن المرأة موقنة أنها قد تخسر الكثير في سبيل مصلحة الجميع، وقد تكون مفقودة من الصورة التذكارية للحظات عائلية تحدث لمرة واحدة في العمر، أنه قد يبح صوتها لتعلي أصوات الغرباء من حولها، أنها قد تنسى أي الألوان أحب على قلبها وهي تعد تقريرا لعائلة كان بالإمكان أن تكون واحدة من أفرادها، وتتحول إلى رقم في إحصائيات وبيانات لا تلقي بالا لكونها إنسانا وله قصته. والأهم هو أن المرأة في الحقل الإعلامي ليس عليها أن تكون خارقة، لأن الخارقون يظهرون فقط في الأوقات التي ينادى عليهم، بينما الصحافيات الحقيقات لا يعرفن موعدا للنوم أو طعاما صحيا في أغلب الأحيان."
ثمّ وجّهت غندور الكلام مباشرا للزميلات المشاركات في الندوة قائلة: "إخواتي الإعلاميات! مهنتنا اصطلح على تسميتها مهنة المتاعب، أي أننا ساعة اخترناها هواية أو وظيفة نتاج دراسة مؤسسية فإننا وضعنا نصب أعيننا ما سنواجهه كما زميلنا في المهنة. وفي ظني أن متغيرات كثيرة حصلت بخصوص ما أحرزته الإعلامية من حضور وتواجد فعال محليا... عربيا... أما المتغير الكبير بل التحولات التي نعيشها اليوم فأنها تقدم في وجهها الإيجابي إعلاء لأهمية دور الإعلامي واحترام أدائه، إذ صارت كما صار ( تذكيرا وتأنيثا). في مواقع النزاع والتوتر والحروب في ليبيا عدد المراسلات 2011 يوازي عدد مراسلي الوكالات بل من أنجزن سيرة الحرب شابات صحفيات من أخبار الآن إلى قناة فرانس 24 كمثال فقط. اليوم حتى المتغيرات التي أتيحت للإعلامية على صعيد العمل في بعض مجالات الصحافة بإيميلها الخاص ألقى بظلاله على توفير الجهد والوقت لصالحها بيتا وعائلة قياسا بما سبق من بيروقراطية وظيفية. هناك بعض إضافات حياتية وفرتها سواء القبول والتقدير المجتمعي أو التقنية الميسرة للأداء الإعلامي والصحفي، طبعا بأمل أن نخرج من دائرة إعلام الحرب والنزاع، ولكني فقط أردت الإشارة إلى بروزهن ومثابرتهن إيمانا بما اخترن التصدي له عملا مفارقا كونه مع القاعدة وعلى الأرض استقرارا أو أوضاعا متقلبة وفي ذلك ما ينعكس على ما يمس خصوصيتها مرونة أو تعقيدا."
أما الأستاذة الثريا رمضان، تونس، فلقد اعتبرت أنه إذا كانت الصحافة مهنة المتاعب فإنّ الإعلامية ليست موظفة بدوام محدد مواصلة: "وبالتالي هي تختار إما تصوير حيوات الناس أو عيش حياتها. إنها غالبا ما تعتبر نفسها جزء من منظومة عامة وتنسى حياتها الخاصة، خصوصا إذا كانت من الصحفيات اللواتي يعتبرن مهنتهن مهمة إنسانية قبل كل شيء، يستنفذن فيها كل طاقاتهن، وبالتالي يصبح التوفيق بين الخاص والعام صعب بعض الشيء إن لم أقل صعبا جدا. المسألة ربما تكون مرتبطة بالضمير المهني القاضي بأن مكالمة هاتفية عند الفجر عن خبر تفجير أو حريق أو اغتيال أو إلى غير ذلك، تتطلب منها ترك المنزل على وجه السرعة لتغطية الحدث، وهنا تنسى أن لديها أسرة تنتظرها صباحا لتستيقظ وتبدأ النهار معها ولو بكلمة صباح الخير. جارتي صحفية في قسم الأخبار، في أغلب الأحيان لا أراها إلا وهي تنطلق مسرعة نحو عملها، أما الأطفال فغالبا ملتصقين بوالدهم طوال النهار وأحيانا بالليل. مهنة الإعلامية ليست سوى إحدى المهن التي تتطلب تفرغا كاملا تقريبا والعمل بضمير، فهنالك مهن أخرى أيضا تواجه فيها المرأة المتاعب نفسها كالطب والتمريض، لكن تبقى مهنة الإعلامية الأكثر خطورة من غيرها بسبب عدة عوامل تواجهها المرأة، من مخاطر في بؤر التوتر أو تهديدات بسبب فتح مواضيع معينة أو حتى بسبب بعض الذين لا يحترمونها كإنسانة قبل كل شيء، ويرونها مجرد أنثى تقدم البرامج، فتصير هدفا لاستفزازاتهم. هنالك أيضا مسألة مدى تفهم محيطها العائلي لعملها وعدم التدخل فيه خصوصا في حالات السفر أو العمل ليلا أو العمل الفجئي أو تناول الموضوعات الساخنة. إنه package كامل إما أن تمتلكه الإعلامية أو لا تمتلكه. إما أن تحارب من أجل الحفاظ عليه أو تصير كأي موظفة عادية تبدأ نهارها في مكتب خشبي على الساعة الثامنة لتنهيه عند انتهاء الدوام بالدخول فورا إلى المطبخ."
وتفاعلا مع ما جاء مسبقا من تدخلات، تقول غندور: "أتصور كما كثير من المهن والوظائف نجد المغامر المتمرد المفارق المبدع الفنان في أدائه تكتشف لمساته المحبة لعمله صغيره وكبيرة، كما سنجد التقليدي المنضبط الآلي المسطري المتربس في أفقه المحدود. طبعا ذلك لا يعني أنه لا يؤدي مهنته، ولكن السيرة والتاريخ وما يبقيان من أثر هما الفارق لذلك يسجل تاريخ المهن أسماء بعينها. أعتقد أن ذلك التميز هو نتاج تضحيات يتم تقديمها وفيها ما يمس الخصوصية بيتا وعائلة وعلاقة بالمحيط."
وفي الإطار نفسه قالت الثريا: "أعتقد أن المشكلة تكمن في مدى قدرة الإعلامية على التفرغ لأسرتها وحتى لنفسها دون الإخلال بعملها، أي الموازنة بين كليهما دون تشتّت."
وتواصل التفاعل مع غندور التي اقترحت عنوانا آخر قائلة: "ما يحعلنا نضع عنوانا كهذا : أنت ناجحة أنت تقدمين تضحيات في مجال كالإعلام مشرع الأبواب تجاه تحقيق السبق وأجواء المنافسة."
وعلى هذا الأساس أجابت الثريا: "العنوان تنقصه جملة: أنت ناجحة والأسرة يجب أن تكون ناجحة!"
فردّت غندور: "الوجوب وشرطه ستحمل وزره هي فقط، أما من عونٍ عائلة وزوجا ومحيطا! وهي من تعين وتتعاون مع كل هؤلاء!"
وتواصل النقاش إذ أجابت الثريا: "لم أقصد ذلك بتاتا، بل كنت أقصد قسطها هي أو منابها من الواجب الأسري. فلا يمكن أن تحمل كل المسؤولية فهي تتقاسمها مع الرجل بطبعها. وأنا ضدّ ان ترمى كل المسؤوليات على عاتق المرأة حتى جعلها مجرّد ماكينة أو روبوت. لكل واحد داخل الأسرة مسؤوليات وواجبات عليه القيام بها كي يستطيع الجميع أن يتعايشوا تحت سقف واحد بسلام."
تجيب غندور: "نجاح أو على الأقل ضمان استيعاب الدور الغعلامي لها من كافة الأطراف كفيل بتوفير مناخ مهيأ لإكمال مهمتها دون منغصات، وقصدت إكمال إذ أن عليها ذاتيا نهج جدية تبنيها لاشتراطات المهنة. دعيني أقول أن هناك من تلبي حاجاتها ولا معوقات تذكر في طريقها لكن عطاءها لا يمنح حقا للدفاع عنها."
وتعرض هنا الثريا تجربتها الخاصة قائلة: "من خلال تجربتي الخاصة ومعرفتي بإعلاميات ومن خلال ما عشته أنا بنفسي، أؤكد لك أن نسبة النجاح التام ضئيلة جدا. الأسرة مبنية على تعاون مشترك بين الأب والأم. إذا كان واحد فيهما غير متوفر فالتوازن سيتزعزع. وإذا كانت عقلية الرجل أنه على المرأة القيام بكل شيء من مسؤوليات منزلية وأسرية فسيؤول الأمر إلى ما هو أخطر وهو انهيار الأسرة معنويا. ولكنها أيضا مسألة استعداد نفسي، أنا عن نفسي لم أستطع التوفيق بين العمل المحدد بتوقيت معين وبين منزلي، سواء عندما كنت ملحقة صحفية أو رئيسة تحرير، وربما أكون عكس النساء "الطبيعيات"، ولذلك وجدت الحل في تبنّي العمل الحر الذي لا مواقيت محدّدة له، كي أوفّق بينه وبين أسرتي وبين إيجاد وقت للكتابة التي تحتاج أحيانا للتفرع التام، لكن على الأقل لدي وقت كاف لأهتم بنفسي وبأسرتي، إن حضور الملتقيات والندوات والسفر أحيانا يمثل بالنسبة إلي متعة أحتسبها شكلا من أشكال الفسحة وكسر الروتين لأعود إلى منزلي وأسرتي بروح جديدة، المهم عندي أن يبقى الأمر غير مرتبط بمواعيد صباحية يومية تثقل كاهلي وكاهل أسرتي."
كما تحدثت الأستاذة لبنى ياسين، سوريا، عن تجربتها الشخصية: "في مرحلة من حياتي كنت لا أستطيع الرد على الهاتف أثناء أيام الأسبوع وكانت صديقاتي يتجنبن الاتصال فيما عدا العطلة الأسبوعية لأن جدولي كان استيقاظ... عمل... فطور... إرسال البنتين للمدرسة... الذهاب إلى المجلة... العودة... تجهيز الغداء وغسل الصحون... قيلولة لمدة ساعة... تدريس البنتين حتى الليل... تجهيز العشاء... وضعهما في سريرهما... تنظيف البيت وتجهيز أولي لغذاء اليوم التالي... عمل عشاء لزوجي وبعد إرساله للنوم، السهر على كتابة الرواية أو الكتب التي نشرتها ثم النوم متأخرا والاستيقاظ مرة أخرى في السادسة صباحا."
تقول غندور معلّقة: "أنا مع عرض حالاتنا وأوضاعنا، هذه القصص والسيناريوهات تضع المبضع على الجرح وتعرفنا بأوضاعنا كعربيات في هذا المجال. قد نسمع صوتا يعلوا :لماذا تشقين أنفسكن أيتها الإعلاميات؟ ارتحن بالبيوت ونتقاسم مرتبنا لأجلكن، بل قد يصدح أحدهم: هذا خياركن لم نجبركن عليه!"
الأستاذة سوسن زكي، مصر، ترى المسألة من منظور عام، إذ تقول: "العمل الإعلامي له متابعه كسائر الأعمال الأخرى وتختلف المتاعب من مجال لآخر، فكل إعلامية عليها أن تكيف حياتها تبعا لطبيعة عملها. ولأنني صحفية لا أعاني من العمل الروتيني ففي كل يوم هناك جديد ومتعة فى الانفتاح على أفكار الآخرين رغم متاعبها الكثيرة التي تأتي من داخل مؤسسة العمل الصحفي ومن الزملاء والقيادات التي يتم اختيارها غالبا بعيدا عن الكفاءة. ومتاعب المرأة أكثر من الرجال فالغيرة بين الصحفيات تثير الأعصاب حين تتولى الأقل كفاءة منصبا، بالإضافة إلى السطو على الأفكار والاستهانة بالموضوعات الخاصة بقضايا المرأة، وهذا يؤثر سلبا على الحاله المزاجية للمرأة مما ينعكس على أسرتها وأداء واجبات منزلها إذا لم تتمسك بهدوء أعصابها وأن تترك كل ما يضايقها خارج باب شقتها. وفي رأيي فإن الصحفية محظوظة لأنها لا تلتزم بوقت الحضور والانصراف وبعض المؤسسات تكتفي بتوقيع واحد كما في مصر، وبهذا تستطيع القيام بعملها الميداني بما يتوافق مع حياتها الأسرية. وبشكل عام تستطيع الإعلامية التوفيق بين عملها وأعباء الأسرة بالتخطيط والدقيق والذكاء واستغلال وقتها بشكل جيد بحيث لا يجني العمل على مطالب الأسرة."
وفي تعقيب من كندري قالت: "قرأت جلّ المداخلات من الأخوات، وتأتي خلاصة الجدلية في كيفية ترسيخ وتقدير جهود الإعلامية مع استخدام المفردات المصاغة حسب ما تراها كل منكن من منظور واقعها الشخصي المرتبط بالشروط المجتمعية والمناخ الأسري الذي يشد على وتر تواجد وحضور المرأة الإعلامية كمثل غيرها بين العمل وواجباتها تجاه الأسرة، وذلك يتلخص في الأعباء من خدمات وتوزيع الذكاء الوجداني لترطيب الجو العائلي، وفي نفس الوقت هناك كف مسؤولية العمل موازية للمسؤولية الحياتية الأخرى، لذا نجد أن الإعلامية تحمل على ظهرها ملفات كثيرة وثقيلة الحمل أولها مسؤولية الكلمة التي تكتبها في عملها الصحفي أو تقولها في المرئي أو المسموع. ثانيا كيفية قبول وتعليقات المشاهدين أو القارئين وما ينعكس عن ذلك من فهم إيجابي أو سلبي. ثالثا التوافق بين إرضاء أفراد الأسرة وإرضاء مسؤولية المهنة. إن مهنة الإعلام تختلف تماماً عن المهن الاخرى فهي تتفوق بعطاء غزير وبصمة تاريخية صلبة لذا لا تقارن بأي من المهن الأخرى. إن الإعلامية مميزة بكيفية إثراء شخصيتها بالتوازن والاختزال لكي تلعب دورين في وقت واحد لذا فهي تمتلك كاريزما فريدة."
الأستاذة نرجس بدير، تونس، وهي من الإعلاميات اللواتي كن اقترحن هذا الموضوع منذ مدة، تقول: "مرحبا بكن عزيزاتي، إن مهنة الإعلامية هي فعلا مهنة المتاعب والتضحيات الجسيمة وتتطلب فعلا ضرورة التوفيق بين العمل والمنزل. سأتكلم عن تحربتي الخاصة: في السنوات الأولى لولوجي عالم الصحافة ضحيت كثيرا من أجل بيتي على حساب مهنتي من ذلك مثلا رفض السفر إلى الخارج لتغطية المؤتمرات الدولية وغيرها من التظاهرات التي تستوجب تنقلي، وفي المقابل كان زوجي يعمل طول الوقت ويكمل دراسته إلى أن أصبح خبيرا دوليا. خلال السنوات الأخيرة اكتشفت أنني كنت مخطئة ولذلك بدأت التمرد على واقعي وبدأت التفكير في شغلي لأنه يحقق ذاتي وطموحاتي وسعادتي. أبنائي كبروا وبدأوا في تحمل مسؤولياتهم، صحيح الآن يتذمرون بأني غير موجودة كل الوقت معهم فأنا أشتغل حتى في الأعياد، ولكن أنا أحقق ذاتي، شغلي ومهنتي التي أعشقها مع سعيي لأن أوفق في بيتي، لذلك أدعو كافة زميلاتي بأن لا ينسين حالهن، يجب التوفيق بين الشغل والبيت."
الأستاذة أسيل العلائلي، واشنطن، تستنكر المسألة في علاقتها مع المرأة فقط، إذ تقول: "هل سمعتم الرجال يتناقشون أو يطرح عليهم موضوع كيفية التوفيق بين عملهم و حياتهم الشخصية يوما!!! عندما يحصل ذلك نكون قد بدأنا في معالجة جذور هذا الموضوع الشائك. فجزء كبير من عدم إمكانية المرأة العاملة في التوفيق بين عملها وحياتها الشخصية هو كثرة المسؤوليات والمهام العائلية الملقاة على عاتقها دون مشاركة تذكر من الرجل سواء كان الأب أو الأخ أو الابن أو الزوج. أيضا عندما يتاح للمرأة العاملة الفرصة للوصول إلى مراكز القرار والمناصب العليا في مجال عملها يبدأ التغيير الفعلي في المجتمع، سواء من نتاج نجاحاتها في عملها أو من خلال تشكيل صورة نمطية جديدة للمرأة كفرد فعال في المجتمع قادر على إحداث التغيير، فإن المرأة أكثر إدراكا من الرجل بالمشاكل التي تعيق توفيقها بين عملها وحياتها العائلية والخاصة، ومن موقعها القيادي تستطيع تحديث وسن قوانين جديدة للعمل تساهم في تحسين ظروف وبيئة العمل للمرأة العاملة وللعائلة. هذا لا يعني إغفال موضوع مساهمة الشركات المعنية و الإدارات الرسمية للدول في إحداث هذا التغيير الفعّال. وحتى ذلك الوقت، فإن المرأة العاملة متروكة لتواجه التحديات بجهدها الشخصي وتصارع لكي تثبت نفسها في معترك العمل دون المساومة كثيرا على حياتها الشخصية."
وتعود غندور للحديث عن المرأة بشكل عام: "عبر التاريخ والحضارات ساعة خرج الرجل متنقلا للصيد وبحثا عن الكلأ والمرعى كانت المرأة مؤسسة الاستقرار تزرع الأرض وتحمل رضيعها رحما أو متعلقا بجسدها، تقود اقتصاد بيتها وتدافع عنه كما تستقبل ضيفها كائنا من كان. لاحقا مع ما حصل من متغيرات التقدم الصناعي أو الحروب البشعة ما ساهم في خلخلة مكتسباتها السابقة وأدوارها الرئيسية في العمل واقتصاد مجتمعها. في يومنا هذا ليس لنا أن ننكر جهودا كبيرة حققت مكتسبات للنساء على صعيد ضغط المنظمات الدولية المعنية والقرارات المتلاحقة من عهود ومواثيق...إلخ هذا من جهة. محليا وفي أكثر من دولة عربية تناضل النساء وتحقق نقاطا لصالحها وهذا جزء مما عليها السير باتجاهه دون كلل. في ليبيا مثلا رغم ما شاع من بروباغندا عالية الصوت لتحرير المرأة كان تواجدها الإعلامي قليل ومحدود ومرتبط بحظوظ وفيرة للعاصمة مراسلة أو محاورة. اليوم مدن أطراف خرجت بإعلامها المحلي (شرق وغرب وجنوب البلاد) إعلاميات رغم ظروف التوتر والنزاع وهن أيضا يناضلن في مواجهة مجتمع له صورته النمطية والمحافظة."
وفي ردّ على غندور تقول العلائلي: "طبعا فاطمة وأنت الأخبر في التاريخ والفلكلور فالمرأة كانت تلعب دورا فعالا في اقتصاد مجتمعاتها منذ فترة طويلة. وأما بالنسبة إلى الإعلامية على وجه التحديد، فهي بطبيعة عملها تلعب دورا مهما في التأثير في المجتمع وهذا ما يميزها عن باقي النساء العاملات وما يجعلها قيادية في إحداث التغيير والتنوير في المجتمع على صعيد تحسين ظروف المرأة بشكل عام والمرأة العاملة بشكل خاص. لذلك عندما تصارع وتجاهد الإعلامية وتثبت دورها ومكانتها في عملها وتسعى لترتقي إلى مناصب قيادية ومهمات أكثر تحدي فهي لا ترفع من شأنها وتحقق ذاتها فحسب، بل تمهد الطريق لجميع النساء والفتيات في المجتمع اللواتي ينظرن لها كقدوة."
الأستاذة حنان دقة، لبنان، تتحدث عن تجربتها الشخصية قائلة: "بالنسبة إلي، أنا منتجة ومخرجة وكاتبة مقيمة في واشنطن. إدراكي لحجم العبء والتحديات التي تواجه المرأة عموما تبلور بعد انتقالي لأمريكا ودخولي عالم الأمومة مما حفزني بقوة للتركيز على قضايا المرأة وتحليلها بعمق."
ومن جهتها، تحدثت الأستاذة ميس أورفه لي، سوريا، في الإطار نفسه فقالت: "أجمل ما في الوجود الأمومة، أنا أيضا منتجة ومستشارة إعلامية و كاتبة صحفية أدركت حجم الأعباء والتحديات التي تواجه المرأة بعد دخولي عالم الأمومة لكن بقدر التعب بقدر ما نفرح بإنجازاتنا ونستحق الفرح، يليق بنا نحن الإعلاميات."
وتتفاعل معها دقة إذ تقول: "متعتي بعالم الأمومة كإعلامية كانت حافزا لأن ادافع عن هذا الدور الخلاق وعن ضرورة وجود مناخ خاص يضمن للمرأة أن تمارس دورها كأم وكمبدعة، لكن الواقع بعيد عن فهم المرأة."
الأستاذة حنان كرامي، المملكة المغربية، تحدّثت بشكل مختلف تماما في مداخلتها، إذ قالت: "مازال موضوع خروج المرأة للعمل وكيف توازن بين بيتها وعملها يسود المجتمعات العربية، وما بالك حينما نتحدث عن مهمة المرأة الاعلامية التي تعد في نظر الجميع مهنة المتاعب والتضحيات وتتطلب فعلا ضرورة التوفيق بين العمل والمنزل. تتضارب الأفكار وتتجادل الآراء في موضوع المرأة والتوافق بين العمل والبيت، هناك من يعتبر أن خروج المرأة للعمل هو خروج عن تعاليم الدين، والبعض الآخر يؤيد خروجها للعمل ويعتبر أن العمل مؤثر أصيل في تنمية شخصية المرأة وحصولها على حقوقها الضائعة واحتلالها لمكانتها اللائقة. لا يخفى على أحد أن البيت للمرأة بصفة عامة هو من الأولويات ودورها لا يقل أهمية عن دور الرجل خارجه، فالمرأة بشكل عام هي للبيت، والعمل بالنسبة لها استثناء وهو في نفس الوقت يناسبها في فترة من العمر ويجدر بها التوقف للتفرغ بشؤون بيتها وأبنائها وزوجها. إن المرأة العاملة تواجه تحديا كبيرا لأن عليها أن توازن بين عملها ومنزلها بحيث لا تقصر في أي منهما، ولتحقيق هذا التوازن يحتاج الأمر إلى عزيمة وتنظيم للوقت، خاصة أنه لابد على الأم العاملة أن تقضي وقتًا كافيًا مع أبنائها لتراعيهم وتلاحظهم وتمنحهم الشعور بالأمان. ولابد أن تدرك المرأة أن مسؤوليتها الأولى التي ستسأل عنها بين يدي رب العالمين هي دورها كزوجة وكأم، "فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وعند تقصير المرأة العاملة عن البيت وواجباتها العائلية، فمن الطبيعي أن يسود البيت جو مشحون بالتوتر واللوم، هذا التقصير يؤدي في بعض الأحيان إلى مرارة العيش بين الزوج والزوجة. لا ننكر أن هناك نماذج نساء استطعن وهذا بشهادة الجميع أن يحققن توازن الكفتين دون أن ترجح إحداهما على الأخرى لأن المرأة فعلا قادرة على صنع المستحيل، وبالمقابل نجد نساء حياتهن المهنية أثرت على حياتهن الخاصة لأسباب عديدة ربما تعود لصعوبة عملها كإعلامية وهذا البروز في حد ذاته يعود عليها بالسلبي في نظرة الزوج والأسرة ناهيك عن المجتمع، لأن العمل كإعلامية لا يحترم الوقت ولا يراعي المسؤوليات الأسرية في بعض الأحيان، إضافة إلى جانب السفر والتنقلات من أجل الحصول على المعلومة وتنوير الرأي العام. وبالنسبة إلى المرأة عامة، فإن التوازن يعتمد بالدرجة الأولى على شخصية الفرد نفسه بغض النظر عن مهامه أو جنسيته أو ثقافته، لأن هناك نساء قادرات على القيام بأدوارهن على أكمل وجه وإن كن يعانين من ضغوطات تعيق من تأدية الدور بشكل مناسب. إن امتلكت المرأة المقومات اللازمة التي تمكنها من النجاج ومن التوافق بين المهمتين فهي حتما ستنجح ومن أهم هذه الأسلحة قوة الشخصية – القدرة على إدارة الوقت – تحديد ومعرفة الأولويات بين البيت والمهنة، وأن تعطي لكل ذي حق حقه، وبالتالي ستكون حتما قادرة على التوافق بين المهمتين. في هذه الندوة المؤطرة من قبل الإعلاميات العربيات، لابد ان ندخل الزوج لأنه نصف النجاح في توافق الزوجة بين عملها وبيتها، لأن هناك بعض الرجال لا يقبلون عمل الزوجة بغض النظر عن أي اعتبارات، والبعض الآخر يقبل فكرة عملها شريطة ألا يؤتر هذا العمل على البيت والأبناء، وهناك صنف آخر يقبل بالفكرة من أجل أن تساعده الزوجه في مصاريف البيت، ومن هم من هو على قناعة بأن زوجته قادرة فعلا على التوازن بين الأمرين ولن تكون هناك كفة ثقيلة وأخرى خفيفة. يتضح لي أن حديثنا في هذا الموضوع تختلف فيه وجهات النظر وتتداخل فيه مجموعة من الأطراف: المرأة العاملة، العمل، الزوج ، الأبناء، المسؤولية على اختلافها، وربما نغيب فيها أهم طرف وهو نفسية المرأة وصحتها وتضحيتها مقابل العمل في حد ذاته وفكرها و مساعدتها ماديا في الجانب الأسري. فتحية لكل الصحفيات والإعلاميات وتحية لكل النساء."
وتقول العلائلي مجيبة على مداخلة كرامي: "عزيزتي حنان، المرأة العاملة التي تصفين بأنها قادرة أن توازن الكفتين بين العمل وحياتها الخاصة هي المرأة الخارقة! لا أنكر أن العديد من النساء العاملات يعملن أكثر من طاقتهن وينجحن على كثير من الأصعدة و لكن على حساب صحتهن أو حساب بعض الأمور التي وددن أن تكون من أولوياتهن لو سنحت الظروف. أولا علينا أن ندرك مدى خطورة ودقة وحساسية ما نقوله في هذا الموضوع ومن ثم يجب أن نبدأ بالحوار عن ظلمنا نحن النساء بحق أنفسنا أولا وظلم المجتمع لنا ثانيا، حيث أننا نقبل بتحمل أكثر من طاقتنا ونعتبره أمرا "طبيعيا" لأننا نريد أن نحقق ذواتنا بالإضافة لإعالة أنفسنا والعائلة أيضا، ونريد أن يكون لدينا حياة شخصية واجتماعية وأن نكوّن عائلة. بينما الرجل لا يتوقع منه أن يلعب دورا كبيرا في تحمل مسؤوليات العائلة، ولا يحاسب نفسه ولا يحاسبه المجتمع على تقصيره تجاه عائلته كما يحاسب المرأة. وأنا لا أوافقك الرأي بأن المرأة هي للبيت بشكل عام ولا أنه يجدر بها أن تتوقف على العمل في وقت من الأوقات أو أنه هناك عمر أو مدة زمنية محددة فقط تناسب المرأة للعمل فيها. هذا التمييز الجندري وربط إنتاجية العمل بسن معين للمرأة خطير جدا، فالمرأة قادرة على الإنتاج لطالما رغبت وسمحت لها صحتها وظروفها حالها حال الرجل. المرأة في كثير من الأحيان في واقعنا هذا تعيل العائلة ودخلها هو الدخل الأساسي للمنزل. فإذا عززنا هذه النظرة التي مازالت سائدة في معظم المجتمعات العربية بأن المرأة يجب أن تبقى في البيت في فترات معينة من عمرها، فذلك سينعكس سلبا ليس فقط على المرأة وطموحاتها ونفسيتها بل على ظروف العائلة المادية والاجتماعية أيضا. أما بالنسبة إلى الأولويات، فالأجدر أن نوعي ونربي أولادنا الصبيان بأن البيت والعائلة ومسؤولياتها هم أيضا من أولوياتهم، و نعلمهم المشاركة والتعاون في العمل المنزلي. وأيضا الأجدر أن نربي فتياتنا على أن تحقيق الذات من خلال العمل والاستقلال المادي والمعنوي مهم جدا لتكوين الذات وليصبحن مواطنات فاعلات ومنتجات وقادرات على التغيير في المجتمع."
وحسب دقّة، فإنّ "فكرة المرأة الخارقة فكرة ظالمة وباطلة."
وفي ختام الندوة كان من الجميل أن تلقي مريم البتول الكندري كلمة تشجيعية لكل المشاركات، قالت فيها: "أشكركن جزيل الشكر الأخوات الزميلات الفضليات، أشيد بكن وأريد أن تكون كل واحدة منا قوية وعصامية مع نظرة إلى الأمام، لا ترجعن للوراء! انظرن إلى الأعلى بجدية وشفافية تامة. هيا بنا ولنكن إعلاميات قويات مبدعات و مثالا أعلى للجيل الإعلامي القادم. إن الحاضر يطالبنا بالصمود والعطاء وخاصة أنّ ظروف الوطن العربي مزرية جداً ولكن المستقبل سيكون جميل بنا never give up! حاولن المستحيل، طمس الماضي السيء وهييا نعمل على ملفات جديدة غنية بالمعرفة والتطور وذاك لن يتحقق إلا بالقراءة المستمرة وهكذا سيكون إبداعنا ثابتا متألقا. إلى العلا!"