غزا المرض أجساد الناس، وصار من الصعب أن يمر يوم دون أن تسمع ألسنا تئن من الوهن والضعف، وتشكو من عدم القدرة على تحمل تبعات العلاج حتى الشفاء ماديا ومعنويا.
في مختلف وسائل المواصلات، أناس يحملون بأيديهم ملفات طبية في تردد على عيادات أطبائهم، في الشوارع العامة، أشخاص يعبرون الطريق شكلهم العام يقول أنهم متعبون منهكون يعانون، وحاجتهم للراحة والامتثال لأوامر طبيبهم المعالج لحالاتهم المرضية إلزامي وواجب..
مشاهد واقعية كثيرة تبعث على الشفقة أحيانا، وعلى الفضول أحيانا أخرى لمعرفة خبايا ما يتخبط فيه إنسان هذا العصر، لتتناسل بعمق كل فرد منا تساؤلات عدة أبرزها:
ما السر في انتشار كل هذه الأمراض في عصرنا وبهذا الشكل المفزع؟
لماذا صار المرض جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للأسر والعائلات، يخصص له نصيب لايستهان به من ميزانية الأسرة بعدما كان في السابق حدثا عرضيا يحضر لبعض الوقت ويغيب في باقي الأوقات؟
لماذا أصبحت الأمراض المزمنة تفرض نفسها في مجتمعاتنا ولم تترك بيتا إلا و قد استقرت في أبدان بعض من أهله ؟
من المستحيل أن لا يزور المرض جسم إنسان، غير أن إمكانية التشافي والتداوي واردة جدا، إذا ما اتبع المريض نصائح طبيبه، وتفانى في الالتزام بها دون تقصير أو كسل، وإذا ما التجأ للعلاج من المرض في مراحله الأولى، أيا كانت طبيعة هذا الأخير وأعراضه.
يتقبل بعض الناس أمراضهم وإصاباتهم، ويتعايشون معها بشكل عادي في رضا نسبي، ويجد آخرون صعوبة في ذلك، إما لضعف في ايمانهم، أو لحدة تأثير المرض على صحتهم حيث لا يقوون على التحمل بالصورة المطلوبة، أو لقلة ذات اليد التي تكرههم على البقاء خارج دائرة التطبيب والتداوي، لأنهم لا يملكون المال لمواجهة أنواع الحميات المفروضة إلى جانب تسديد المصاريف الواجبة للعلاج.
فهؤلاء إن اختلفوا في هذه النقط، فإنهم يتفقون جميعا كمرضى في حاجتهم لمن يرفع معنوياتهم ويقويهم، ويأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، إذ أن الاصابة بالمرض في اعتقادهم تعني الموت، والحقيقة أنه في بعض الحالات يكون السبب في الوفاة، إلا أنه ليس دائما وأبدا، بل إن بلوغ الأجل المحتوم بإذن من رب العالمين، هو ما ينهي حياة الناس عموما.
المقلق في الحياة الإجتماعية المعاصرة، هو أن الناس باتوا يتراجعون عن واجب عيادة المريض، والذي يعد من الآداب السامية التي حث عليها الإسلام، وجعلها حقا من حقوق المسلم على أخيه، مرة بحجة عدم العلم وضيق الوقت وعدم التفرغ، ومرات تحت طائلة مبررات أخرى واهية، الشيء الذي يضاعف معاناة المرضى النفسية، والذين صرنا نسمع شكاويهم ولومهم وعتاباتهم من فوق أسرة المرض.
فلو يعلم الناس منافع زيارة المريض دنويا وأخرويا ماكانوا ليتركوها أو يخففوا من أدائها، ولو يعلم الناس حاجة المرضى المعنوية لغيرهم في تلك اللحظات العصيبة، لسارعوا الواحد تلو الآخر للتقليص من حدتها، فالمريض لا يريد منك شيئا ماديا تحمله إليه، بقدر ما يكون مهتما بأن تأتي إليه لتجالسه وتنسيه آلامه وأوجاعه لبعض الوقت، تذكره بلحظات جميلة تقاسمتموها، وبضحكات بريئة ضحكتموها، يسترجع من خلالها أنفاسه ويجدد بها طاقته وهو في مرحلة النقاهة أو في أعلى درجات المرض.
لعل من أبشع صور عيادة المريض في مجتمعاتنا، هي تلك التي تغلفها المصالح والرغبات، وتطبعها الحزبية والنخبوية والفئوية على حساب العلاقات الإنسانية السليمة و النبيلة، فترسخ للعنصرية والتمييز، وتخلف آثارا سلبية بعيدة كل البعد عن القيم المثلى والمبادىء السمحة، قريبة كل القرب من الانتهازية والتملق والتمييع، كأن يجتمع الناس لعيادة فلان ذو المال والجاه، وفلان ذو المنصب السامي، ويغضون الطرف عن فلان البسيط الذي لا مصلحة تقضى من ورائه، ويتجاهلونه تماما حتى ولو كان من أقرب إلمقربين إليهم، ولكنه في تصورهم لا ينفع في شيء.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال : حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ : قِيلَ : مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَه،ُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْه، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْه.
أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجة.