للمرة الأولى منذ أربع سنوات ينخفض عدد عقود الزواج بمصر وسط تغيرات في ثقافة الفتيات أزاحت فكرة الارتباط من مقدمة القضايا ذات الأولوية لديهن، وما زاد من المخاوف اتجاه الحكومة إلى سياسة جديدة تسعى إلى تأخير سن الزواج لمنع تفاقم الزيادة السكانية.
وأوضح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهاز حكومي)، في إحصائية جديدة له تراجع عدد عقود الزواج الرسمية بنسبة 3 بالمئة في العام الماضي، والنسبة الأعلى في الزواج كانت بين الحاصلين على شهادة متوسطة بينما انخفضت النسبة بشكل ملحوظ بين حاملي المؤهلات العليا.
قالت سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن قضية الزواج لم تعد تمثل الأولوية للفتيات حاليا، وأنهن أصبحن أكثر تركيزا على التعليم والعمل، علاوة على حالة الشك التي باتت تصيب كلا من الجنسين في الطرف الآخر وإمكانية تحمله لمسؤولية الحياة الزوجية أو تغير السلوك للأسوأ بعد الزواج.
وأكدت أن وسائل التواصل الاجتماعي، بتركيزها على مشكلات الزواج وأحوال المتزوجين وحالات الطلاق، ساهمت في خلق حالة من التخوف، يضاف إليها تغير التركيبة الثقافية للمجتمع ذاته ما جعل كل طرف يعتد برأيه، حتى وصل الأمر إلى أن بعض “الخِطبات” انتهت قبل موعد الزفاف بأيام جراء الخلاف بين العروسين على أسباب تافهة، مثل مكان وضع لوحة أو صورة في غرفة النوم. تغيرت الأنماط الثقافية لدى الأسر المصرية فأصبح يسيطر عليها الطمع، وباتت تغالي في مطالبها المالية حتى لو وصلت البنت إلى سن العنوسة، وانتشرت "ثقافة التمسك بالمظاهر" في المجتمع المصري والتي تحول دون ارتباط الطبقات الاجتماعية بعضها ببعض، ورفض بدء الحياة الزوجية بإمكانيات ضعيفة.
أمام تشدد الأسر في متطلبات الزواج والأوضاع الاقتصادية الصعبة والقوانين التي تحول دون ارتباط الفتاة في سن تقل عن 18 عاما، تحوّل الزواج العرفي (الذي يطلق عليه في مصر “التصادق العرفي”) إلى وسيلة للارتباط، رغم خطورته في ما يتعلق بإثبات حقوق المرأة وإثبات نسب أبنائها.
كالمعتاد تجنب جهاز “التعبئة والإحصاء” التطرق في إحصائياته لعامي 2015 و2016 إلى معدلات الزواج العرفي التي يتم توثيقها، والتي ارتفعت في آخر إحصائية لعام 2014 بنسبة 9.2 بالمئة.
وقالت سميحة نصر أستاذة علم النفس ورئيسة شعبة الجريمة والسياسة الجنائية والاجتماعية بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة، إن السبب وراء عدم إعلان حالات الزواج العرفي للعام الحالي يتعلق بأسباب أمنية، والرغبة في الحفاظ على سمعة المجتمع المصري.
وأضافت أن الأعوام السابقة شهدت حالة من الجدل حول معدلات الزواج العرفي، ما أدى إلى اعتبار نشر أرقامه إساءة لسمعة الفتيات بمصر، ولا يمكن التطرق إلى هذا النوع من الزواج بمعزل عن قضية “الاتجار بالنساء”، كما أنه يضيع حقوق المرأة، مثله مثل زواج المسيار، والزواج السياحي، وزواج القاصرات.
وأشارت نصر إلى إن الزواج العرفي مرتبط بالسرية في المقام الأول، ومن ثم فإن حصره في أرقام يبدو مخالفا للمنطق، وأن تراجع معدل الزواج خلال 2016 طبيعي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المصريون، والمتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة، وفي أسعار الشقق السكنية، ولوازم تجهيز الشقق الزوجية.
كانت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بمصر قد قضت بإلزام الحكومة بقيد أبناء الزواج العرفي واستخراج شهادات ميلاد لهم، وأكدت في حكمها أن عقد الزواج العرفي يعد سندا لإصدار وثيقة ميلاد للطفل مثبتا فيها اسمه منسوبا للزوج في ذات العقد.
الحكومة المصرية فكرت في مطلع العام الحالي في رفع رسوم إتمام الزواج لتصل إلى قرابة 400 دولار، لكنها تراجعت عن قرارها خوفا من الغضب الشعبي، خصوصا في ظل ارتفاع مستلزمات تأثيث منزل الزوجية بعد تعويم الجنيه.
وأكد وزير الصحة أحمد عماد، في مؤتمر الشباب الذي عقد بالإسكندرية مؤخرا بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي أن الحكومة تسعى لأن تحفز كل الأسر بناتهن على استكمال مرحلة التعليم الثانوي بأي وسيلة لأن على المرأة أن تتعلم وتعمل، ما سيؤدي بالتبعية إلى تأخير مرحلة الزواج، وبالتالي تقليل الإنجاب.
وقال الرئيس السيسي، خلال المؤتمر ذاته، إن الإرهاب والزيادة السكانية هما أكبر خطرين تواجههما مصر، معتبرا أن التزايد السكاني يقلل فرص التقدم، وطالب كل مصري بالتفكير قبل الإنجاب في مدى قدرته على الإنفاق على أولاده.
وطالبت النائبة غادة عجمي، عضو مجلس النواب عن ائتلاف “دعم مصر” (المؤيد للحكومة)، برفع سن الزواج لدى الفتيات إلى 21 سنة (بدلا من 18 عاما) حتى تستطيع الفتاة أن تكون صاحبة قرار وقادرة على تحمل المسؤولية، بجانب توفير وسائل منع الحمل بشكل مجاني ومحفزات للأسر الملتزمة.
في المقابل، يقول خبراء علم الاجتماع إن مساعي الحكومة لرفع سن الزواج وتعليم المرأة لتأخير الإنجاب ستصطدم بالتقاليد الراسخة التي تعتبر زواج البنت نوعا من “السّتر” لها، حتى أن بعض الأسر لا تزال حتى الآن تستخرج شهادة وفاة لبناتها ثم تدعي عدم تسجيلهن في كشوف المواليد كي يعاد تسجيلهن مجددا، وذلك للتلاعب بأعمارهن الحقيقية لتزويجهن مبكرا (وهو ما يعرف في مصر بالتسنين).
وأشارت عجمي إلى ضرورة وجود حملة للتوعية لدى المواطنين بمخاطر الزواج المبكر، بجانب تعديل القانون لرفع سن الزواج لدى الفتيات، وشددت على أنها تؤيد مساعي الحكومة لرفع سن الزواج وزيادة تعليم الفتيات لمواجهة المشكلة السكانية التي تضر الاقتصاد وتلتهم معدلات النمو والتنمية.
بينما تنظر الكثير من الأطراف الرسمية بمصر إلى تراجع معدل الزواج بالمزيد من الارتياح لأنها ترى أن الزواج المبكر يعني المزيد من الإنجاب، فإن الحسبة مختلفة عند خبراء الاجتماع، ويرون أنه يمكن تحقيق الهدفين معا، أي الحفاظ على معدلات الزواج وفي الوقت نفسه تأهيل الأزواج والزوجات لتقبل ثقافة إنجاب الطفل الواحد.