جاءني سؤال احترت كثيراً قبل الإجابة عنه، لم يكن سؤالاً بالتحديد، كانت جملة استعجاب أو إعجاب لا أدري: "أفنان أنتِ من أقوى البنات التي رأيتهن".. ابتسمت وقتها ليس لفرحتي بما قرأت، ولكن لأنني أعلم نفسي جيداً بما فيه الكفاية؛ لأرى أن هذا الرأي وراءه الكثير من الأشياء الخفية التي لا تظهر لأحد.
أنا أفقد قوتي وأنهار وأشهق ألماً وأبكي حتى تذوب روحي بأكملها.. أجلس وحيدة وأبكي وأناجي الله وحدي، وأفقد الأمل وأسترده، وتعصف بي الأفكار والخواطر، لكنني أختار في النهاية الوقوف مجدداً؛ لأني لم أعتَد الضعف أو الاستكانة أو الاستسلام.
لم أحبّذ فكرة الردّ على هذه الجملة في سطرين مبتذلين لن يعبّرا عما بداخلي تجاه الأمر.. رأيت أن أخرج ما في جعبتي تجاه هذا الأمر لأتمكن من ترسيخه جيداً بداخلي وربما نقل الصورة لغيري لربما عانى منها آخرون.
تعرضت لمواقف كثيرة تميزت بشدتها وصعوبتها نفسياً قبل أن تكون جسدياً أو اجتماعياً.. كان الظاهر للغير أنني قوية للغاية متحملة للأمر كله من دون شك!
لكن الباطن بداخلي كان مختلفاً تماماً.. لقد تجرعت من بكاء الروح مرات ومرات.. وبحثت حولي عن مخرج وملجأ فلم أجد غير الله ملجأ ومعيناً ومؤنساً في كل صعب مررت به.
قبل أن نصف أحدهم بالقوة علينا أن ننظر نظرة أعمق لما عليه هذا الشخص، قبل أن يظهر بالقوة تلك ماذا حدث له؟ عليّ أن أعترف أن الأمر لا يأتي بسبب قوة أحدهم الذاتية أو قدرته بل بعون من الله وحده ولطف منه، بجانب ذلك كثرة المواقف التي يتعرض لها الإنسان تجعله يتقبل أي شيء بعد ذلك فقد مر بما هو أسوأ من قبل.
حدثت نفسي كثيراً في بعض المواقف أني لا! لن أستطيع تحمّل هذا الأمر وربما حدثت به إحدى صديقاتي أيضاً في أثناء بكائي معها، لكن شيئاً صغيراً بداخلي ربما هو شيء من نفحة الله بداخلنا كان يحدثني دائماً أنني سأستطيع، كيف؟ لا أعلم وهذا ما كان يقودني للجنون أحياناً!
يا الله أنا أعلم نفسي جيداً، أنا لن أتحمل هذا الأمر يا الله لا تحملني ما لا طاقة لي به، لكن الإنسان دائماً نظرته دونية وقاصرة.
أنت لا تعلم ما يمكنك تحمّله، ولا تعلم ما سيعود عليك مما تعاني منه الآن أو ما ستعاني منه مستقبلاً.
حقاً نحن لا نعلم أي شيء، حساباتنا الدنيوية فاسدة للغاية ولا توافق تقدير وتدبير الله لنا.
لطف الله بنا يسع السماء والأرض، أدركت أن القوة الحقيقية للفرد تأتي من فوق..من الله ليس من نفسه.. في لحظات أشعر أنني ضعيفة للغاية بداخلي ومن خارجي أظهر قوية لغيري.. وحده الله يمنحني القوة الداخلية.. وأحياناً أشعر أنني قوية وأنظر لمن حولي باستغراب ثم أتأمل نفسي.. من أين أتيت بهذه القوة على عكس مَن حولي؟
هذا الأمر استغرق مني الكثير من التجارب لإدراكه.. الكثير من الفقد والألم لأدرك جيداً أنني قوية متى أراد الله لي ذلك وأردت ذلك، وأنني عندما أضعف فهذا أمر بشري وسيمنحني الله من قوته متى شاء.. فكما منحنا المحنة سيمنحنا القوة على تخطيها.
أحياناً تؤتى القوة من حيث لا تدري.. وأحياناً كثيرة يتملكك الضعف فلا ترى منه بداً ولا تدري كيف تخرج منه؟
الابتلاء والألم والفقد ليس اختباراً لقوتك.. الإنسان ليس له قوة ذاتية يستمد منها أو قوة تزيد وتنقص، بل الابتلاء هو اختبار قدرتك على الاستعانة بالله فيما ابتليت فيه وقدرتك على الصبر وكيف ستسخر ما أعطاه الله لك من قوة أو كيف تبدل ما أصابك من ضعف إلى تذلل إليه.
القوة من القوي المتين.. الفرع من الأصل.
لذلك عندما أتساءل عن قوة أحدهم على التحمل.. أفكر في القوة العظيمة التي أمده الله بها.
أكثر ما يدهشني في النفس البشرية أن القوة والضعف غير مرئيين.. ليس في كل الأوقات على الأقل.. يمكنك أن تجلس بجوار أحدهم.. يظهر لك كامل القوة والاتزان وهو بداخله بركان ثائر وخائر القوى لا يقدر على شيء.. وفي أحيان أخرى أرى في أحلك المواقف قوة لا توصف من أحدهم حولي.
كنت دائماً ما أدعم كلمة "السترونج إندبندنت" التي يتناولها البعض مؤخراً حقيقة وربما أحياناً بسخرية، شعرت في الكثير من الأوقات حقاً أنني "سترونج وإندبندنت" ولكنني لم أكن أعرف ما سر هذا الأمر؟ ولماذا لا أكون كذلك دائماً؟ ليس لأي شيء إلا لأن الأمر حقاً غير مرهون بإرادتك فقط الأمر يتطلب عوناً أكبر بكثير من مجرد إرادة إنسانية.
أجلس الآن.. أتذكر ما حدث من صعوبات سابقة مرت.. أكاد لا أصدق أنها انتهت.. لا أعلم ماذا تحمل لي الأيام القادمة.. لكنني أعلم جيداً من يحملها لي.. أعلم أنه كما أمدني بتحمل ما حدث سيمدني بذلك أيضاً حينها.
لن نقدر الأوقات الجيدة حقاً إلا عندما نمر بالصعب منها.
عليّ الاعتراف بأنني بدأت هذا المقال بشعور وأنهيته بشعور مختلف تماماً عن بدايته.. ويعتبر هذا المقال قريباً إلى قلبي لأنني بدأته في وقت عايشت فيه أحداثاً بعينها وظللت أضيف فيه وأنقص منه بقدر بناء على هذه الأحداث.. وأنهيته بعد انتهائها.
هو أقرب ما يكون لديّ لقصة عايشتها..كل فقرة مبنية على مشهد مررت به حقيقة واستخلصت منه ما يؤيد ما أكتب.
ربما يبدو صغيراً عن أي شيء كتبته قبل ذلك، لكنه أخذ من داخلي ما لم يأخذه غيره؛ لأنه في النهاية أوصلني لشيء بحثت عنه بداخلى مطولاً.. "سر السترونج إندبندنت".