أثارت الكاتبة المصرية نوال السعداوي من مدينة طنجة (شمال المغرب)، نقاشاً حاداً بين "جبهتين"؛ الأولى تتفق مع آرائها وتدافع عنها، والثانية رافضة منذ البداية لمواقفها وأفكارها وتختلف معها بشكل من الأشكال.
وأحيت الناشطة النسائية المثيرة للجدل، في لقاء مفتوح بمهرجان ثويزا (يعني التعاون بالأمازيغية) بطنجة، النقاش القديم الجديد في المغرب حول المساواة في الإرث بين المرأة والرجل.
هذا الموضوع بالضبط، الذي جاء في خضم النقاش الذي تعيشه الجارة تونس بعد انتصار أعلى سلطة في البلاد لدعاة المساواة في الإرث، مازالت أصداؤه مستمرة إلى الآن على مواقع التواصل الاجتماعي، مع العلم أن المغرب عرف عام 2015 سجالاً كبيراً، بعد توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان (هيئة حكومية) بالمساواة في الإرث بين الرجال والنساء؛ وهي التوصية التي لقيت اعتراضاً شديداً من رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، بينما فضلت المؤسسة الدينية الرسمية الصمت حيال الموضوع.
السعداوي.. ثلاثي الدين الرجل العبودية
كانت الكاتبة المصرية، نوال السعداوي، ضيفة شرف مهرجان ثويزا في طنجة لهذا العام، واعتبرت من هناك أنه "لا يوجد عدل في الميراث، ولا توجد قوانين دينية ثابتة"، مضيفة أن "المرأة مازالت تعيش في الفقر وعدم المساواة وجميع أشكال التمييز".
وشددت السعداوي، على أن العلاقة المبنية بين الزوج والزوجة، هي "علاقة عبودية". وتبدأ هذه العبودية، بحسب الكاتبة المصرية، منذ الولادة مروراً بالمناهج التعليمية "التي هي عبارة عن تحكم في عقول الأطفال والشباب لكي لا يفكروا وينتقدوا السلطة المستبدة".
كما أوصت صاحبة "الأنثى هي الأصل"، النساء المغربيات بعدم الخوف من الطلاق والتشرد وكلام الناس، داعية إياهن إلى تكسير حواجز الخوف وإطلاق العنان لبناء شخصية مستقلة تضمن لهن الاستقلالية المادية.
وأبرزت المتحدثة نفسها، أن الدين ليس سوى "أيديولوجية سياسية تقف أمام تحرر الإنسان وتمنعه من الإبداع"، مستدلة على ذلك بأن أوروبا لم تقفز نحو الإبداع والابتكار إلا بعد أن تحررت من سلطة الكنيسة، التي كانت تحكم خلال حقبة العصور الوسطى.
عدم التساوي منكرٌ.. المعركة متواصلة
ترى الكاتبة والمناضلة الحقوقية، فاطنة البيه، أن عدم التساوي بين المرأة والرجل، "أصبح منكراً بلغة خطاب التيار التقليدي، لأن مجهودات النساء أضحت تفقأ الأعين"، معتبرة أن "التصور القديم للإرث مبني على حيثيات اجتماعية واقتصادية".
وقالت البيه، المعتقلة السياسية السابقة، إن "ما وصلنا إليه بخصوص النقاش حول الإرث، هو نتيجة لمعارك الحركة النسائية"، مضيفة أن هذا النقاش "نضج سنة 2015 عندما صدرت توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان".
في هذه التوصية، "هناك العديد من القضايا التي تهم إنصاف المرأة، لكن تم التركيز على ما يتعلق بتوصية المساواة في الإرث لأنها حساسة"، توضح الكاتبة والمناضلة الحقوقية.
وأشارت المتحدثة ذاتها، إلى أن "الانشغال بقضية الإرث فقط، قد يحرّف الانشغال الحقيقي المرتبط بإنصاف المرأة وتمكينها من حقوقها الخالصة"، لهذا "فالإرث يدخل في إطار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ونحن نوقع على المواثيق الدولية؛ منها عدم التمييز، الذي يعني المساواة بشكل عرضاني في كل الحقوق والواجبات".
وأبرزت صاحبة رواية "حديث العتمة"، أن "المعركة مستمرة، وهيئة الإنصاف آلية من آليات إعمال مثل هذه القوانين، رغم أن هناك شرخاً بين ما أقره الدستور وما أقرته المدونة وما يقع في الواقع"، مضيفة أن "الخطوة التي أقدمت عليها تونس، ستزيد من تعبيد الطريق نحو تبني دول أخرى للمساواة".
وخلصت فاطنة البيه، الكاتبة والحقوقية والمعتقلة السياسية السابقة، إلى أن قضية المساواة في الإرث وإنصاف المرأة، "مطمح قديم"، مشددة على أن "تطور المجتمعات لا يمكن أن يكون إلا بالإنصاف بين مكونات المجتمع".
الإرث قسمة ربانية عادلة
من جانبه، أوضح لحسن السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي (هيئة شرعية رسمية) بمدينة تمارة (غرب المغرب)، أن "ما أثارته الكاتبة المصرية الأستاذة نوال السعداوي ليس جديداً، وهو رأي ليس إلا.."، ورفض السكنفل وجود علاقة عبودية بين الزوج وزوجته، قائلاً: "الله تعالى جعل الزواج بين الرجل والمرأة مجالاً للتساكن والتراحم والمودة".
وأكد رئيس المجلس العلمي المحلي بتمارة، أنه بخصوص "قضية الميراث فقد تولى الحق سبحانه وتعالى بيانها في الآيات 12 - 13 - 14 من سورة النساء والآية الأخيرة من هذه السورة"، مشدداً على أن "المفردات القرآنية قطعية في دلالتها على وجوب الامتثال لشرع الله المبين في هذه الآيات، كقوله تعالى: (يوصيكم)، (فريضة من الله)، (تلك حدود الله)، (قل الله يفتيكم)، (يبين الله لكم أن تضلوا) أي لئلا تضلوا".
كما قال لحسن السكنفل، إن "هذه القسمة الربانية عادلة في كل تفاصيلها وجزئياتها"، مبيّناً أن "الرجل لا يرث دائماً ضعف حظ المرأة، بل هناك حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، فمثلاً إذا ماتت المرأة وتركت زوجاً وبنتاً وأخاً شقيقاً، فإن البنت ترث النصف، والزوج الربع، وما تبقى وهو الربع يرثه الأخ الشقيق، فقد ورثت البنت ضعف نصيب الزوج، وضعف نصيب الأخ الشقيق، أما في الحالات التي ترث فيها المرأة نصف نصيب الرجل، فإنها تأخذ الصداق وهو يعطيه، والنفقة واجبة عليه حتى ولو كانت زوجته غنية".