الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

الشِّعر والشافعي والجذور

  • 1/2
  • 2/2

الدكتور محمد فتحي راشد الحريري - الإمارات العربية المتحدة- خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

الشعر ديوان العرب، والشعر مشتق من الشعور وجذره الثلاثي(ش ع ر) فالشاعر إنما يعبِّر عن خلجات ضميره وأحاسيسه.
وقال الأَزهري الشِّعْرُ القَرِيضُ المحدود بعلامات لا يجاوزها والجمع أَشعارٌ وقائلُه شاعِرٌ ، لأَنه يَشْعُرُ ما لا يَشْعُرُ غيره ، أَي يعلم وشَعَرَ الرجلُ يَشْعُـرُ شِعْـراً وشَعْـراً وشَعُرَ وقيل شَعَرَ قال الشعر وشَعُرَ أَجاد الشِّعْرَ ورجل شاعـــر والجمع شُعَراءُ قـال سيبويه :  شبهوا فاعِلاً بِفَعِيلٍ كما شبهوه بفَعُولٍ كما قالوا صَبُور وصُبُرٌ واستغنوا بفاعل عن فَعِيلٍ وهو في أَنفسهم وعلى بال من تصوّرهم لما كان واقعـــــــاً موقعه وكُسِّرَ تكسيره ليكون أَمارة ودليلاً على إِرادته وأَنه مغن عنه وبدل منه ويقــــال : شَعَرْتُ لفلان أَي قلت له شِعْراً وأَنشد شَعَرْتُ لكم لَمَّا تَبَيَّنْتُ فَضْلَكُمْ على غَيْرِكُمْ ما سائِرُ النَّاسِ يَشْعُرُ ويقال شَعَرَ فلان وشَعُرَ يَشْعُر شَعْراً وشِعْراً وهو الاسم وسُمّـي شاعِراً لفِطْنَتِه وما كان شاعراً ولقد شَعُر بالضم وهو يَشْعُر والمُتَشاعِـرُ (متفاعل) الذي يتعاطى قولَ الشِّعْر وشاعَرَه فَشَعَرَهُ يَشْعَرُه بالفتح أَي كان أَشْعر منه وغلبه وشِعْرٌ شاعِرٌ جيد قال سيبويه أَرادوا به المبالغة والإِشادَة.
وكانت القبائل العربية تحتفي بظهور الشاعر فيها وتحتفل أياما، إذ تضمن قدرتها بالردِّ على تهكم القبائل الأخرى بها، وكان للشاعر مكانة عليا في المجتمع، وقد اتَّهمت قريش سيدنا محمدا أنَّه شاعر بسبب عجزهم عن الإتيان بمثل ما جاءهم به من القرآن الكريم المعجز.
ويرى بعض العلماء والفقهاء وذوو المكانة أنَّ الشعر لا يليق بهم وأمثالهم.
 وهناك ديوان شعر ينسب الى الإمام محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله ؛ ويرى أكثر المحققين خطل نسبته للإمــــــام انطلاقاً من هذه القاعدة، ومما يؤكد ترفّـع الشافعي عن الشعر وقرض الشعر انه يراه سِبَّةً تُزري بالعلماء؛ قوله:
 ولولا الشعرُ بالعلماءِ يُزري*** لكنتُ اليومَ أشعرَ من لبيد
 وأختار لكم من هذا الديوان المنسوب اليه أبياتا ً جميلة حقا (1):
 صنِ النَّفْسَ وَاحْمِلْهَا عَلَى مَا يَزِينُهَا *** تَعِشْ سَالِمًا وَالقَوْلُ فِيكَ جَمِيــلُ.
 ولاَ تُرِيَنَّ النَّاسَ إِلاَّ تَجَمُّــــــــــــــلاً  ***  نَبَــــا بِكَ دَهْــــرٌ أَوْ جَفَاكَ خَلِيلُ.
 وإِنْ ضَاقَ رِزْقُ اليَوْمِ فَاصْبِرْ إِلَى غَدٍ***عَسَى نَكَبَــاتُ الدَّهْرِ عَنْكَ تَزُولُ.
 ولاَ خَيْرَ فِي وُدِّ امْرِئٍ مُتَلَـــــوِّنٍ  ***إ  ِذَا الرِّيحُ مَالَتْ مَالَ حَيْثُ تَمِيلُ.
 ومَا أَكْثَرَ الإِخْوَانَ حِينَ تَعُـدُّهُـــم  ***ْ وَلَكِنَّهُمْ فِي النَّائِبَــــــــاتِ قَلِيــــــلُ
والأبيات هذه هي للشافعي حقا وبلاشك، رواها بإسناده ابن عساكر في تاريخـــه (45175)، ونسبها بعضهم إلى علي بن أبي طالب.
 وقد ظهرت طبعات كثيرة لديوان الشافعي منهـا طبعة زهدي يكن ، سنة 1961، وعبد العزيز سيد الأهل 1966، ومحمد عفيف الزعبي 1971، ومحمد عبد الرحمن عوض 1984، والدكتور محمد عبد المنعم خفاجي 1985، وسليمان سليم البواب (صاحب موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين)، ومحمد إبراهيم نصر 1984، وأميل بديع يعقوب 1991، ود. مجاهد مصطفى بهجت (طبعة دار القلم 1999) وهي نشرة علمية، تُعَـدُّ خيرَ الطبعات وأفضلها، استقى المحقق نصوصها الشعرية من كتب الطبقــات والتراجــم والمناقب والأدب والشعــر، واعـتمــد على عـددٍ من المخطوطات.
 ولا شك أن الكثير مما ينسب إلى الشافعي ينسب لغيره، مع احتمــــال أن يترجَّـح بعض ذلك له، أو يترجح بعضه الآخر لغيره، واحتمــــــــال عدم صحة نسبة بعض النصوص إليه لأنها مما تمثَّل به من شعر الأوائــــل الجاهليين والإسلاميـيـــن، أو لبعدها عن لغة شعره ومعانيه مما توهمه بعض النساخ له، أو لتفرُّد المصـــــــادر الخاصة بهذه النسبة.
 وقد قام الدكتور بتحرير نسبة هذه الأشعار من الخلط الذي وقـــــــــع فيه كثير من ناشري أشعاره فضلاً عن القُــــــرّاء المثقفين غير المدقِّقين. وقد تضمَّـــن الهامش تحقيق نسبة النصوص بذكر المصادر التي نسبت النص للشافعي أوَّلاً، ثم المصادر الأخرى التي نسبت النص لغير الشافعي، مقرنًا سنة الوفاة للأعــــــلام المذكورين، ومثبتـــــاً رقم الجزء والصفحة لكل مصدر، مختتمـــاً ذلك كله بالتعليق على النسبة بترجيح كونها للشافعي أو لغيره مع ذكر المرجح أحيانًا لذلك الوجه، فبلغ مجموع الديوان (92) اثنين وتسعين نصــــــــــــاً، ويمكن تصنيف هذه النصوص الاثنيــن والتسعين على النحو الآتي:
 أولاً : نصوص ترجح نسبتها له وهي (6) ستة نصوص.
 ثانيًا: نصوص ترجح نسبتها لغيره وهي (11) أحد عشر نصاً، أكثر الشافعي من تردادها لإعجابه به، فتُوهِّـم أنها له، وهي للخليل بن أحمد الفراهيدي (قطعتـــان)، ولسهل الوراق (قطعة)، ولنصر بن سيّـــــار الخراساني (قطعة)، ولابن أبي حازم (قطعة)، ولعبد الله بن المبارك (قطعة)، ولبشامة بن الغدير (قطعتان)، وللوليد بن طريف (قطعتان).
 ثالثًا: نصوص لا تصح نسبتها له، ومجموعها (30) ثلاثون نصًّا، وهي قسمان:
 أ – قسم تفرَّدت المصادر المتأخّــرة (خاصة كتب الشيعة والمتصوفـــة) بروايتها، وهي (12) اثنـــا عشر نصًّا. ومن المعلوم أنَّ الشيعة لا يتورّعــــون عن نسبة كل كلام جميل وكل شعر إلى الخليفة الرابع عليّ رضي الله عنه، بل وتمادوا في نسبة ما راق لهم من كلامٍ وحَكم الى الصادق أو إلى النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم.
 ب – وقسم يبعد عن شعره (لغـــة ومضموناً)، وهي (6) ستة نصــوص، صـحّـت نسبة (ثلاثة) منها للغزالي، و(اثنتان) للجرجاني.
 ج – وقسم مما تمثَّل به وهي (12) اثنا عشر نصًّا:
 للحسين بن مطير، ولامرئ القيس، وللحسن البصري، ولطفيل الغَـنــــوي، ولأبي الدرداء، ولقيس بن الخُطيم، وللصحابي الشاعر لبيد بن ربيعة ، وللخليـل بن أحمد الفراهيدي،صاحب العروض ، ولنصيب بن رباح.
 رابعًا: نصوص متنازعة النسبة (دون مرجح)، وهي (45) خمسة وأربعون نصًّا: نسبها بعضهم للشافعي، ونسبها آخرون لابن الظهير الأربيلي، وللسيد الحميــري، ولأبي فراس الحمداني، ولأبي العتاهية، ولبشّــــــــار بن برد، ولصالــــــح بن عبد القدوس، ولأبي نواس، ولابن حنبل، ولعمرو بن علي، ولأبي دلــف، ولســــالم بن ميمون العجلي، وللعتابي، ولابن يسير.. وآخرون كثير.
ويعقِّب بعض الأدباء على هذا فيقول:
قيل ذلك ورغم جميع ما قيل فإنَّــــه لا يطعن بنسبته إلى الشافعي، ذلك أنه لم يتخذ الشعر مهنةً ولم يتوغل في أغراضه، على انه يملك القريحة والأداة فشِـــعـره كله يخدم فقهه، وكان مما يعجبني منه قوله الأبيات التي مطلعها:
 دعِ الايّــــــام تفعل ما تشاء ***وطب نفســاً اذا حكم القضاءُ
 ولا تجزعْ لحادثـــــةِ الليالي*** فمـــا لحوادث الدنيـا بقــــاءُ
إلى آخره.... وهل يعقل ان يقول أحد من الشعراء مثل هذا ثم ينسبه لغيره ؟ ابدا ! هذا والله اعلم(3).
 -----------------حاشية:
 (1)-«ديوان الشافعي» ص (25)
(2)-من تعقيب للأخ الأستاذ الشريف عدنان أبو شعر.
(3)-من تعقيب للأستاذ المهندس مفلح علي بُنيّان الحريري.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى