في سابقة لم تحدث من قبل، كاسرة لكل القواعد والأعراف لدولة عرفت دائماً بالتشدد الديني، وخاصة في أي شيء يتعلق بالمرأة، المملكة العربية السعودية تسمح بارتداء "البكيني" للمرأة الأجنبية بجوار الرجال، داخل منتجعات سياحية ستقيمها السعودية على 50 جزيرة على شواطئ البحر الأحمر ضمن برنامج "رؤية السعودية 2030"، وهو برنامج إصلاح اقتصادي يهدف إلى تقليص اعتماد البلاد على النفط.
وفي نفس الوقت الذي سمحت فيه السعودية بارتداء المرأة الأجنبية البكيني على شواطئها، لا تزال هنالك حقوق للمرأة السعودية لا تستطيع الحصول عليها بموجب القانون والعرف والدين.
فبداية من عدم قدرتها على قيادة السيارة، أو العمل، أو الزواج دون تصريح من ولي أمرها، سواء كان والدها أو زوجها أو أخاها أو حتى ابنها، فالمرأة تظل قاصراً في القانون السعودي مهما بلغ عمرها؛ لأنها لا تستطيع اتخاذ أي قرارات بنفسها.
فقانون وصاية الرجل، الذي يعرف بـ"ولاية الرجل على المرأة"، بدأ منذ أكثر من أربعة عقود كاملة، حدثت فيه تغيرات أدت لوصوله إلى شكله الحالي، ويمكن القول إنه بدأ في أواخر السبعينات من القرن الماضي، فأول أشكال هذه التشريعات بدأ في عام 1977م، بتشريع الدولة لقوانين تحد من حرية سفر المرأة وعملها، مع فصل حاد بين الجنسين.
يرجح البعض أن وراء بداية تشريع هذه القوانين المفاجأة حادثة إعدام الأميرة مشاعل آل سعود وابن السفير السعودي بشكل "غير قانوني" من قِبَل أفراد في الأسرة الحاكمة، والذي أنتج عنه التلفزيون البريطاني فيلم "موت أميرة"، وتسبب بأزمة دبلوماسية كبيرة بين البلدين عام 1980م.
وربما يبدو الأمر بسيطاً، ولكنه أكثر تعقيداً من ذلك، فبسبب ولاية الرجل، المرأة السعودية تحرم من أبسط حقوقها، فهي لا تستطيع طلب الطلاق؛ لأنه سيحرمها من الحصول على حضانة الأطفال، كما أنه يمنعها من أن تكون لها استقلالية بشكل أو بآخر، فهي لا تستطيع السفر أو الزواج أو العمل، إلا إن كان معها تصريح بذلك أولاً، وإن دخلت السجن وانتهت فترة إقامتها فيه فهي لا تستطيع الخروج حتى يأتي ولي أمرها ويأخذها، وهذا يعني أنها قد تظل في السجن للأبد.
وتؤثر هذه السياسات على قدرة المرأة في ممارسة عمل ما، أو اتخاذ قرارات تتعلق بحياتها، ويختلف من وضع لآخر، ولكنه يرتبط بشكل كبير بإرادة وليّ الأمر.
ففي بعض الحالات، يستخدم الرجال السلطة التي يمنحها لهم نظام الولاية لابتزاز قريباتهم اللواتي يكنّ تحت ولايتهم، وبعض الأولياء يشترطون على المرأة التي ترغب في العمل والسفر، وتحتاج لموافقتهم، دفع مبالغ مالية كبيرة لهم، حسبما ذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش في أحد تقاريرها.
ويوجد تمييز صارخ في أحكام الطلاق، ما يجعل حماية المرأة من الانتهاكات أمراً بالغ الصعوبة، ويبقى الرجل وليّ المرأة، بكل ما ينجرّ على ذلك من سيطرة، في جلسات المحاكم، وحتى نهاية عملية الطلاق.
كما أن المرأة السعودية يتم حرمانها من الحق القانوني في اتخاذ أقل القرارات شأناً بخصوص أطفالها، فلا يجوز لها فتح حسابات بنكية لهم، أو إلحاقهم بالمدارس أو الحصول على ملفاتهم المدرسية، أو السفر مع الأطفال دون إذن كتابي من والد الطفل.
كما تواجه المرأة سلسلة من الممنوعات، كالاختلاط مع الرجال، وقيادة السيارة، وقد سجنت سيدات كثر لأنهن انتهكن الحظر، ومن بينهن لجين الهذلول، وميساء العمودي.
وصرحت ناشطة سعودية بعد اعتقالها بسبب قيادة السيارة بـ"أننا في عام 2017 ولا تزال المرأة تعامل معاملة العبيد"، حسب ما أفاد تقرير لصحيفة "الإندبندنت".
وليس هذا أقسى شيء ففي عام 2002 حدث حريق في ثانوية مكة، وقتل فيه 15 طالبة؛ لأن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منعوا رجال الإطفاء من الدخول لإنقاذ الطالبات؛ لأن الاختلاط ممنوع ولا يرتدين الحجاب، حسبما ذكرت بعض الصحف السعودية.
والقانون المدني السعودي وإن كان قائماً، كما يقولون، على أسس الشريعة الإسلامية، لكنه لا يتضمن حماية المرأة من العنف المنزلي، فمثل هذه المادة لا تزال قيد الدراسة.
وتشير مدونة حقوق المرأة السعودية إلى أن 80 امرأة من بين 200 تعرضن للعنف الجسدي من قِبل أزواجهن، وأن 18% من المعنّفات تعرضن لإصابات بليغة استدعت التدخل الطبي، وأن 6.5% منهن فقط أبلغن أحد أفراد الرعاية الصحية بسبب إصاباتهن.
وإن هربت هؤلاء النساء لإحدى دور الرعاية أو الملاجئ خوفاً من العنف المنزلي، فإنهن غالباً ما سيحتجن لموافقة ولي الأمر أو أحد أقاربهن الذكور للخروج من هناك.
ومن أشهر قصص هؤلاء النساء، قصة الناشطة الحقوقية مريم العتيبي التي خرجت من السجن منذ بضعة أيام، دون الحاجة إلى حضور ولي الأمر لأخذها، وبدأت قصتها بحسب ناشطات على تويتر، عندما تعرضت مريم، البالغة من العمر 29 عاماً، للضرب والتعنيف من قبل أحد أشقائها، ما دفعها إلى رفع قضية تعنيف ضده إلا أن ولدها أقنعها بأن تسحب القضية، ولكنها عادت ورفعتها مرة أخرى بسبب أن شقيقها مارس الضغوط عليها، ولكن ولد مريم هددها برفع قضية عقوق ما لم تسحبها، إلا أنها رفضت التنازل عن الشكوى، ما دفع الأب إلى تنفيذ تهديده ورفع دعوى عقوق ضد مريم، واعتقلت على أثرها، وقضت في السجن أكثر من 100 يوم كاملة.
وتجدر الإشارة إلى أن السعودية نفذت سلسلة من التغييرات المحدودة على امتداد أكثر من 10 سنوات لتخفيف القيود المفروضة على المرأة. من الأمثلة البارزة لهذه التغييرات السماح للمرأة بالمشاركة في الفضاء السياسي المحدود، وتشجيعها على دخول سوق العمل، واتخاذ خطوات لتحقيق تعامل أفضل مع العنف الأسري.
فعلى سبيل المثال، في عام 2013 عيّن الملك عبد الله 30 امرأة في مجلس الشورى، وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2015، سمحت السلطات للمرأة بالمشاركة في انتخابات المجالس البلدية، التي شهدت ترشح وتصويت النساء لأول مرة في تاريخ البلاد.
وفي يناير/كانون الثاني 2016 أصدرت الحكومة مرسوماً يقضي بفصل الجنسين فيها، فكان حضور النساء عبر الفيديو فقط، وعقب هذا القرار، قررت عضوة في أحد المجالس الاستقالة، حسبما ذكرت هيومان رايتس ووتش في أحد تقاريرها.
كما أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في مايو/أيار الماضي، قراراً أمر فيه بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها "حال تقديم الخدمات لها ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب وفقاً لأحكام الشريعة". ويشار إلى أن القرار عمم على جميع الجهات الحكومية المعنية.
وقامت الحكومة السعودية بتعديل تلك الأوضاع، حيث شجعت النساء على امتلاك بطاقات شخصية، وأصدرت قوانين بمنحهن حق الحصول على الرعاية الصحية، لكنهن ما زلن حتى الآن بحاجة إلى موافقة الذكر الوصيّ للزواج والسفر والدراسة.
وتعد حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية محدودة مقارنة بالرجل، حيث صنف المنتدى الاقتصادي العالمي السعودية في ذيل قائمة الدول من حيث المساواة بين الجنسين، فكانت في المرتبة 127 من أصل 136 دولة.