يعيش وائل منذ أربعة أشهرعلى أمل أن يكحَل عينيه برؤية فلذتي كبده بعد أن فارقاه بسبب طلب زوجته الطلاق، حالته النفسية متوترة جدا خاصة وأن رصيده من اللغة الألمانية غير كافٍ من أجل القيام بمفرده بكل المتطلبات من إجراءات عند المحامي أو الاستفادة من مكاتب النصح والإرشاد.
الزوج منتهي الصلاحية!
وائل (اسم مستعار) 30 عاما لاجئ من الحسكة شمال شرق سوريا قال :"لم نكن نعاني أنا وزوجتي من أية مشاكل منذ استقدامها إلى ألمانيا قبل عام. بل، بالعكس تحسنت علاقتي مع زوجتي كثيرا، بعدما غادرت سوريا برفقة أبنائي عبر تركيا الى ألمانيا، ما شجعني على دفع مبلغ مالي معتبر من أجل ضمان عملية تهريبها مع عائلتها".
لكن المفاجأة التي أصابت وائل كانت عند وصول زوجته إلى ألمانيا وتقديمها طلب اللجوء، حيث صرحت للسلطات الألمانية بأنها عزباء وليست متزوجة وأقنعته بأن ذلك سيكون لصالحهما في المستقبل.
وأضاف الزوج المصدوم "إلى أن جاء اليوم الذى فوجئت به بعناصر من الشرطة تطرق الباب، وأخذوا أولادي وزوجتي إلى وجهة مجهولة، لم أعرف مكانهم إلا بعد ثلاثة أشهر كدت أن أفقد عقلي خلالها من كثرة التفكير بمصير أولادي، وما كان يعذبني أكثر هو أنني لم أجد إجابة عن سؤال واحد ، هو لماذا فعلت بي هذا؟".
"حرمت من المدرسة لأصبح زوجة"
يوجد كثير من النساء اللاجئات أجبرن فيما مضى على الزواج دون قبولهن، ومن بينهن آمنة (38 عام) من حمص بسوريا، يحسبها الرائي أكبر سناً، بسبب ملامح التعب والحزن على وجهها، قالت: " تزوجته وأنا قاصر لم أبلغ سن الرشد بعد، كان قرار العائلة صارما ولم يكن بوسعي الرفض، حرمت من المدرسة باكرا لأتلقَى معاملة سيئة من زوجٍ يكبرني بـ 15 عاماً.
وأضافت بأن سلوك زوجها سيئ لحد لا يطاق إلى درجة التعامل معها بالعنف اللفظي والجسدي في مرات عديدة. وأضافت أنه يلغي تماما وجودها ويرى نفسه الآمر الناهي الوحيد في الأسرة. وبالنسبة له ممارسة المرأة لحقوقها وواجباتها كلاجئة في مجتمعها الجديد تعتبر تسيبَاً وانحلالاً، لأنه خروج عن نمط الحياة التي عاشوها في سوريا. وفي جوابها عن سؤالنا لها كيف أنها لم تستطع تحمل زوجها سنة واحدة بألمانيا في حين تحمَلته 20 عاماً في سوريا؟! أجابت بأنها قضت 20 عاماً من عمرها مرغمة تحت ضغط العادات والتقاليد التي تعتبر الطلاق جرماً اجتماعياً ترتكبه المرأة. أما هنا في ألمانيا فيختلف الوضع، حيث تتوفر الحماية المضمونة لحرية المرأة. وفيما يخص مصير الأطفال أخبرتنا آمنة أن البنات يبقين معها، أما الولد فقد أختار أن يظل مع والده.
"أغلب حالات الطلاق سببها العنف في حق الزوجة"
يقول البعض إن القوانين الألمانية تشجَع على التفكك الأسري، والبعض يلوم المرأة السورية، سواء كانت تبحث عن الحرية والاستقلال أو لأنها تفارق زوجها بعد أن تطأ قدماها ألمانيا.
بدورها صرحت المرشدة الاجتماعية دورتي نوتسولد أن أسباب حالات الطلاق التي شهدتها في جلسات الإرشاد أغلبها كان بسبب العنف الممارس في حق المرأة في وطنها الأصلي.
وشرحت نوتسولد بأن دافع الخوف من رد فعل المجتمع المسلم تجاه المطلقة بالإضافة إلى انعدام الدعم المالي لتوفير السكن وتكليف محامي للمرأة يحول دون إقدام النساء على الانفصال في اوطانهن الأصلية.
وأضافت محدَثتنا "وجدت النساء المعنَفات من اللاجئات يد العون في ألمانيا وهذا ما شجعهَن على المطالبة بحقوقهن في الطلاق ونحن بدورنا قدَمنا المساعدة لعدد معتبر من النساء اللواتي قررن الانفصال عن أزواجهن، بتوفير السكن والمحامي والمعونة الاجتماعية المستقلة، ونقوم أيضا بدور التوعية والإرشاد".
"منظمات تشجًع اللاجئات على الطلاق"
غير أن الدكتورة هويدا طرقجي مفوضة شؤون المرأة في المجلس الأعلى للمسلمين قالت: "إن كثير من منظمات الدفاع عن حقوق المرأة ومكاتب النصح والإرشاد بما فيها الكنائس تساعد المرأة في طلب الانفصال دون أية مراعاة لأحقية الترابط الأسروي وتهمل جانب إصلاح الأسرة".
في سؤال الدكتورة عن أسباب تنامي الظاهرة، قالت:" إن الهجرة أسهمت إلى حد كبير في إحداث التفكك الأسري بسبب طول فترة إجراءات لمَ الشمل"، دون أن تنفي الدكتورة حقيقة استبداد الرجل وحجم العنف الممارس في حق المرأة في المجتمعات المسلمة.
وأشارت الدكتورة إلى أن حجم الضغوط النفسية وحالات الاكتئاب التي يعاني منها كثير من الناس، انعكست أيضا على سلوك الرجل تجاه أسرته وتسببت في إهماله لواجباته أو في العصبية الزائدة.
بالمقابل نفى عضو منظمة برو آزول كريم الواسطي في حديثه أن يكون لهذه المنظمات والكنائس دورا في تنامي الظاهرة أو حتى وجودها، معلَلا ذلك بأن سبب الطلاق يكمن في طبيعة الأسرة في حد ذاتها، إما لأنها غير متماسكة أو لأنها بنيت على أساس خاطئ مثل حالات الزواج الإجباري. ويضيف عضو منظمة برو آزول أن هناك كثير من النساء زُوَجن في سن مبكرة بإجبار من قبل العائلة، "ونجد أن الزوجة تعاني في بلدها حالة كبت تتحول إلى المطالبة بالانفصال حين تجد الظروف والحقوق في بلد اللجوء"، كما يشير كريم الواسطي.
واعتبر محدَثنا أن الأسرة اللاجئة هي ضحية بطء إجراءات لَم الشمل. إذ تقيم المرأة في ظل ظروف قاسية، تنتظر استكمال الإجراءات التى تصل إلى سنتين أو أكثر، ويولد هذا ضغطا كبيرا عليها يؤدي بها إلى الانفجار لحظة وصولها إلى بر الأمان. لذلك تساهم الهجرة وبالتحديد طول مدة الفراق بين الأزواج لأجل لم شملهم، في توتر العلاقة الزوجية والانفصال. وأشار الواسطي إلى عدم توفر الإحصائيات في هذا المجال.
"وتبقى المرأة هي الضحية"
فيما ترى الدكتورة طرقجي أن المرأة هي الضحية في كل الأحوال سواء كانت هي المبادرة بطلب الطلاق أو كان زوجها المبادر، حتى وإن حصلت على كل الحقوق المادية والقانونية، حسب رأي الدكتورة طرقجي.
وتختم طرقجي بالقول إن "من السهل على الرجل إعادة بناء حياة جديدة لأن حضانة الأطفال ستقع على عاتق الأم وحدها وستكثر عليها المسؤوليات بعد الطلاق ولن تبني حياة جديدة بسهولة".