لم يخطر ببالي أن اتخذ قراراً غير متوقع ساعة خرج المجلس الانتقالي الليبي ومفوضية الانتخابات مُعلنين قانون الانتخابات الاولى 2012 عقب قطيعة آخر انتخابات عام 1964، كان القرار مُفاجئا لعائلتي بل أن بعضهم أعتبر ذلك مغامرة في غير توقيتها ولا محلها !، ولكني أتخذت قراري أن أترشح كمُستقلة عن دائرة أنتخابية ( حي الأندلس ) بمدينتي طرابلس ، كونه حلم ،وكونه مسؤلية ، ذلك صحيح إذ لم أقارب السياسة ولا شؤونها قبلا ، عملتُ بالاعلام والتعليم وكفى ، بدا لي أن التجربة الجديدة تستحق أن أتصدى لها و أبادر ، فمن جهة نحن في مرحلة البناء لدولة تشرع في مسارها الديمقراطي ما كان عصيا قبلها ، ومن جهة أخرى كان علي وعلى غيري من النساء أن يُحققن ما حلمن به ساعة خرجن للتغيير وانتفضن لأجل أن نتمكن سياسيا واقتصاديا بل ونشارك في صنع القرار الوطني في كل المجالات .
أتذكر أن سيدة دعت الى حضور أعلان تأسيس حزب تقوده ، هي "وسيلة العاشق" ، وأسمت حزبها حزب الأمة ، ما يُعتبر أول حزب – حسب علمي - على الصعيد العربي تؤسسهُ سيدة إذ جرى فقط أن تتقلد النساء مناصب في أحزاب يقودها رجال ، قرار هذه السيدة شجعني لخوض تجربة الترشح والانطلاق فعليا و تقديم الاوراق المطلوبة ، وكانت مفاجأة جميلة أن تقدمت سيدة " شهرزاد المغربي " تطوعا لتقود الدعاية والاعلان لحملتي الانتخابية ، ما عشتهُ لأسابيع وما ملأ وجداني كان مُفارقا في تاريخنا : صور المترشحات المُعلقة في أنحاء المدينة رفقة شعارات حملاتهن ، عنادهن لحظة حاول بعض المتطرفين مسح أو تشويه وجوههن فخصصن شبابا يعالجون الامر سريعا برفع يافطة الصورة عاليا لحد لا يتمكن المفسدون من الوصول إليها ...خروجنا للجمهور بفقرة بالبث المرئي هو اعلان انتخابي يسمع الناخبون أصواتنا وشرح شعارنا وخلاصة لأجنداتنا المقبلة ، كنت في خيمة بدائرتي الانتخابية أتناقش مع ناخبي من عائلات وشباب الى منتصف الليل صبيحة يوم الصمت الانتخابي .
لم أفز لكن من فُزن كُن نسيجي وشبهي ، إذ حققت النساء في الانتخابات سبقا ب 33 مقعدا ، ولتيار مدني ،ما مثل أغلبية جاوزت المتوقع ، اول انتخابات ليبية برزت النساء فيها ناخبات بنسبة 60% ، ومُنتخبات فائزات ، حققن معادلة صعبة في دول الربيع العربي ، رغم جدة التجربة الليبية ، والتي ستدفع ضريبة خيارها بجريمة بشعة عضوة المؤتمر الوطني فريحة البركاوي فجماعة متطرفة بمدينتها درنة توجه لها رصاصات غادرة لتكون شهيدة شجاعتها ومواقفها الوطنية .
الحُظوة الثانية ما تحقق لهن أيضا في انتخابات مجلس النواب ، ستحصد النساء مقاعدهن وبأغلبية التيار المدني على التيار الأسلامي ، المترشحات وساعة هدد وتوعد تيار المغالبة الاسلامي المسلح بعد غزوة المطار 2014 وقد خسر مقاعده ، وفي خطوة شجاعة تركن مُدنهن ، وأتجهن الى قبة المجلس بطبرق رغم ما يُمثل ذلك من تهديد لحياتهن وحياة أسرهن ، بل وسيؤسسن تكتلا تحت قبته ما يُقوي أصواتهن عند التصويت لأي قرار يدعم النساء .
ما سيُحقق تواجدهن تمكينا أيضا كونهن يشغلن مقعدا موجبا وملزما ضمن مقاعد سبع للمجالس البلدية على مستوى البلاد ففي كل مجلس بلدي فرضت ألية الانتخابات كوتا للمرأة ما يتاح لأول مرة في تاريخ ليبيا ولعله عربيا أيضا ،وذلك ما سيجعل من ادائهن على صعيد المركز أو مدن الأطراف فرصة سانحة للتوعية النسوية سياسيا واقتصاديا ،صحيح ان المأمول أوسع وأكبر ومادامت الخطوة الاولى قد حصلت وانجزت فأن في المُكنة ما هو أوثق وأشد من وجوب إقرار لدورهن ، و عليهن تقع أيضا مزيد المسؤلية في المشاركة الاقتصادية ، وقبلها الحوار الوطني كونه انشغالٌ مُستحق باتجاه خلق السلم الاهلي والمصالحة المجتمعية .