أفادت دراسة أعدتها جامعة بريتيش كولومبيا الكندية أن شراء الوقت بدلًا من السلع المادية يحقق المزيد من مشاعر السعادة بنسبة تصل إلى 30 بالمئة، حيث يمكن للإنسان دفع الأموال في توفير وقت فراغ بدلًا من إعطاء الأولوية للمال، فمن شأن ذلك أن يمده بالمشاعر الإيجابية التي تحسّن من حالته النفسية.
وقال المشاركون في الدراسة إنهم أحسوا بسعادة أكبر حينما أنفقوا 40 دولارا من أجل توفير الوقت، بدلا من إنفاقها لشراء السلع المادية.
وأوضح المشرفون على الدراسة أن “الضغط الناجم عن ندرة الوقت يقلل من الإحساس بالسعادة ويساهم في الإصابة بالقلق والأرق”.
وذكرت إليزابيث دون، أستاذة الطب النفسي في جامعة بريتيش كولومبيا بكندا، أنه “من خلال سلسلة من الدراسات الاستقصائية وجدنا أن الأشخاص الذين ينفقون الأموال ليوفّروا لأنفسهم المزيد من وقت الفراغ يكونون أكثر سعادة، ولهذا فإن لديهم مستويات أعلى من الرضا عن الحياة”.
ولمعرفة إذا كان المال يمكنه أن يزيد من مستويات السعادة أجرى أطباء في الولايات المتحدة وكندا وهولندا اختبارا شمل أكثر من 6 آلاف بالغ من بينهم 800 مليونير حول المبالغ المالية التي أنفقوها من أجل توفير الوقت.
وأفادت نتائج الاختبار أن أقل من ثلث المشاركين أنفقوا أموالا لتوفير وقت فراغ لأنفسهم كل شهر، وكشفوا أنهم يشعرون برضا عن حياتهم بالفعل أكثر من البقية.
وعلقت الأستاذة الجامعية إليزابيث دون، التي عملت مع زملاء لها في كلية هارفارد للأعمال وجامعة ماستريخت وجامعة فريجي بأمستردام، على نتائج الدراسة قائلة إن “المال يمكنه بالفعل شراء الوقت، وهو يشتري الوقت بشكل فعّال جدا”.
وأوضحت “لذلك فإن رسالتي التي أريد أن أوصلها هي “فكر في الأمر، هل هناك شيء تكره فعله وسيثير انزعاجك بشدة، وهل يمكن أن تدفع المال لشخص آخر ليفعل ذلك الشيء بدلا منك. إذا كان هذا هو الحال، فإن العلم يقول إن هذا الأمر هو استخدام جيد جدا للمال”.
وقالت دراسة بريطانية موسّعة أنجزت في وقت سابق يبدو أنّ النّاس يمتلكون تفضيلاتٍ ثابتةٍ في تقديرِ أوقاتهم بدلًا من جني المال، وأضافت أنّ إعطاء الأولويّة للوقت بدلًا من المال، مرتبطٌ بالمزيد من السّعادة.
وأضافت أن الناس إذا أرادوا أن يركزوا على أوقاتهم أكثر من أموالهم في حياتهم فباستطاعتهم اتخاذ بعض الإجراءات والأفعال التي ستساعدهم في تغيير منظورهم تجاه هذا الموضوع؛ مثل العمل لساعاتٍ أقلّ بقليل، والدفع لشخص ما ليقوم بالأعمال الروتينية غير المرغوب فيها؛ مثل تنظيف المنزل وربما التطوع في الجمعيات الخيرية.
كما أشارت إلى أن امتلاك المزيد من وقت الفراغ أكثر أهمية للسعادة من امتلاك المزيد من المال.
وفي هذا السياق يقول إبراهيم قشقوش، أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس، “هناك العديد من الأسباب التي تدفع بالشخص إلى شراء الوقت بالمال لشعوره بالسعادة، فقد يكون صاحب أعمال مختلفة ومتعددة تعيق تحقيق هذا الشعور، حيث تبيّن أن وجود وقت فراغ لدى الإنسان حتى وإن كان بسيطًا يمده بمشاعر إيجابية، ويضع لديه خيارات كثيرة للقيام بما يروق له”.
وأضاف موضحا “قد يكون الإنسان مجبرًا دائما للقيام بأمور عديدة، وتأتي حرية الاختيار لتشعره بذاته وكيانه، كما أن قيام الإنسان بكلّ شيء بمفرده يجعل من الصعب عليه توفير وقت خاص به يمارس خلاله أشياء تمنحه الشعور بالسعادة، فقد تصعب عليه أمور مثل ممارسة الرياضة أو التنزه مع الأصدقاء، ما يظهر أهمية شراء الوقت من أجل تحقيق السعادة”.
وأضاف قرقوش “قد يسبب ضيق الوقت لدى الإنسان الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية، حيث يجعله دائم الانشغال ما يؤدي به إلى الشعور بالتعب والإرهاق النفسي، ويزيد لديه فرص التعرض للتوتر والاكتئاب، كما أنه يحدّ من علاقته الاجتماعية بصورة تدريجية، حيث يفقد قدرته في التواصل مع الآخرين، كما يفقد مع الوقت اهتمامه بهم، ما يدفعهم إلى الابتعاد عنه، إضافة إلى ذلك تدهور علاقته بالأهل”.
وأوضح سمير عبدالفتاح، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة المنيا في مصر، أن شراء الوقت الفعال يكون من خلال تخلّي الفرد عن قيامه ببعض المهام التي تثقل كاهله وتشغل وقته على مدار اليوم حتى وإن كان المقابل التخلّي عن جزء من الدخل وذلك لتوفير الوقت اللازم للراحة والاستمتاع الأمر الذي يشعره بالسعادة، حيث يحقق لديهم إنفاق المال في شراء الوقت اللازم للتمتع بالمزيد من الشعور بالرضا ما يرفع لديهم مستويات السعادة مقارنة بغيرهم ممن لا ينفقون أموالهم لشراء الوقت برغم أن حالتهم المالية تسمح بذلك، كما أنهم يعانون من ندرة في الوقت لأن احتياجاتهم اليومية قد تأخذ كامل أوقاتهم.
كما أشار عبدالفتاح إلى أن الوقت يتميز بقيمة كبيرة تفوق في تأثيرها قيمة المال والسلع المادية، وهو ما أكده بحث علمي أجرته الأكاديمية الوطنية للعلوم خلص إلى أن دفع أموال لشراء الوقت بدلًا من شراء الأشياء المادية يقلل لدى الإنسان الشعور بضيق الوقت الذي يؤدي بدوره إلى الشعور بالملل والتوتر، وبالتالي فإن شراء الوقت يتميّز بدحر المشاعر السلبية والإبقاء على المشاعر الإيجابية مثل السعادة.
ولفت إلى أنه على الرغم من التحديات المادية في حياة الإنسان ووجوبية توفيرها لشراء كل ما يلزمه، إلا أنه يبقى الوقت هو القادر على تحقيق السعادة، لذلك ينبغي التخلص من الأشياء التي لا يفضل الإنسان القيام بها نظير الشعور بالسعادة، الأمر الذي يحافظ على مشاعر الإنسان الإيجابية ويسهم في استمراريتها.