أخبروني مرة "ربما يخشى البعض قوتك وطموحك فلعل المعظم يهاب القرب، فلم لا تطمئني أحدهم فيقوى على القرب منك، ويجتاز ذاك السد المنيع"..
ابتسمت بسخافة داخلية، فبادئ الأمر لا يعلم مدى ضعفي غيري، وربما اصطنعت لنفسي سداً أخبئ خلفه ضعفي ويأسي، فلا ترى قوتي غير من خلفه، اصطنعته أيضاً لأحتمي وراءه من غدر هذا وذاك ممن يأتي لقلوب بعضهن، يسهر ليلته تاركاً فوضاه وضوضاءه ويرحل، لا داعي لوصفه فكلنا علي علم به.
يتوهم كل من يقترب أنه غير قادر على اجتياز ذاك السد، حسم الأمر وهو أمامه يرتعد ويتصبب عرقاً؛ عرق الخوف لا الجهد، لا يتيح وقتاً للمحاولة ويوفر عرقه لها.
لا يهمني أن يجتاز، لا داعي أصلاً لتحطيمه، ربما انتظرت المحاولة فحسب، وربما أتيت بجانبه فأمسكت بيديه وأكملنا.
ربما أيضاً تركت ذاك الكهف وهرولت إليه، مؤكد سأتركه للأبد، حينها يبلغ يقينه ضعفي، وسأحتمي أنا بقوته، وتسكن الروح للروح.
من يهب المحاولة، يسر عليّ أمري وسهل لي خياري، وأجزم في الحين دون استخارة واستشارة؛ ليس هذا رجلي، ذاك الذي سيبدلني الله به خيراً عن انتظاري لبريقه، وعوضاً عن بعده وفرحة الشوق إليه.
غريب هذا الجنس، يخشى القوية ويميل للضعيفة، ويتمنى من لا طموح لها.
أرى في تلك الفئة شدة الضعف والغباء من رأسها لقدميها، أتخشى من أن تستمد قوتك منها حين يبلغك الضعف؟ أتهب طموحاً يصل بك لناطحات النجاح؟ أتخشى صعبة المنال وقوية الروح؟! أترى في القوية ضعفاً وفي الناجحة فشلاً؟
يا سيدي.. ستحتمي بسدها حين يتحطم سدك، وتهرول لقلبها حين يقسو عليك الجميع، وترتوي من فهمها وعقلها حين تغلب عليك الحيرة.
يا هذا من الجنون أن تذهب للضعيفة؛ لتستشعر وهم القوة؛ فقمة قوتك في قوتها.
فلا الهيمنة شجاعة في غياب الأسد، وإنما في حضرته.