الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

هل أحلام مستغانمي صاحبة موهبة أدبية حقيقية أم مجرد وهْم يعيشه الشباب؟

  • 1/2
  • 2/2

عبد المجيد سباطة - " وكالة أخبار المرأة "

نتناول في تدوينة هذا الأسبوع ظاهرة عربية تستحق أن نقف عندها طويلا، نظرا للنجاح الجماهيري الساحق الذي حققته، والتأثير الكبير الذي خلفته لدى شريحة مهمة من القراء والقارئات، وربما أيضا الكتاب الذين حاولوا انتهاج أسلوبها في الكتابة، رغبة منهم في تحقيق جزء من النجاح الذي وصلته هي..
اسم هذه الظاهرة: أحلام مستغانمي.
إذا استثنينا ديوانا شعريا يحمل عنوان "عليك اللهفة"، فإن آخر إنتاجات الروائية الجزائرية عمل سمته "الأسود يليق بك"، صدر عام 2012، واستثمارا لنجاح وشهرة سابقة تتمتع بها الكاتبة، فقد حقق هذا الكتاب مبيعات قياسية غير مسبوقة على المستوى العربي المتعود على ترديد لازمة: "شعوبنا لا تقرأ".
هي رواية عن مليونير لبناني في الخمسين من عمره واسمه طلال هاشم، أعجبته مطربة جزائرية تدعى هالة الوافي في السابعة والعشرين من عمرها، وشاهدها مصادفة في برنامج تلفزيوني فقرر أن يلاحقها واضعا الخطة تلو الخطة للإيقاع بها، هي التي ترتدي الأسود حدادا على مقتل والدها وأخيها خلال الاضطرابات المعروفة التي شهدتها الجزائر.
قصة حب مكررة ومألوفة لا جديد فيها..
لكن.. لنعد سوية إلى البداية..
لا يمكننا فصل هذه الرواية عن مجموع ما قدمته الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي خلال تجربتها الأدبية، وأيضا عن مسارها هي ككاتبة، لذلك سنتناول كل هذا بشكل أكثر تفصيلا حسب ما يسمح به حجم التدوينة، بعيدا طبعا عن مبالغات الجانبين، بين من بلغ هوسهم (لا، سأكون أكثر دقة وأقول هوسهن) بمستغانمي حد اعتبار نقد كتبها مسا شخصيا بهم (أو بهن)، وبين من حولوا نقدهم لروايات مستغانمي إلى قذف وتجريح بشخصها هي (القصة الشهيرة للصورة التي تجمعها بشاب في مقتبل العمر، والذي نسجت حوله الحكايات والإشاعات والأكاذيب، ليتضح فيما بعد أنه ابنها!).
أحلام مستغانمي كاتبة جزائرية من مواليد 1953، كان والدها مناضلا في ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعماري الفرنسي، عملت في الإذاعة الوطنية الجزائرية وقدمت برنامجا شعريا، قبل أن تنتقل إلى فرنسا، بعد زواجها من صحفي لبناني، وتنال شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون في الثمانينيات، وتستقر حاليا في العاصمة اللبنانية بيروت، وقد ظهر اسم مستغانمي في الساحة الأدبية لأول مرة مع صدور روايتها الأولى ذاكرة الجسد عام 1993، وهي الرواية التي فازت بعد صدورها بخمس سنوات بجائزة أدبية عربية رفيعة، هي جائزة نجيب محفوظ.
حصدت هذه الرواية بالفعل اهتمام كل النقاد والقراء في العالم العربي، وصدرت عنها الكثير من الدراسات والأطروحات الجامعيّة في جامعات عربية ودولية، وصنفت ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية، نظرا لتفوق الكاتبة في تقديم صورها الشاعرية وتاريخيتها السردية وزخم أحداثها المتواصل، المرتبط بأحداث مهمة عرفتها الساحة الجزائرية والعربية ككل، كحرب التحرير الجزائرية والثورة الفلسطينية، من خلال قصة حب معقدة مليئة بالعواطف، وقد جرى تحويل الرواية إلى مسلسل سوري من بطولة جمال سليمان وإخراج نجدت أنزور عام 2010، وهو المسلسل الذي لم ينل النجاح المأمول، عطفا على ما قال البعض أنه إخفاق في نقل اللغة الشاعرية القوية للرواية.
ولكن، ماذا بعد ذلك؟
أتبعت الروائية عملها الأول ذاكرة الجسد بعملين شكلا ضلعين أساسيين في ثلاثيتها الأشهر، هما فوضى الحواس وعابر سرير. وفيما بعد نسيان كوم ورواية الأسود يليق بك.
سيلاحظ القارئ الموضوعي أننا أمام أعمال تعتمد بالدرجة الأولى على الإبهار اللغوي والبهرجة في الكلمات، مع الافتقار في الوقت نفسه للحبكة والمخيلة والقصة، فأنت لن تجد مسارا واضحا أو تصاعدا في الأحداث، سواء بالنسبة للحبكة الرئيسية أو الحبكات الفرعية، الثلاثية وما بعدها متطابقة فكريا وتدور كلها في فلك ثيمات الحب الضائع والعلاقات الغرامية المستهلكة ومعاداة الرجال (الخونة والطماعين والشهوانيين.. إلخ) على طريقة الدراما التركية، وهذا يحيلنا إلى طبيعة المنتوج الاستهلاكي المقدّم، فقصص الحب والعذاب والألم دائما ما كانت تجذب المتلقي العربي، سواء كان قارئا أو مشاهدا.
مشكلة مستغانمي (وربما أيضا بعض الروائيين العرب اللاحقين) في نظري المتواضع، هي أن اشتغالهم على اللغة وتركيزهم عليها أوصلهم في معظم الأحيان إلى إهمال جوانب الحبكة والإقناع، فتقرأ رواية لغتها شاعرية جميلة -وإن كان هذا الجمال أيضا مبالغا فيه أحيانا وواقعا في دائرة الغموض، ما يمكننا تشبيهه بفنجان من القهوة التي بالغنا في إضافة السكر إليها حتى أصبح تذوقها مستحيلا- لكن حبكتها مهلهلة وسردها ممل لا روح فيه ولا تشويق، فكرتها مكررة لا جديد فيها، كما قد تجد أيضا في الجهة المقابلة من يبتكر فكرة جديدة، ويشتغل على حبكتها بعناية، لكنه يسيئ استخدام وتوظيف اللغة، ما يدمر كل ما بناه، (وقد تجد أحيانا "شيئا" لا لغة فيه ولا حبكة ولا حتى السرد، لكنه ينجح، لماذا ؟ لا أدري!)
هوس البعض بما تقدمه مستغانمي في رواياتها تزامن مع ظهور موجة مواقع التواصل الاجتماعي، التي تشهد نقل الكثير من اقتباساتها، والمشكلة هنا أن المعجبين عندما يتناقلون هذه الاقتباسات، يفعلون ذلك بالكثير من الاحترام والتقدير المبالغ فيهما، والطريف أنك عندما تراجع هذه الاقتباسات وتحللها لا تجد فيها أي جديد، أو أنها فارغة المعنى والمضمون، لكن اسم أحلام وحده كفيل بإجبارك على تناقلها! وقد ذكرني هذا بتعليق كوميدي ساخر قال فيه أحدهم أنك عندما تنشر في صفحتك مثلا عبارة "أكل أحمد التفاحة" فلن يهتم بها أحد، أما إذا ذيلتها باسم كويلهو أو مستغانمي فتأكد بأنك ستحصد مئات اللايكات!
أوجه كلامي في النهاية للمهووسات بمستغانمي، الكاتبة الجزائرية لم تكن في يوم من الأيام أفضل ما جادت به قريحة الأدب والرواية العربية، لمجرد أنها مشهورة إعلاميا، جربوا القراءة عربيا لمحفوظ والمنفلوطي ومنيف وجبرا وكنفاني، وأيضا بهاء طاهر وربيع جابر ورضوى عاشور وغيرهم -على سبيل المثال لا الحصر- وبعدها لكل حادث حديث..
أما فيما يخص مهاجمي الكاتبة، صحيح أن الكثيرين يجدون صعوبة بالغة في الفصل بين إبداع الكاتب وحياته الشخصية، ولكن إن كان من حقنا إبداء الرأي في ما يقدمه الكاتب من أعمال أدبية وفكرية، فلا يحق لأحد التشهير بشخصه أو اختلاق الأكاذيب عنه فقط لأنه يكرهه، لسبب أو بدونه!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى