هل سألتِ نفسكِ ذات مرة لماذا ارتديتِ الحجاب أو النقاب؟! هل سألتِ نفسكِ عن قناعاتك الخاصة بما ترتدينه؟! هل أنتِ راضية عن ذاتك بما ترتدينه من زي؟!
نعم أريدك أن تقفي مع ذاتك وتخبريها عن هويتك وتطرحي عليها تساؤلاً: لماذا يهاجم العالم النقابَ؟! وهل حقاً هناك حرب عليه؟! ولماذا أصبح الحجاب مرتبطاً بقطعة من القماش توضع على الرأس أو الوجه؟! ولماذا ترتبط العفة فى مجتمعاتنا بما ترتديه المرأة؟! فتصبح المرأة المنتقبة أكثر عفةً من المرأة المحجبة وتضحَى المرأة التي لا ترتدي الحجاب أقل عفةً من بين هؤلاء. أحقاً وضع قطعة من القماش على الوجه أو الرأس يحدد عفّة المرأة من عدمها؟!
أتعجب كثيراً؛ لأن النقاب أو الحجاب مثله مثل أي زى آخر ليس مرتبطاً بعفّة أو احتشام أو ستر أو تدين أو شيء آخر؛ لأن العفة والاحتشام والستر يعبر عنها الإنسان في سلوكياته وتصرفاته وأخلاقه مع الآخرين ومع نفسه أولاً وليس بارتداء نقاب أو حجاب.
وذلك يجعلنا نتساءل مرة أخرى: لماذا إذاً منظمات تحرير المرأة تطالب بنبذ الحجاب عموماً؟! أليس ذلك يعتبر نوعاً من الديكتاتورية والتسلّط والجور على حقوق المرأة التي يكون لديها رغبة في ارتداء هذا الزي؟! أما هذه المنظمات ليست إلا شكليات وتسعى فى الأساس إلى تطبيق أيديولوجية معينة، ولكن تحت ستار الحرية والتحرر والحقوق؟!
لماذا يخشى العالم غير الإسلامي من الحجاب؟! نعم لأن الحجاب هو رمز إسلامي يعبّر الفرد من خلاله على معتقده الديني وذلك يفزع الغرب؛ لأنه هوية المرأة المسلمة وصاحب الهوية يجذب الآخرين إليه، خاصة عندما يكون مفهوم الحجاب ليس تغطية رأس أو وجه وإنما هو أوسع من ذلك، هو حجب العقول عن الوقوع في نزلات الخرافات ودنس المعتقدات، فيكون العقل به أرقى وأعظم.
لذلك أصبح الحجاب في العالم الإسلامي مشوهاً بالخلاعة والفجور، ترتدي الفتاة النقاب تغطي وجهها، وجسدها مكشوف على العامة، وأفكارها مصابة بالدنس، وترتدي أخرى الحجاب لتغطي رأسها مع كشف عورات الجسد؛ ليكون للعقل نصيب منه، وهكذا نجح مَن هم يخشون الحجاب في نزعه وتحويله إلى نوع من المرقعة.
ويأخذنا العقل إلى طرح تساؤل آخر هو: "هل الزي يربي صاحبه؟!" على حسب ما أراه بعيني (لا)؛ لأنه توجد منتقبات فاسقات وتوجد محجبات فاسقات، ويوجد من هم غير ذلك فاسقات، كما يوجد من المنتقبات والمحجبات ومَن هم غير ذلك على خُلق ودين؛ لذلك ليس الزي هو مَن يربي صاحبه، ولكن الزي يعبر عن نوعية الثقافة والمعتقد الذي يحمله صاحبه داخل فكره وعقله، ولا أستثني من ذلك قلبه، ولكن أيضاً لا يجوز التعميم في ذلك؛ لأن هناك حالات تكون مجبرة على ارتداء زي معين بالتالي يصبح هناك خلل بين مظهرها العام ومعتقداتها الخاصة، ولكن حتماً يعبّر زيها علي أيديولوجية البيئة التي نشأت بها.
وذلك يجعلنا نصل إلى نتيجة هي لماذا يخشى بعض الناس من الفتيات اللاتي يرتدين النقاب؟! نعم لأنهن يعبرن من خلال ما يرتدينه عن معتقداتهن الخاصة، التي قام الإعلام بزرعها في عقول الناس على أنها أفكار ومعتقدات تكفيرية ملطخة بدماء مَن هم ليسوا منهم، وذلك منافٍ للحقيقة، ولكن ما يزيد الأمر تعقيداً هو عدم اندماج هؤلاء مع العامة وفي الحياة العامة بشكل عام، وتجنب كل من هم ليسوا على شاكلتهن، كما ينظر البعض منا إلى المرأة التي لا ترتدي الحجاب بأنها امرأة فاجرة، وذلك يرجع إلى ثقافة الفرد الذي تربى عليها بأن المرأة المسلمة يجب عليها أن ترتدي الحجاب وتغطي رأسها، نعم إنها ثقافة ومعتقد، وعندما يستطيع الفرد التحرر منها والخروج من كهفها المظلم سوف يرى أن الناس يجب أن يتم التعامل معها وقفاً لإنسانيتها.
وما أريد الوصول إليه من هذا المقال ليس الهجوم على فصيل معين، وإنما الغرض منه هو تفتيح العقول على تقبّل الآخر مهما اختلف زيّه، وليست العفة زياً وليست الهداية زياً، وإنما هو ما يحمله القلب من طهارة ونقاء.
ومن ثّم نتساءل هل نوعية الزي الذي ترتديه المرأة تعبر عن مدى عفتها؟! سنجد في شوارع مصر منتقبة تغطي وجهها وتعري باقي جسدها بارتداء ملابس تكشف عن تفاصيله، وتجد فتيات تضع الحجاب على رأسها وتعري جسدها بارتداء ملابس فاضحة تكشف العورات، فنحن قد ترجمنا الحجاب بأنه " تغطية وجه أو تغطية رأس"، ولم ندرك أن الحجاب يشمل الجسد بالكامل دون ما أباح الله كشفه فى جسد المرأة كاليدين والوجه، مع اختلاف ذلك عند بعض العلماء، فالحجاب هو ستر العورات "عورات الجسد والعقل معاً"، وليس قطعة من القماش نغطي بها وجهاً أو رأساً، وقبل ذلك الحجاب هو أن نحجب عقولنا عن التلوث الذي أصابها، ونحمي قلوبنا من الوقوع في دنس التصنيفات والأحكام على الآخرين، ولسنا في ساحة معركة؛ لكي نحارب ونلقي التهم على بعضنا البعض.
فحق الإنسان على الإنسان أن يحترم إنسانيته، ارتدي ما شئتِ سواء نقاب لتعبري من خلاله عن تقربك إلى الله على حسب ما تعتقدينه فهو شأنك لا دخل لنا به، أو ارتداء الحجاب معتقدة أنه الزي الإسلامي الصحيح وفيه عبادة وتقرب من الله، فهو لك، ليس لنا به دخل، في حين أنك لا تجدين في ذلك وذاك نوعاً من العبادة أو التقرب من الله فهو شأنك أيضاً، ولكن ما يهم أن تتقبلي الآخر وأن تحترمي إنسانيته ما دون ذلك ليس لك به دخل.
وأريد أختم حديثي هذا بأن الحجاب أصبح عند الكثير عادةً متوارثةً وليس عبادة، ولكن لا مانع من جعل الدين ستاراً لهذه العادات، فعلينا أن ننظر إلى أنفسنا، وسوف نكتشف ذلك، ولكن نحتاج إلى مزيد من التأمّل والتدبّر في حالنا وأوضاعنا.