نظم المكتب الثقافي والإعلامي في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة صباح أمس في مقر المجلس أصبوحة قصصية اشتركت فيها الكاتبتان الإماراتيتان نجيبة الرفاعي ولولوة المنصوري، وقدمتها نجلاء العبدولي من المكتب الثقافي، مستعرضة حياة كل من الكاتبتين وما أصدرتاه من كتب .
نجيبة الرفاعي قرأت قصتها "أحلام يسكنها الألم" التي تحكي عن شاب مهاجر، كان ابن قريته الذي جاء به من بلده قد وعده بعمل في مجال برمجة المعلومات التي يحمل شهادة تخصصية فيها، لكنه حين يصل يجد أن الوظيفة التي استقدم لها هي عامل نظافة، وبراتب زهيد، ولا يجد مفرا من العمل فيها، والتعايش مع حاويات القمامة بما فيها من عفن وأوساخ، ويظل الألم يعتصر قلبه، وهو يستحضر كمّ الأحلام التي ترك بلاده من أجلها، وما ينتظره منه أهله وحبيبته من آمال لا يستطيع تحقيقها، ويكتشف مدى الكذب الذي يغلف الدنيا من حوله .
وقد لعبت الرفاعي على التشويق من خلال التقاط اللحظة الحرجة في حياة بطل القصة، لحظة الذروة والألم حين يكتشف الخدعة التي عاش فيها، فتتخذها بؤرة القصة لتقوم بعد ذلك باستعادة فلاشات من حياة ذلك الشاب، راسمة خارطة لمأساته، تهتم بالتفاصيل الدقيقة في مشهد ذلك العامل الجالس بجانب حاوية القمامة، وما هو ماثل حوله من أشيائها، تقول: "هنا حيث تتراكم الأحشاء النتنة بلا انتظام أكتشف الوجه الآخر للبشر، طعامهم، روائحهم وحتى عواطفهم، هنا حيث يرمون فضلاتهم . . تبدأ عندها تضاريس حياتنا"، وتستغل الرفاعي اللحظة للغوص عميقا في نفسية ذلك المهاجر، واستكشاف ما يعتمل بداخله من أفكار وحنق على قريبه الذي خدعه وعلى البشر والحياة التي ولت ظهرها في لحظة ظن أنه احتضنها بين يديه .
أما لولوة المنصوري فقرأت قصتها "عبث خاص" وهي عبارة عن لقطات مشهدية ترصدها عين الكاتبة التي تعمل كأنها كاميرا، لكنها كاميرا من نوع خاص، تحاول أن تصنع من العبث المشهدي واللغوي نسقاً ذا مغزى نفسي وفكري، فتحاول أن تربط المشاهد المتناثرة بخيط دلالي غير مرئي، فالمشهد الأول هو مشهد نفسي وجسدي بالنسبة للذات المتكلمة "الأنا" التي تعاني من ركود نفسي وجسدي "أفتقد حراك خمسة ملايين خلية في جسدي"، يماثل ذلك الركود ركود تاريخي يمثله المجتمع قبل فترات الانفتاح، ثم يأتي الانفتاح والحركة الذي يمثله المجتمع في ما بعد زمن الانفتاح على العالم الخارجي، حيث البشر من كل جنس وطيف والشوارع المكتظة، والحركة التي لا تنتهي، ثم مشهد مكونات بيتها البطلة/ الكاتبة، والتفاصيل الصغيرة في حياتها (التي تجلس على وقتي، وتثقل لسان الأمنيات وتعيدني للوراء)، فهي تملك عليها نفسها وتحاصرها، وفي المشهد التالي يتوثب الجسد والنفس للقفز في معمعة الزحام والانطلاق مع الحركة والصخب، والتحرر من واقع الحياة وأشيائها، لكنها تظل مشدودة إلى أشيائها الصغيرة وأطفالها، فلا تستطيع أن تنطلق إلى ذلك العالم .
وفي المشهد الأخير يترهل الجسد لكنه يغدو الحضن الدافئ لنمو الحياة بزهورها وطيورها وخضرتها اليانعة بأطفالها الذين يكبرون ويكبرون ليبتلعهم صدر المدينة .