رفعت صحفية فرنسية الحجاب عن بعض المسكوت عنه في ما يتعلّق بالمرأة في المجتمع السعودي المحافظ، وكشفت في كتاب لها حمل عنوان “ثورة تحت الحجاب” بداية كفاح نساء سعوديات للحصول على أبسط حقوق المرأة في مجتمع ذكوري.
يروي كتاب “ثورة تحت الحجاب” لصحافية فرنسية كفاح نساء سعوديات للحصول على أبسط حقوق المرأة في مجتمع تحكمه تقاليد وأعراف تجمع بين مفاهيم دينية متشددة وممارسات اجتماعية يطغى عليها الجمود.
وتقول كلارينس رودريغز، لوكالة الصحافة الفرنسية “أن تبوح المرأة بمكنونات صدرها ليس أمرا سهلا في مجتمع محافظ ومتشدد مع النساء مثل السعودية”.
وتضيف الصحافية التي تراسل العديد من وسائل الإعلام الفرنكفونية “التقيت العديد من النساء اللاتي أبدين تحفظات حيال أسئلتي في بادئ الأمر”.
وتتابع “لذا، كان من الضروري التصرف بطريقة تمكنني من نيل ثقتهن، شعرت بفضول شديد لمعرفة ماذا يوجد تحت العباءة أو الحجاب”.
وتضم دفتا كتاب “ثورة تحت الحجاب”، الذي صدر في باريس عن دار “فيرست” للنشر، مقابلات مع ثماني نساء والقانوني سعود الشمري من أعضاء مجلس الشورى.
وأبرز من التقتهم رودريغيز الأميرة عادلة، ابنة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، والناشطة مديحة العجروش، التي كانت من بين 43 الاتي تجرأن على قيادة السيارات في الرياض، بالإضافة إلى منال الشريف.
وسبق أن قالت الأميرة عادلة بنت الملك عبدالله بن عبدالعزيز إنها متفائلة بشأن تنامي دور المرأة السعودية في المستقبل في ظل توجهات القيادة السعودية نحو توسيع مشاركتها في التنمية. وبسؤالها عن رؤيتها بشأن المزيد من تمكين المرأة في المجتمع خلال العام المقبل قالت الأميرة عادلة “نحن طبعا متفائلون.
هناك جهود مجتمعية خلال السنوات العشر الأخيرة هادفة إلى توسيع مشاركة المرأة في التنمية وهناك قرارات سياسية من ولاة الأمر بدعم المرأة لدخول مجلس الشورى والمجالس البلدية”.
وأضافت “نعتبر (تلك القرارات) نافذة ستوصلنا ان شاء الله إلى تطوير أكبر وتوسيع أكثر في تمكين المرأة من مراكز قيادية لخدمة المجتمع”.
وحول أهم العوائق التي تقف أمام تمكين المرأة قالت الأميرة عادلة إن أهم تلك العوامل هي (نقص) التأهيل والخبرة والتجربة إلى جانب ارتباط المرأة بالأسرة مما يجعل مجالها المهني في المرتبة الثانية.
وقالت “أظن أن التأهيل والتمكين وتطوير قدرات المرأة هي العوامل (الهامة) وخصوصا بالقطاع الخاص لأن الوظيفة تعطى للأكفأ بغض النظر عن كون (من يعمل) سيدة أو رجلا”. واختتمت الأميرة حديثها بأن ناشدت المرأة السعودية العمل على الوعي بحقوقها وتطوير قدراتها لتعزيز ثقة المجتمع بها وتشجيعه على دعمها.
وقالت “أطالب بوعي المرأة بحقوقها وانتباهها لقدراتها والعمل على تطوير ذاتها وترتيب أولوياتها… كل هذا سيضع ثقة أكبر من المجتمع بها وبالتالي يمكن من حشد الدعم لها عن طريق القطاعات الحكومية أو القطاع الخاص”.
ولا تزال المرأة السعودية في حاجة إلى ولي أمر أو محرم لإتمام كل معاملاتها بما في ذلك الحصول على جواز سفر. كما أنها لا تستطيع السفر دون موافقة ولي الأمر بغض النظر عما إذا كانت والدته أو ابنته أو زوجته أو شقيقته، والموافقة ليست حصرا على العنصر النسائي فقط إنما على الذكور الذين لم يبلغوا الحادية والعشرين. كما أن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم حيث ما تزال المرأة ممنوعة من قيادة السيارات.
من الناشطات الوارد ذكرهن في الكتاب هيفاء المنصور مخرجة فيلم “وجدة”، الذي شارك في مهرجان البندقية السينمائي ونال جائزتين في مهرجان دبي السينمائي الدولي، كما حاز جائزة الجمهور في مهرجان فريبورغ السويسري.
وليس أمرا متاحا تصوير فيلم في بلد لا توجد فيه قاعات سينما فيما النساء شبه غائبات عن الساحة العامة. ففي الرياض اضطرت المنصور إلى التصوير في شاحنة صغيرة بعيدا عن الأنظار وإدارة ممثليها عبر جهاز لاسلكي.
كما أن عددا من السكان في بعض أحياء المدينة حاولوا وقف التصوير أحيانا. ومن الذين التقتهم رودريغيز عضو مجلس الشورى الجامعية، هدى الحليسي، والناشطة على تويتر إيمان النفجان والرياضية التي شاركت في أولمبياد لندن العام 2012 وجدان شهركاني، ولمى العقاد.
وتؤكد الصحافية “لقد بذلت محاولات حثيثة للتقرب منهن للاطلاع على أحوالهن عن كثب وصارت الأبواب تفتح شيئا فشيئا إلى أن حظيت بثقتهن كاملة”.
وقد التحقت الصحافية الأربعينية بزوجها إثر حصوله على وظيفة في المملكة “إذ لم يكن أمامي خيار آخر، إما أن أكون معه أو أعيش البطالة” بحسب قولها.
وتؤكّد “أنها المرة الأولى التي تقدم فيها ثماني نساء شهاداتهن بقلب منفتح (…) إنه أمر لا سابق له”. وتضيف “لقد رفضت البقاء أسيرة أفكار وأراء تؤكد أن السعوديات لا يفعلن شيئا أو لا يفقهن شيئا”.
وهي تعتبر الكتاب “مناسبة للنساء لكي يتحدثن عن انفسهن (..) فالكل يتحدث عنهن دون التقائهن أو معرفتهن”.
وأجابت ردا على سؤال حول اختيارها هؤلاء بالتحديد “لأن المرأة بدأت التحرك من أجل تغيير الواقع ومنذ سنتين يسعى الملك إلى ادماجها في المجتمع عبر السماح لها بالعمل في بعض القطاعات والترشح والتصويت في انتخابات الشورى والبلديات”.
وفي سؤال حول رأيها في النقاب والجدل الدائر حول ارتدائه تقول عادلة “النقاب يرجع في الأصل إلى التقاليد وليس الدين فهنا يمكنك رؤية نساء يغطين وجوههن أو يغطين شعرهن فقط، وأنا شخصيا لا أرى أي اعتراض على الحجاب الذي يغطي الشعر وأرى أنه مطابق للإسلام أكثر من الذي يخفي الوجه ولكن لماذا نطرح هذا السؤال إذا كان لكل منا حرية الاختيار، لكن النقاب لا يمكن أن يكون مسموحا به في الأماكن التي تحتاج إلى إجراءات أمنية”.
وتستنكر الأميرة استمرار منع الاختلاط بين الجنسين في بعض الأماكن “لماذا لا يمكن للأفراد الحفاظ على احترامهم المتبادل في العمل كما هو الحال في المستشفيات، وفي الحج، يمكن القول إن الأمر سيأتي بالتدريج وبوضع قوانين ضد التحرش”. وتضيف “أتمنى أن نتجاوز مسألة منع المرأة السعودية من قيادة السيارات إلا أن الأمر ليس بيدي”.
يذكر أن الملك أقر الحقوق السياسية للمرأة اقتراعا وترشحا في سبتمبر 2011 وحق العمل في محلات المستلزمات النسائية في يونيو 2012.
وحول البدايات والانطلاقة، تقر رودريغيز أن بعض النسوة “موجودات بفضل تأييد وتشجيع الأباء لهن وإلا كان الأمر سيبدو مستحيلا تقريبا”.
وترى أن المملكة “تستحق وقتا أكثر لمراقبة الأمور وما يجري بداخلها للانعتاق من الأفكار المسبقة عنها”.
وتضيف مراسلة راديو فرانس انترناسيونال وفرانس انفو و”فرانس 24” و”تي في 5” أنها وصلت إلى الرياض صيف العام 2005 ومنذ أن وطأت قدماها أرض السعودية وهي تبحث عما يدور تحت الحجاب. وتؤكد أن الكتاب، وهو من الحجم المتوسط ويقع في 325 صفحة، يأتي ثمرة عمل ثماني سنوات بدأتها كمراقبة. وتشير إلى أنها أرادت في البدء انتاج أفلام وثائقية “لكنني صرفت النظر عن ذلك وبدأت العمل في الكتاب العام 2011 بتشجيع من المعارف والأصدقاء”..
العرب