تشير دراسة أعدها باحثون بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر، إلى أن 80 بالمئة من المتزوجين عرفيًا ينتمون إلى فئة عمرية تتراوح ما بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين، وهي تقريبًا سن الطلاب في مراحل التعليم الثانوي والجامعي. إذن فالقضية تطال شريحة كبيرة من المجتمع وتتداخل فيها العوامل الاجتماعية والأخلاقية والدينية والقانونية والاقتصادية، فهي ليست قضية جيل لكنها قضية كل الأجيال.
هـدى واحدة من المتضررات من الزواج العرفي وافقت وبعد تردد على الحديث عن مأساتها مع هذا النوع من الزواج، بشرط ألا يتضح من معالم القصة أنها البطلة الحقيقية، حيث أنها تتمتع بسمعة طيبة وترتدي الحجاب وتصلي بانتظام.
في يوم من الأيام تعرفت على شاب شقيق لصديقتها ونشأ بينهما نوع من الإعجاب، وتطورت العلاقة بينهما بسرعة لم تكن تتصورها، حيث وجدت نفسها معه في شقة أحد الأصدقاء. وخرجت من اللقاء الأول وقد أصبحت "سيدة" بعد أن ودّعت عذريتها.
حاول طمأنتها، وكتب لها ورقة "زواج عرفي" واستمرت العلاقة ثلاثة أشهر، ثم بدأت الخلافات حينما ازداد إلحاحها وتوسّلاتها لكي يتزوجها بشكل معلن، هددها بالورقة، وفي هذه الأثناء كان هناك خطاب كثيرون يتردّدون عليها، وأسرتها تحاول معرفة سرّ عدم موافقتها على الزواج، لكنها كانت تلتزم الصمت وتعطي مبررات واهية.
وتتحدث بسمة التي وقعت في غرام أستاذها الجامعي، المتزوج ولديه أربعة أبناء، وعاشت معه قصة حب كبيرة، ثم أقنعها بالارتباط عرفيًا فوافقت، وعاشرها لمدة أربع سنوات. ولكن فجأة تركها وسافر إلى الخارج، حاولت الاتصال به لكي يعلن زواجهما رسميا، إلا أنه رفض وهددها بفضحها بالورقة العرفية. ومازالت المساومات بينهما جارية، ولا تعرف كيف تتعامل مع المستقبل إذا ما أرادت الارتباط بآخر؟ هل ستقدم نفسها كآنسة أم زوجة؟
وعن أسباب اللجوء لهذا الزواج العرفي يرى الكثيرون أن اللوم كله يقع على الأسرة لأنه لا توجد علاقة صحية قائمة على الثقة بين الآباء والأبناء. فحين تكون الفتاة مهملة داخل منزلها وتجد من يبالغ في الاهتمام بها خارج المنزل فإنها ترتبط به بعد أن يغرّر بها.
تقول إحدى السيدات وهي أم لثلاث بنات بالجامعة "لو كان الشاب يحب الفتاة حقًا، لرفض الارتباط بها عرفيًا، ولكان قد افتخر بالارتباط بها بشكل رسمي وشرعي. وعلى كل فتاة أن تفكر بعقلها، لأن الشرف مسألة مهمة، والعلانية ضرورية لإتمام الزواج".
ويؤكد محمد رمضان، أستاذ علم النفس، أن كل ما هو سريّ يعني حالة من الخوف الداخلي والخوف الخارجي، وازدياد الخوف يؤدي بصاحبه إلى اضطراب نفسي دائم، والخوف هو أساس كل الأمراض النفسية، وعندما يقوم الإنسان بعمل ما، وهو خائف وقلق، فإنه يذهب إلى المرض النفسي بنفسه". وسرية الزواج العرفي إنما تعني التناقض بين غايتين هما الرغبة والرهبة، الرغبة في الاجتماع بأنثى والرهبة من إعلان ذلك. وتلك الثنائية إنما تمثل جوهر الصراع النفسي الذي يوقع صاحبه فريسة للمرض.
من جانبه يقول محمد فايز أستاذ علم الاجتماع "الزواج العرفي ليس محرمًا مادام هناك شهود على هذا الزواج، لكن المشكلة في أنه يحرم الفتاة من جميع الحقوق، لأنه لا يسجل في سجلات رسمية، وقد يلجأ الشباب إلى هذا النوع الرخيص من الزواج هروبًا من الزواج الشرعي الذي يضع ضوابط متعددة للزواج، فقد لا يكلف الزواج العرفي ذلك الشاب أكثر من خاتم خطبة رمزي. وقد انتشرت ظاهرة الزواج العرفي بين شباب الجامعات في محاولة للالتفاف على قوانين الدين".
ويتهم فايز أوساطًا خارجية بتشجيع مثل هذا النوع من الزواج لكي يتناسب تمامًا مع نظام "الصديق والصديقة" المعمول به في أوروبا الغربية والدول غير الإسلامية، حيث يعيش الزوجان معًا بلا عقود.
وعن موقف القانون من الزواج العرفي يقول المحامي يوسف الشريف "الشريعة تميل إلى القول بعدم صحة الزواج العرفي، ولأنه غير موثق بشكل قانوني فمن الممكن أن ينكر الرجل علاقته بزوجته في هذه الحالة بسهولة، وينكر ما ينجم عن زواجه، ويحرم زوجته من نفقاتها وحقوقها؛ لأنه لا دليل قانوني للزوجة على إثبات زواجها".
ويقول سيد أبوعبلة المحامي "هناك نوعان من الزواج العرفي، نوع يثير اللغط بين الناس ويوجد عليه إشكال قانوني وهو حين يتفق رجل وامرأة مع توافر شهود أو من دون شهود ويكتبان ورقة عرفية ويحتفظ كل من الطرفين بنسخة من الورقة ويمارسان حياتهما كزوجين. وهناك زواج عرفي أيضًا يتم عن طريق الموظف المختص وبشهود قانونيين ويستوفي جميع الإجراءات القانونية، لكنه سري وغير معلن، وهو زواج سليم من الناحية القانونية".
أما الزواج السليم فهو الزواج العادي ويتم بعد عقد القران أمام المختص ويستوفي جميع الإجراءات التوثيقية المطلوبة قانونًا، وأيضًا الأعراف الاجتماعية، المقصود بها أن تعلم عائلتا الزوج والزوجة وتعلنان وتتراضيان لأن الزواج هو نواة جديدة تربط بين عائلتين لتكوين عائلة ثالثة. فإذا كانت العلاقة الزوجية لا تستوفي الأركان الأساسية من الناحية الاجتماعية عندئذ يشوبها القصور. والسؤال الذي يطرح هو هل يجوز للمتزوجة عرفيًا أن تتزوج بآخر من دون علمه؟ الإجابة القانونية تقول إنه لا يجوز لها أن تتزوج بآخر مادامت هناك ورقة سليمة وبتوقيع الشهود. أما إذا كانت ورقة زوجية "عرفية" من دون شهود فهذا زواج باطل وفي حكم المنعدم ويعتبر "زنا".
وعن تصوره لحل مشكلة الزواج العرفي، يقول أبوعبلة "إنها حالة من حالات الخلل الاجتماعي، وجريمة يشترك فيها جميع الأطراف، المرأة والرجل والعائلة. ومن المهم أن يجتمع المفهوم الشرعي للزواج مع المفهوم القانوني بالنسبة إلى صحة انعقاد الزواج من عدمه وبطلانه، بمعنى أنه إذا لم تكتمل شروط الزواج المطلوبة من توثيق وكتابة وخلاف ذلك يستحق بطلانه قانونًا وشرعا".