قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن على الحكومة الصومالية الجديدة أن تتبنى إصلاحات ملموسة من أجل مواجهة العنف الجنسي المتفشي. على مدار العام الماضي تعرضت السيدات والفتيات لمعدلات عالية من الاغتصاب والتجاوزات الجنسية، بما في ذلك من قِبل جنود حكوميين، في مقديشو عاصمة الصومال.
وقالت لايزل غيرنهولتز مديرة قسم حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: تعيش الكثير من السيدات والفتيات في مقديشو في خوف دائم من الاغتصاب. لم تترجم التزامات الحكومة الصومالية المعلنة إلى حماية أفضل للنساء أو دعم للضحايا".
التقرير الصادر في 72 صفحة بعنوان "الاغتصاب أمر عادي هنا: خطة النقاط الخمس للسيطرة على العنف الجنسي في الصومال" يوفر خارطة طريق للحكومة والمانحين الدوليين لوضع استراتيجية متكاملة لتقليص معدلات الاغتصاب وإمداد الناجيات بالمساعدات العاجلة التي توجد حاجة ماسة إليها، وتطوير نهج طويل الأمد لإنهاء هذه الانتهاكات. يركز التقرير على تحسين الوقاية وزيادة إمكانية الحصول على خدمات الطوارئ الصحية، وضمان العدالة، والإصلاحات في القانون والسياسات، وتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة.
قابلت هيومن رايتس ووتش أثناء إعداد التقرير 72 سيدة في مقديشو تعرضن للاغتصاب، وقد تعرضت بعضهن لاعتداءات من قبل عدة جناة في أكثر من واقعة. وقعت جميع الحالات منذ أغسطس/آب 2012، تاريخ تولي الحكومة الاتحادية الصومالية الجديدة للسلطة.
وقعت تلك الحوادث في منطقة بنادير، وتشمل مقديشو، وهي منطقة تخضع بالأساس للسيطرة الحكومية، وحيث تم استثمار موارد لتحسين الحالة الأمنية وبناء مؤسسات الحكومة، بما في ذلك القضاء والصحة.
قام معتدون مسلحون – بينهم عناصر من قوات الأمن التابعة للدولة – بالاعتداء جنسياً على السيدات والفتيات واغتصابهن وإطلاق النار عليهن وطعنهن. السيدات والفتيات المشردات جراء الحرب والمجاعة في شتى أنحاء البلاد هن الأكثر عرضة للانتهاكات سواء داخل مخيمات المشردين داخلياً، وهن في طريقهن إلى السوق ومنه، أو أثناء العمل في الحقول، أو البحث عن الحطب، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
قالت هيومن رايتس ووتش إن غياب العدالة على العنف الجنسي ما زال هو المعيار السائد في الصومال. شمسو (جميع الأسماء مستعارة مراعاة لسلامة الشاهدات)، 34 عاماً، تعرضت لاغتصاب جماعي في بيتها المؤقت بمخيم المشردين، وصفت لـ هيومن رايتس ووتش مناخ الإفلات من العقاب السائد الذي يغذي الانتهاكات: "تبادلوا الأدوار عليّ. لم يسرع الرجال بالانتهاء لأن أغلب النساء يعشن في المخيم ولسن مصدر تهديد لهم. أثناء الاعتداء قال لي أحدهم: يمكنك إخبار أي أحد أننا فعلنا بك هذا، لسنا خائفين".
أبلغت الأمم المتحدة بحوالي 800 حالة من العنف الجنسي والجنساني في مقديشو وحدها على امتداد الشهور الستة الأولى من 2013، رغم أن العدد الفعلي يرجح أن يكون أعلى بكثير. العديد من الضحايا لا يبلغن بالاغتصاب والاعتداء الجنسي لأنهن غير واثقات في نظام القضاء، أو لا يعرفن بتوفر خدمات صحية وقضائية، أو لا يمكنهن الوصول إلى تلك الخدمات، ويخشين الانتقام والوصم. عندما سألت هيومن رايتس ووتش إحدى الناجيات لماذا لم تبلغ عن اغتصابها هزت رأسها وقالت: "الاغتصاب شائع في الصومال. الاغتصاب أمر عادي هنا".
بحسب اليونيسيف، فإن نحو ثلث ضحايا العنف الجنسي في الصومال من الأطفال تحت سن 18 عاماً.
في حين تعهدت الحكومة بالتصدي للعنف الجنسي بنهج "متكامل" "كأمر ذات أولوية" فإن تلك التعهدات لم تجلب أي تغيير حقيقي يُذكر إن وجد. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة الجديدة أن تتخذ إجراءات عاجلة وملموسة للتصدي لمشكلة الاغتصاب المتفشية، لا سيما في أوساط التجمعات السكانية الخاصة بالمشردين.
رد الحكومة
في مطلع فبراير/شباط 2014 قابلت هيومن رايتس ووتش عدة مسؤولين حكوميين في مقديشو منهم الوزيرة الجديدة للمرأة وتنمية حقوق الإنسان وأعضاء في وحدة السياسات الرئاسية، وقد أكدوا التزام الحكومة بمكافحة العنف الجنسي. وقال المسؤولون تحديداً إنهم سيراجعون مسودة سياسة المرأة الوطنية الخاصة بالحكومة بحيث تضاف إليها بنود متعلقة بمكافحة العنف الجنسي والجنساني.
دعت هيومن رايتس ووتش الحكومة الصومالية الاتحادية إلى اتخاذ تدابير جادة لمنع أفراد الأمن من ارتكاب أعمال عنف جنسي ومحاسبة الجناة. ويجب على الحكومة منح الأولوية لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان عدم تعرض ضحايا العنف الجنسي المبلغات عنه لانتقام من قوات الأمن الحكومية وأجهزة الاستخبارات، كما حدث في ثلاث حالات شهيرة على مدار عام 2013.
وقالت لايزل غيرنهولتز: "تواجه حكومة الصومال تحديات ثقيلة نظراً لنطاق الانتهاكات والإجراءات الموسعة اللازمة للتصدي لها". وتابعت: "لذا بدلاً من استهداف الضحايا اللاتي يرجئن على كشف الانتهاكات، يتعين على الحكومة التركيز على ملاحقة الجناة، ومنهم عناصر من أجهزة الأمن".
أدت سنوات من النزاع إلى تدهور الخدمات الطبية والقضاء في الصومال، بما في ذلك الشرطة والمحاكم، بما يحول دون دعم ضحايا العنف الجنسي على حد قول هيومن رايتس ووتش. النتيجة أن السيدات والفتيات الصغيرات يواجهن ما وصفته خبيرة الأمم المتحدة المستقلة لحقوق الإنسان في الصومال بـ "الوقوع ضحية مرتين" – أولاً ضحية للاغتصاب والاعتداء الجنسي، ثم إخفاق السلطات في توفير الدعم العدلي والطبي والاجتماعي الفعال.
مريم تبلغ من العمر 37 عاماً وهي أم وحيدة، تعرضت لاغتصاب جماعي في مأواها المؤقت، وهي من الناجيات اللائي قابلتهن هيومن رايتس ووتش وحاولن إبلاغ الشرطة. قام رجال الشرطة في مركز الشرطة بإهانتها بعد أن نزفت من جراح لحقت بها أثناء الاغتصاب.
قالت: "قبل أن يدعوني أذهب، أخبروني أن أغسل الأرض حيث نزف دمي. جلست وأعطوني فرشاة ونزفت لهم الأرض". لم تعد مطلقاً لمركز الشرطة لمتابعة القضية أو للإبلاغ عن اغتصاب آخر تعرضت له بعد ثلاثة شهور.
وصفت سيدات أخريات المردود السلبي الاقتصادي المستمر الذي يلحقه بهن الاغتصاب، وكيف يمكن للحكومة والمانحين المساعدة. قالت سهرا، التي تعرضت للطعن والاغتصاب في يوليو/تموز وهي تجمع الحطب: "التحدي الذي تواجهه سيدات الصومال ليس العنف فحسب. الآن بالنسبة للعمل اليدوي الذي كنت أقوم به قبل اغتصابي.. لم أعد قوية بما يكفي لعمله. يجب توفر برامج أكثر تعطينا رأس مال لبدء أعمال بديلة".
دعت هيومن رايتس ووتش حكومة الصومال إلى اتخاذ عدة خطوات مهمة.
تشمل الخطوات نشر أعداد كافية من رجال الشرطة المؤهلين المدربين، وبينهم سيدات، لتوفير الأمن للمجتمعات السكانية النازحة، وضمان قدرة الخدمات الصحية والاجتماعية على توفير دعم نفساني واجتماعي واقتصادي وطبي كافٍ للسيدات والفتيات المتعافيات من العنف، وتعزيز المساواة بين الجنسين من خلال التعليم، وضمان المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمشاركة السياسية للمرأة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن التحديات التي تواجهها الحكومة ثقيلة وسوف تتطلب مساعدة من المجتمع الدولي.
ضغط مانحون دوليون على الحكومة الاتحادية الصومالية، بما في ذلك من خلال اتفاق الصومال الذي تم التصديق عليه في سبتمبر/أيلول، من أجل منح الأولوية لحقوق المرأة. إن للمانحين قدرة على التأثير وعليهم أن يوضحوا أكثر أن دعم التدابير قصيرة وطويلة الأجل للتصدي للعنف الجنسي ضد المرأة لا غنى عنها لتنمية الصومال.
وقالت لايزل غيرنهولتز: "على الدول المانحة أن تضغط على حكومة الصومال الجديدة لضمان أن يكون مصاب الناجيات من الاغتصاب في صميم جهود الإصلاح ذات الأولوية". وأضافت: "ثم إن على المانحين التقدم للمساعدة على تحقيق الإصلاحات".