القداسة الدينية ليوم الرابع عشر من شباط/فبراير/فيفري المرتبط بالقديس فالنتاين، واللون الأحمر الذي يرمز إلى الشهداء في الكنيسة المسيحية، تغيّرا مع الزمن ومع اختلاط الناس من مختلف الأجناس ببعضهم. فصار عيد القدّيس فالنتاين، الراهب الذي تحدّى الامبراطور الروماني الوثني كلاوديوس، وزوّج المحبّين داخل كنيسته، رغم منع الامبراطور للزواج خلال تلك الفترة، صار الاحتفالُ المسيحي عيدا للحب.
أخذ الاحتفال أبعادا إنسانية أكثر من ارتباطه بدين مُعيّن، وصار جزءا من حياة الناس، وصار اللون الأحمر لون الهدايا في هذا اليوم، زهورا كانت أو أشياء أخرى. والبطاقات التي كانت توزّع عليها أسماء القدّيسين، صارت بطاقات كتب عليها اسم القدّيس فالنتاين، ثم صارت بطاقات معايدة بكلمات الحب، وأحيانا بعض النكات والطرائف.
ﻇﻬﺮ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻔﺎﻧﺘﺎﻳﻦ ﺑﺎﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 1382، ﻓﻲ ﺷﻌﺮ ﺟﻴﻮﻓﺮﻱ ﺗﺸﻮﺳﺮ "ﺑﺮﻟﻤﺎﻥ ﺍﻟﺤﻤﻘﻰ"، ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻴﻪ:
"ﻭﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﻓﻲ ﻋﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺲ ﻓﺎﻧﺘﺎﻳﻦ، ﺣﻴﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﻛﻞ ﻃﺎﺋﺮ ﻟﻴﺨﺘﺎﺭ حبيبا ﻟﻪ "
الفرنسي تشارلز، دوق أورليانز ، أرسل لزوجته بالمناسبة أبياتا من الشعر، من داخل زنزانته بإنجلترا في القرن الخامس عشر. فصارت الأبيات الشعرية جزءا من مراسلات عيد الحب منذ ذلك العهد، حسب بعض المؤرخين، وكان ذلك تحديدا سنة 1415.
تختلف أشكال الاحتفال بهذه المناسبة حسب الأشخاص، ولأن الشعر متفرّد في وصف العواطف، ولأن الفن بشكل عام يتغذّى من المشاعر الإنسانيّة، كان لوكالة أخبار المرأة وقفة مع بعض المبدعات التونسيات، لمعرفة ما جهّزنه في يوم عيد الحب.
"أكتب عن الرحيل"
الكاتبة ريم قيدوز، تبوح بما يكتبه قلمها يوم عيد الحب، فتقول: "تعوّدت غياب من أحبّه في عيد الحب، واقترن هذا العيد بالغياب. لسوء حظ هذا القلب عليه أن يكتب دائما عن الرحيل. أكتب عن وردة حمراء، عن فستان أحمر لن أرتديه"
وفي رسالة عامة تقول ريم: "أكتب لكل امرأة تعيش هذا الرحيل الكبير، فليست كل النساء سعيدات في هذا العيد، ولست وحدي من تقطف ورود النسيان وتشم رائحة عطر لن يأتي في عيد الحب"
ثم تخاطب نفسها بمناسبة 14 شباط: "أقضم وحدي شوكولا سوداء لأقول لامرأة هي أنا، كلّ عيد حب وأنت بطعم حلاوة الشوكولا".
"أرسم المرأة النارية لعيد الحب"
أنيسة شعباني، الرسّامة والفنانة، حين اتصلنا بها وجدناها غارقة في مرسمها، تتمايل الريشة في يدها لترسم لوحة لعيد الحب، بطلب أحد زبائنها. لكن الزبون ترك لخيالها الاختيار الكامل لمضمون اللوحة.
"إنها ثلاث راقصات في جسد راقصة واحدة" تقول أنيسة واصفة لوحة عيد الحب، مردفة "تقف على أطراف أصابعها فتذكّرنا براقصة البالي، وتمسك شالا أبيضا شفّافا بكلتا يديها العاليتين لتغطّي به وجهها فتوحي بمشهد رقصة شرقية، وتلبس تنورة حمراء لتذكرنا براقصات الفلامنكو".
ثم تضيف "في عيد الحب رسمت المرأة بكل ما فيها من تناقضات، جبروتها الذي يصرخ من تنّورتها المُذيّلة بالنار، وأنوثتها التي تكاد تنطق من فتنة جسدها، وجرأتها البارزة في لباسها شبه العاري، إذ لا يغطي صدرها سوى مِشدّ الصدرـ أما تنورتها الحمراء فهي قصيرة جدا من الأمام." كل ذلك يجعل منها امرأة قوية، كأنها شخصية الرسامة نفسها ولا تنكر أنيسة ذلك، ففي عيد الحب، حين طلب منها اختيار فكرة للوحة، لم تفكّر إلا في المرأة، لأنها حاضرة بقوة في تفكيرها.
"عيد الحب حدث تجاري"
الشاعرة ريم القمري لا تعترف بهذا العيد وتعتبره انحرافا عن المعنى الصحيح للحب، إذ تقول: "يتملكني شعور غريب لا أجيد تفسيره عندما يقترب ما يسمى بعيد الحب، وتضج كل وسائل الاعلام بالتركيز على أهمية هذا اليوم والاحتفال به، يمتزج داخلي الاستغراب و ربما التهكم أيضا، وأتساءل بصدق لماذا نختصر الحب والاحتفال به في يوم واحد ومحدد؟ وكأننا نتوقف سنة كاملة عن الحب وفي هذا اليوم فقط ستنهال علينا مشاعر الحب المتدفقة، وسيتحاب سكان المعمورة من شرقها لغربها."
ثم تضيف: "إن تحويل الحب من حالة وجدانية نعيشها، غنية بالمشاعر والإيحاءات إلى مجرد حدث تجاري بحت نتبادل فيه الشوكولا وباقات الورد، ينزع عن الحب ألقه وبريقه ويحوله إلى ظاهرة اجتماعية باهته نتبادل فيها هدايا وتهاني قد لا تكون بالضرورة من القلب. إن الحب أعمق في رأيي من أن يختصر في تاريخ محدد، و طقوس مكررة. هو اليومي الذي نعيشه كل لحظة، فرحنا، آلامنا ودموعنا وأيضا أحزاننا، نكتبه ونتنفسه ولا نحتاج لزينة وضجة اعلامية لإعلاء مقامه."
وفي رسالة من ريم إلى نفسها، تقول: "سأعيش الحب وأحتفل به يوميا، ولا أحتاج تذكيري باحتفال يسجن الحب، لأن من يحبك حقا سيُذكّرك في كل لحظة كم يحبك ويفاجئك بهدية حين لا تتوقع تحديدا منه ذلك، فحب لا يفاجئ لا يعول عليه."
صحيح أن الحب لا يحتاج إلى مناسبة معيّنة للبوح به، أو لإبرازه للآخر، لكن الحب تجدّد، والناس في حاجة إلى مناسبات خاصة لتجديد الحب، وتقوية الروابط، وتحسين العلاقات. ورغم أنها في الأصل مبنية على قصة دينية، بدأت في عهد الرومان بـ"مهرجان الخصب" الذي كان يقام على شرف آلهة المرأة والزواج "خونو" في الخامس عر من شباط، ثم تحوله إلى الكنيسة المسيحية مع قصة القديس فالنتاين وتغيير التاريخ ليوم إعدامه أي الرابع عشر من شباط، إلا أنه صار موعدا لتجديد العهود، وللبوح ما في القلوب، ولتعليم الأطفال قيمة الحب وأهميته في حياتنا.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وجعلنا بينكم مودة ورحمة"، والمودة تعني في معناها اللغوي المحبّة.
فبوحوا لبعضكم بالحب.. لا تخافوا.. ولا تُكابروا.. فبينكم وبين الموت شعرة.