عبرت دراسة أميركية عن المخاوف من أن يُؤدي التزام الصمت وكبت الغضب من قِبل أحد الزوجين حال نشوء الخلافات الزوجية بدلاً من التنفيس السليم عنه إلى التسبب بمجموعة من المشاكل الصحية له. ولاحظ الباحثون من جامعة متشغن، في دراستهم المنشورة بمجلة الروابط العائلية “جورنال أوف فاميلي كوميونيكايشن”، أن معدلات الوفيات المبكرة أعلى بين مَن يلجأون إلى عدم التنفيس عن الغضب مقارنة بمن يفعلون خلاف ذلك من الأزواج أو الزوجات.
وشمل الباحثون في دراستهم مجموعة مكونة من 192 عائلة لأزواج وزوجات من سكان إحدى مناطق ولاية متشغن، وتمت متابعتهم لمدة تفوق الـ17 سنة، وكانت أعمار المشاركين عند بدء الدراسة في عام 1971 تتراوح ما بين 35 و69 سنة.
وتم في الدراسة سؤال كل واحد من الأزواج والزوجات على حدة عن كيفية التعامل مع الغضب الناجم عن الخلافات الزوجية، متى ما حصلت في ما بينهم. كما طلب منهم تخيّل لو أن الشريك قام بالصراخ على شريكه جرّاء تفاعله مع شيء لم يفعله، أي ظلماً. وتم سؤالهم عما يتخيلون أنهم سيتفاعلون مع ذلك الظلم من قبل الشريك في التعامل معهم.
وعرّف الباحثون كبت الغضب، بأنه إما عدم إبداء أيّ مظاهر من الغضب إزاء ما يتعرّضون له أو عدم الرغبة في مواجهة الشريك بما يتّهم به أو الشعور بالذنب والندم بُعيد إبداء الغضب أثناء المشاجرة كردّ على تعامل الشريك الظالم مع شريكه المظلوم.
وقام الباحثون بتقسيم شريحة المشاركين في الدراسة إلى أربع مجموعات وفقاً لمدى وجود تواصل في ما بين الزوجين حول دواعي الغضب ونوعية التفاعل معه أثناء المشاجرات الزوجية وزوال الخلاف الزوجي.
وشملت المجموعة الأولى مَن يتواصلون بالتعبير عن الغضب إزاء التعامل غير المنصف من قِبل أحدهما تجاه الآخر. والمجموعتان الثانية والثالثة مَن أحد الزوجين فيهما من يغضب والآخر يكبت غضبه أو غضبها. والرابعة مَن كليهما يكبت غضبه ويتأمل وهو في حالة من الاكتئاب لما يجري بينهما.
وبمراجعة تأثير عوامل أخرى في الوفيات وضبط تأثيرها في النتائج، مثل التدخين وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والرئتين ومقدار العمر والوزن، وجد الباحثون أن معدلات الوفيات ترتفع لدى المجموعة الرابعة ولدى مَن يلتزمون بكبت الغضب من أفراد المجموعات الأخرى.
وبالمراجعة لنتائج متابعة 192 مجموعة من الأزواج والزوجات تبين أن 26 منهم يلجأ كلاهما، أي الزوج والزوجة، إلى كبت الغضب. وهو ما ارتبط بحصول 13 وفاة في تلك المجموعة خلال 17 سنة من المتابعة، أي 50 بالمئة منهم. في حين بلغت الوفيات 41 في ما بين بقية الأزواج والزوجات، أي حوالي 12 بالمئة فقط.
وقال البروفيسور أرنست هاربيرغ، طبيب النفس والباحث الرئيس في الدراسة “حينما يعيش الزوجان فإن المهمة الرئيسية لأحدهما هي إعادة التواصل بعد الخلافات. وعادة لا يكون الأزواج أو الزوجات متمرسين بشكل كاف للقيام بحل المشاكل في علاقتهم الزوجية. ولو كان لهم آباء أو أمهات جيدون في التعامل مع تلك الخلافات الزوجية، فإنهم سيطبقون ما رأوه في صغرهم على حياتهم الزوجية مستقبلاً، وإلا فإن الأزواج والزوجات لن يعلموا كيف يتعاملون مع تلك الخلافات”.
وأشار هاربيرغ بذلك إلى أن مصدر التعليم الرئيسي للتعامل السليم مع الخلافات الزوجية لا يزال هو الأسرة التي نشأ الأزواج فيها سابقاً، وتحديداً ما يراه الأبناء والبنات من كيفية تعامل الأب والأم مع تلك الخلافات حين نشوئها بينهما.
وتساءل البروفيسور هاربيرغ بقوله "المفتاح هو كيف يستطيع أحد الزوجين أن يحلّ الخلاف حين حصوله؟".
وأضاف "لو أن أحدهما يكبت غضبه ويمضي على مضض فيه ويستاء من تصرف الشريك ولا يعلم أيضاً آنذاك كيف يحل الإشكال الزوجي فإن المتاعب تنشأ هنا".
والملاحظ أن الدراسة بحثت في الغضب الناجم عن مهاجمة أحد الزوجين للآخر بصفة ظالمة وغير عادلة، من دون المهاجمة على خطأ ارتكبه أحدهما ولا يعتبر ظلما.
وكانت دراسة سابقة لباحثين من جامعة ميريلاند الأميركية، ضمن المعلومات المتوفرة من دراسة فرامنغهام الأميركية الطبية الواسعة، قد لاحظت أن التزام الزوجات بالصمت عند حصول مشاجرات زوجية يرفع من معدلات الوفيات بينهن بنسبة أربعة أضعاف، مقارنة بمَن يُنفّسن عن غضبهن أمام أزواجهن آنذاك. كما لاحظوا أيضاً ارتفاع نسبة الإصابات بالقولون العصبي والاكتئاب بينهن.
والواقع أن الزواج بحد ذاته لم يكن هو المشكلة، حيث أشارت دراسات طبية سابقة إلى أن المتزوجين أقل عرضة للوفاة جراء الإصابة بأمراض الشرايين القلبية بمقدار حوالي 50 بالمئة، وأقل عرضة للإصابة بأمراض السرطان أو أمراض الكبد.
كما أن المشكلة ليست في وجود ونشوء وحصول خلافات زوجية، بل في نوعية التصرف إزاء حصول تلك النزاعات الطبيعية والمتوقعة في ما بين الأزواج طوال سنوات التشارك في العيش بينهما. وأسوأ أمر هو كبت الغضب وعدم تنفيسه بطريقة سليمة وصحية لا تضر بأحد الزوجين ولا بالزواج كمؤسسة تقوم على التعايش في ما بين الزوج والزوجة.
ويُؤكد الخبراء في طب النفس أن العلامة المميزة للزواج الصحي هي نجاح الزوجين في تخفيف تأثيرات التوتر والضغوط عن نفسيهما وعن شريكهما.