يرجع متخصصون في العلاقات الاجتماعية في السابق، غياب علاقة الصداقة بين الجنسين بسبب طبيعة الأدوار التي يلعبها كلاهما في الحياة؛ فتواجد الرجل في مكان العمل والمرأة في المنزل، جعل من العاطفة والانجذاب الجنسي الإطار الوحيد والطريقة المثلى التي يمكن أن يلتقي فيه الطرفان معاً.
ولهذا السبب ربما، وبسبب تغيّر الأدوار في عصرنا الحديث، حيث أصبح بالإمكان التقاء الرجل والمرأة في العمل، في النادي الرياضي، وضمن سلسلة معقّدة من العلاقات الاجتماعية، فقد أصبح من الضروري ظهور علاقات من نوع آخر بين الطرفين، علاقات اجتماعية أهمها الصداقة، الأمر الذي شجع علماء النفس والاجتماع وغيرهم من المتخصصين في العلاقات، على طرح وجهة نظر مخالفة تماماً للمعتقدات القديمة التي حددت إطاراً ضيقاً لهذه العلاقة.
وعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو غريبا بعض الشيء، فإنهم يؤكدون على أن الصداقة بين الطرفين أصبحت أمرا طبيعيا بل أن هناك أسباباً وجيهة للتشجيع على ذلك.
وترى عالمة النفس الأميركية، ليندا سابادين؛ الباحثة في مركز فالي ستيم في مدينة نيويورك الأميركية، بأن المجتمعات البشرية اعترفت في العموم بالعلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة التي تؤدي إلى التزاوج واستمرار النوع.
وتعد قوانين وأدوار ومراحل هذه العلاقة شبه معتمدة، فيما تم تجاهل علاقة الصداقة لعدم أهميتها في هذا الإطار، في حين أن الصداقات بين الجنسين معروفة أيضا بأطرها وقوانينها الخاصة؛ فالذكور يلتقون في صداقاتهم من خلال القيام بأنشطة معينة، بينما تعتمد الإناث في صداقاتهن على التحدث كثيراً ومشاركة الاهتمامات.
لكن هناك القليل جدا من الصداقات التي تجمع الذكور بالإناث وإن حدثت بصورة نادرة، فلن تكون محددة بمراحل أو قواعد معيّنة تسهل تعريفها. وجزء كبير من هذا اللبس كان نتيجة وسائل الإعلام، التي تصور الصداقة الحقيقية بأنها شبه مستحيلة.
إلى ذلك، يشير مايكل مونسور؛ أستاذ علم الاتصال في جامعة كولورادو في دنفر، ومؤلف كتاب “رجال ونساء”، إلى أننا نشاهد دوماً حتى في أفلام السينما بأن الصداقة بين رجل وامرأة غالبا ما تتحوّل إلى علاقة حب، حتى أصبح من الصعب على الكثير من المجتمعات التغلب على هذه الصورة الثقافية الجامدة.
ويؤكد مونسور أن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه أي اثنين يزعمان الحفاظ على طبيعة الصداقة الحقة التي تجمعهما، من دون أن يصطدما بالمعوقات التي يضعها أفراد المجتمع في طريقهما، وأهم المعوقات طبيعة وجود الانجذاب الجنسي بين الطرفين وصعوبة رؤية رجل وامرأة على قدم المساواة في المميزات الشخصية، ثم تقبل الدائرة الاجتماعية المحيطة بهما لعلاقتهما التي سيحيطها شيء من الغموض وعدم الثقة من قبل الآخرين.
ولهذا، فإن تعريف علاقة الصداقة بين الطرفين غالبا ما يشوبه الخلط في طبيعة المشاعر التي تربط الطرفين، على الرغم من أنها تكون واضحة جدا مع بعض الأشخاص؛ فنحن قد نرتبط بشخص ما من الجنس الآخر، نحب صفاته ونطمئن لصحبته، يكون مرسى لأسرارنا والرفيق الذي يستمع لشكوانا وتقلب أمزجتنا، نجده إلى جانبنا في السراء والضراء، لكن كل هذه الأشياء قد لا تجعله بالضرورة الشخص الذي نقضي بقية حياتنا بصحبته برابط الحب والزواج، فما هو تفسير هذا النوع من العلاقة، سوى أن تكون صداقة؟
وأظهرت نتائج دراسة سابقة، نشرت في مجلة “العلاقات الاجتماعية والشخصية” الأميركية، أن الجاذبية الجنسية كانت سببا أساسا في بدء الصداقة من وجهة نظر الرجال المشاركين في الدراسة، في حين أشارت أكثر من نصف النساء المشاركات في الدراسة، إلى أن التوتر والانجذاب الجنسي الذي يخلقه التقارب أحيانا في الصداقة، هو من أكثر الأشياء إزعاجا في هذا النوع من الصداقات.
في حين أكد المشاركون من الجنسين بأن الإعجاب ولبعض من المشاعر القريبة إلى الحب كانت على الدوام حاضرة، وبصورة لا إرادية، في أي علاقة صداقة بين رجل وإمرأة، إضافة إلى ذلك، هناك عائق مهم قد يقف حائلاً في علاقة الصداقة هذه وهو تسلط أحد الطرفين على الآخر وغالبا ما يكون الرجل.
ففي الصداقة الحقيقية ينبغي أن يكون كلا الطرفين على قدم المساواة في اتخاذ القرارات المشتركة وحرية الرأي في تبادل وجهات النظر، في الوقت الذي تبدو فيه المرأة في هذا النوع من العلاقات خانعة لا إرادياً لسلطة الرجل الصديق، وقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يتحقق التوازن في هذا الجانب، فتسلط وتعنّت أحد الطرفين قد يفسد العلاقة بالكامل.
وفي أغلب المجتمعات، حتى المتطوّرة منها، تشوب علاقة صداقة المرأة والرجل بعض الشكوك وعدم التصديق من قبل الآخرين، في حين قد يتهمهما أصدقاء مقربين من الطرفين بأنهما يصطنعان الصداقة ظاهرياً لإخفاء علاقتهما العاطفية، ولهذا فإن الاثنين مطالبان على الدوام بإثبات حسن نيتهما وصدقهما أمام الآخرين وفي كل المواقف.
وتظهر، بين الحين والآخر، عقبات كثيرة وكبيرة كلما طال أمد الصداقة بينهما، لكن متخصصين يرون أن هذه العلاقة ليست مطلوبة فحسب بل إنها تعدّ ضرورية في بعض الحالات، خاصة إذا كانوا في مكان العمل وما يتطلبه ذلك من ضرورة التفاهم والتواصل والتعايش في مجتمع حديث، على أن يعرف كلا الطرفين كيف يلتزمون بقوانين هذه الصداقة وأن لا يحاولوا شد الخيط الرفيع الذي يفصل الصداقة عن الحب.